هل يجب ان يكون للأنبياء أوصياء؟

( وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيدًا مَا دُمتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيد ))يطرح البعض هذه الاية بأنها تدل على ان لا اوصياء بعد عيسى اريد رد على هذه الشبهة وشكرا

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

قالَ تعالى: (مَا قُلتُ لَهُم إِلَّا مَا أَمَرتَنِي بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم ۚ وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيدًا مَّا دُمتُ فِيهِم ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِم ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ) تتحدّثُ الآيةُ عنِ الإنحرافِ الذي حصلَ للنّصارى بعدَ أن رفعَ اللهُ عيسى (عليه السّلام) إليهِ، وقد أخبرَ القرآنُ عَن هذهِ الإنحرافاتِ وما نسبوهُ للمسيحِ بقولِه: (وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابنُ اللَّه)، وقولِه: (لَقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ)، وقولِه: (لَقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)، وقولِه: (وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيرًا لَّكُم)، وعندَما سألَ اللهُ تعالى عيسى (عليه السّلام) عَن هذهِ الإنحرافاتِ حيثُ قالَ له: (وَإِذ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَينِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ ۚ تَعلَمُ مَا فِي نَفسِي وَلَا أَعلَمُ مَا فِي نَفسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ) فنفى نبيُّ اللهِ عَن نفسِه أن يكونَ أمرَهُم بهذهِ الإنحرافاتِ ويؤكّدُ أنّهُ لَم يأمُرهُم إلّا بما أمرَهُ اللهُ بهِ مِن توحيدِه وصرفِ العبادةِ لهُ وحدَه، قالَ تعالى: (وقالَ المسيحُ يا بني إسرائيلَ أعبدُوا اللهَ ربّي وربّكُم إنّهُ مَن يُشرِك باللهِ فقَد حرّمَ اللهُ عليهِ الجنّةَ ومأواهُ النّارُ وما للظّالمينَ مِن أنصارٍ) وعليهِ فإنَّ الشّهادةَ في الآيةِ تأتي بمعنى العلمِ والإحاطةِ بما كانَ عليه بنو إسرائيلَ، فعندَما كانَ عيسى (عليه السّلام) بينَهم كانَ شاهِداً على عدمِ قولِهم بأنَّ المسيحَ إبنُ اللهِ أو إنّهُ إلهٌ مِن دونِ اللهِ، أمّا بعدَ أن رفعَهُ اللهُ إليهِ ليسَ لهُ علمٌ بحالِهم واللهُ وحدُه هوَ العالمُ بما صنَعُوا؛ لأنّهُ الرّقيبُ عليهِم والشّاهدُ على أفعالِهم، وعليهِ فإنَّ شهادةَ عيسى في الآيةِ هيَ مِن سِنخِ شهادةِ اللهِ ولا علاقةَ لها بالوصيّةِ والوصيّ، وعندَما نفى عيسى شهادتَهُ إنّما نفى علمَه بما أحدثَهُ قومُه مِن بعدِه وأثبتَ في المُقابلِ شهادةَ اللهِ الذي لا يغيبُ عَن علمِه شيءٌ، فعيسى كانَ شاهِداً أي عالِماً بحالِهم عندَما كانَ بينَهم، ثمَّ إنتفَت شهادتُه وعلمُه بعدَ أن غابَ عَنهُم. وقَد جاءَ في تفسيرِ القُرطبيّ في تفسيرِ هذهِ الآيةِ إحتجاجُ رسولِ اللهِ يومَ القيامةِ بقولِ عيسى عندَما يرى بعضَ أصحابِه يُساقونَ إلى النّارِ لِما أحدثوهُ مِن إنحرافٍ بعدَ رحيلِه الشّريفِ عنِ الدّنيا، حيثُ جاءَ فيه: ""ألا وإنّهُ سيُجاءُ برجالٍ مِن أمّتي فيُؤخذُ بهِم ذاتُ الشّمالِ فأقولُ يا ربِّ أصحابي، فيُقالُ: إنّكَ لا تدري ما أحدَثُوا بعدَكَ فأقولُ كما قالَ العبدُ الصّالحُ: وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلمّا توفّيتَني كنتَ أنتَ الرّقيبَ عليهِم وأنتَ على كلِّ شيءٍ شهيدٌ إن تُعذّبهُم فإنّهُم عبادُكَ وإن تغفِر لهُم فإنّكَ أنتَ العزيزُ الحكيمُ قالَ: (فيقالُ لي إنّهُم لَم يزالوا مُدبرينَ مُرتدّينَ على أعقابِهم منذُ فارقتَهم) الأمرُ الذي يُؤكّدُ على أنَّ المقصودَ بالشّهادةِ هوَ العلمُ النّاتجُ عنِ الحضورِ والمُشاهدةِ، فرسولُ اللهِ لَم يكُن شاهِداً وحاضِراً إنقلابَ الصّحابةِ وانحرافَهُم عَن أمرِه، وعليهِ لا علاقةَ لذلكَ بأمرِ الإمامةِ أو الوصايةِ مِن بعدِ الرّسولِ.