ما فضل المعصوم على سائر الناس وهل جرى اختبار للبشريه في عوالم أخرى قبل عالم الدنيا تحدد فيه فضل أحدهم على الآخر .وما أهمية الأيه الكريمه في المحو والاثبات؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

تعرّضنا سابِقاً لسؤالٍ شبيهٍ بهذا السّؤالِ وفصّلنا فيهِ الإجابةَ، إلّا أنّنا نُجملُ الإجابةَ على هذا السّؤالِ بالقول: إنَّ عصمةَ اللهِ للنّبيّ أو الإمامِ لا تقتضي مُصادرةَ إرادتِهم، فالمعصومُ حالُه حالُ البشرِ الذي يدورُ فعلُه في المنزلةِ التي تقعُ بينَ الجبرِ والتّخييرِ، وبالتّالي العصمةُ هيَ نوعٌ منَ اللّطفِ الإلهيّ الذي يمتنعُ معهُ العبدُ عَن إرتكابِ المعاصي معَ قُدرتِه على فعلِها، فهيَ أشبَهُ بمرتبةٍ عاليةٍ منَ التّقوى تحبسُه عنِ المعاصي، ومرتبةٍ عاليةٍ منَ العلمِ تكشفُ لهُ قبائحَ الذّنوبِ، ومرتبةٍ عاليةٍ منَ الإرادةِ تردعُه عنِ الإقترابِ منَ الآثامِ، واكتسابُ الإنسانِ لهذا اللّطفِ وبلوغُه لهذهِ المرتبةِ مُضافاً إلى أنّها خاضعةٌ لحِكمةِ اللهِ ضمنَ الأهدافِ التي رسمَها للجميعِ فهيَ أيضاً موقوفةٌ على إستعداداتٍ تكوينيّةٍ واختياريّةٍ، والبشرُ كما يتفاضلونَ بأفعالِهم الإختياريّةِ كذلكَ يتفاضلونَ بصفاتِهم التّكوينيّةِ، فليسَ القويُّ كالضّعيفِ ولا الأعمى كالبصيرِ ولا المُعافى كالمريضِ، حتّى لو كانَ ذلكَ خارجاً عَن إرادةِ الإنسانِ واختيارِه، فالجواهرُ الثّمينةُ لا تنقصُ قيمتُها لأنّها لَم تشأ أن تكونَ ثمينةً، وهكذا هوَ الحالُ في المقاماتِ المعنويّةِ التي يخصُّ اللهُ بها بعضَ عبادِه، فالأنبياءُ والرّسلُ والأئمّةُ كرّمَهُم اللهُ بالمقامِ الرّفيعِ والدّرجةِ العاليةِ وخصّهُم بهذا الفضلِ دونَ سائرِ البشرِ، ألا يكونُ لهم الفضلُ والكرامةُ على الجميعِ لكونِ اللهِ خصّهم بهذهِ المرتبةِ؟ أليسَ للإنسانِ الفضلُ والكرامةُ على الحيوانِ لكونِ اللهِ خلقَهُ إنساناً ولَم يخلقهُ حيواناً؟ فقَد منحَ اللهُ النّبوّةَ لعيسى بنِ مريم وهوَ طفلٌ رضيعٌ (قالَ إنّي عبدُ اللهِ آتانيَ الكتابَ وجعلني نبيّاً) وقالَ في شأنِ يحيى بنِ زكريّا (..وآتيناهُ الحُكمَ صبيّاً) وعليهِ فإنَّ مقاماتِ البشرِ قَد تكونُ لكرامةٍ خاصّةٍ يمنحُها اللهُ مَن يشاءُ مِن عبادِه وقَد تعودُ إلى جميلِ الفعلِ الإختياريّ، وما ينالُه بعضُ البشرِ مِن بعضِ المُميّزاتِ التّكوينيّةِ تجعلُهم بالتّأكيدِ مُفضّلينَ على مَن ليسَت لهُم هذا المُميّزاتُ، قالَ تعالى: (وَمَا يَسْتَوِى الأَعمَىٰ وَٱلبَصِيرُ)، وقالَ: (مَثَلُ الفَرِيقَينِ كَٱلأَعمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، فالتّباينُ بينَ المخلوقاتِ وإن كانَ أمراً خارِجاً عَن إختيارِها لا يمنعُ مِن تفضيلِ بعضِها على البعضِ الآخرِ، فالإنسانُ ليسَ كالحيوانِ، والنّباتُ ليسَ كالجمادِ، والحيواناتُ في ما بينَها ليسَت كلُّها في مرتبةٍ واحدةٍ، وهكذا هوَ حالُ البشرِ لا يتساوونَ في مؤهّلاتِهم وصفاتِهم الأخلاقيّةِ والخلقيّةِ، قالَ تعالى: (وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُم خَلَٰئِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُم فَوْقَ بَعْضٍۢ دَرَجَٰتٍۢ لِّيَبْلُوَكُم فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌۢ) ولا يقدحُ ذلكَ في مكانةِ أهلِ الفضلِ منهم كما لا يقدحُ في عدالةِ اللهِ طالما كلُّ واحدٍ خُلقَ لهدفٍ يُناسبُه وكُلّفَ بما ينسجمُ معَ مُؤهّلاتِه، قالَ تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا) 

هذا مِن حيثُ المبدأُ أمّا مِن حيثُ الإختبارُ في عوالمَ سابقةٍ، فهُناكَ رواياتٌ تُؤكّدُ ذلكَ، وقَد أشارَ القرآنُ إلى ذلكَ الموقفِ بقولِه: (وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَسْتَ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ) فهناكَ بابٌ في الكافي بأنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أوّلُ مَن أجابَ وأقرَّ للهِ عزَّ وجلَّ بالرّبوبيّةِ: فعَن مُحمّدٍ بنِ يحيى، عَن أحمدَ بنِ محمّدٍ، عَن محمّدٍ بنِ الحسنِ بنِ محبوب، عَن صالحٍ بنِ سهلٍ، عَن أبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام): إنَّ بعضَ قُريشٍ قالَ لرسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): بأيّ شيءٍ سبقتَ الأنبياءَ وأنتَ بُعثتَ آخرَهم وخاتمَهم؟ فقالَ: إنّي كنتُ أوّلَ مَن آمنَ بربّي، وأوّلَ مَن أجابَ حيثُ أخذَ اللهُ ميثاقَ النّبيّينَ وأشهدَهُم على أنفسِهم ألستُ بربّكُم، فكنتُ أنا أوّلَ نبيٍّ قالَ: بلى، فسبقتُهم بالإقرارِ باللهِ عزّ وجلّ) (الكافي ج ٢ / 10) وعليهِ يمكنُ الإستفادةُ مِن بعضِ الرّواياتِ بأنَّ ما تميّزَ بهِ الأنبياءُ يعودُ إلى عوالمَ سابقة، إلّا أنّنا لسنا في حاجةٍ لإثباتِ ذلكَ حتّى نُثبتَ فضلَهُم على سائرِ البشرِ، فما جرى في العوالمِ التي سبقَت الدُّنيا لا نعلمُه وليسَ لنا طريقٌ إلى إدراكِه إلّا بعضَ ما أشارَت إليهِ بعضُ الرّواياتِ، وما شهدَتهُ البشريّةُ في هذهِ الدّنيا مِن مكانةِ الأنبياءِ وفضلِهم كافٍ حتّى لَو لَم نعلَم أنّهم حازوا هذهِ المرتبةَ في عوالمَ سابقةٍ أم في الدّنيا.