ما تفسير الايه الكريمة (( وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ))

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله

قالَ عليٌّ بنُ إبراهيمَ القُمّي :  

فإنّهُ كانَ سببُ نزولِها أنّهُ كانَ بالمدينةِ قومٌ فُقراءُ مؤمنونَ يُسمّونَ أصحابَ الصّفّةِ ، وكانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه أمرَهُم أن يكونوا في الصّفّةِ يأوونَ إليها ، وكانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه يتعاهدُهم بنفسِه ورُبّما حملَ إليهم ما يأكلونَ، وكانوا يختلفونَ إلى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله فيُقرّبُهم ويقعدُ معَهُم ويُؤنسُهم وكانَ إذا جاءَ الأغنياءُ والمُترفونَ مِن أصحابِه أنكَرُوا عليهِ ذلكَ ويقولونَ لهُ إطرُدهُم عنكَ فجاءَ يوماً رجلٌ منَ الأنصارِ إلى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وعندَهُ رجلٌ مِن أصحابِ الصّفّةِ قَد لزقَ برسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه ورسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه يُحدّثُه ، فقعدَ الأنصاريُّ بالبُعدِ منهُما ، فقالَ لهُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه تقدَّم فلَم يفعَل ، فقالَ لهُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه لعلّكَ خِفتَ أن يلزقَ فقرَهُ بكَ فقالَ الأنصاريُّ إطرُد هؤلاءِ عنكَ ، فأنزلَ اللهُ " ولا تطرُدِ الذينَ يدعونَ ربّهُم بالغداةِ والعشيّ يُريدونَ وجهَه . . إلخ ) . تفسيرُ القُمّي ج١ ص ٢٢٨ 

 

وقالَ العلّامةُ الطّباطبائيّ:

 ظاهرُ السّياقِ على ما يُؤيّدُه ما في الآيةِ التّاليةِ : ( وكذلكَ فتنّا بعضَهُم ببعضٍ ) إلخ ، أنَّ المُشركينَ مِن قومِه صلّى اللهُ عليهِ وآلِه إقترَحُوا عليهِ أن يطرُدَ عَن نفسِه الضّعفاءَ المُؤمنينَ بهِ فنهاهُ اللهُ تعالى في هذهِ الآيةِ عَن ذلكَ. وذلكَ منهُم نظيرَ ما إقترحَهُ المُستكبرونَ مِن سائرِ الأممِ مِن رُسلِهم أن يطرُدوا عَن أنفُسِهم الضّعفاءَ والفُقراءَ منَ المُؤمنينَ إستكباراً وتعزّزاً ، وقَد حكى اللهُ تعالى ذلكَ عَن قومِ نوحٍ فيما حكاهُ مِن مُحاججَتِه عليه السّلام محاججةً تشبهُ ما في هذهِ الآياتِ ، قالَ تعالى : ( فقالَ الملأُ الذينَ كفروا مِن قومِه ما نراكَ إلّا بشراً مثلَنا وما نراكَ إتّبعكَ إلّا الذينَ هُم أراذِلُنا بادئَ الرّأي وما نرى لكُم علينا مِن فضلٍ بَل نظنُّكُم كاذبينَ. قالَ يا قومِ أرأيتُم إن كنتُ على بيّنةٍ مِن ربّي وآتاني رحمةً مِن عندِه فعميَت عليكُم أنلزمكموها وأنتُم لها كارهونَ - إلى أن قالَ - وما أنا بطاردٍ الذينَ آمنوا إنّهم مُلاقوا ربِّهم - إلى أن قالَ - ولا أقولُ لكُم عندي خزائنُ اللهِ ولا أعلمُ الغيبَ ولا أقولُ إنّي ملكٌ ولا أقولُ للذينَ تزدري أعينُكم لَن يؤتيهم اللهُ خيراً اللهُ أعلمُ بما في أنفُسِهم إنّي إذاً لمنَ الظّالمينَ ) ( هود : 31 ) . 

والتّطبيقُ بينَ هذهِ الآياتِ والآياتِ التي نحنُ فيها يقضي أن يكونَ المُرادُ بالّذينَ يدعونَ ربَّهُم بالغداةِ والعشيّ ويريدونَ وجهَه همُ المؤمنون ، وإنّما ذكرَ دعاءهم بالغداةِ والعشيّ وهوَ صلاتُهم أو مطلقُ دعائِهم ربَّهُم للدّلالةِ على إرتباطِهم بربِّهم بما لا يُداخلُه غيرُه تعالى وليُوضِّحَ ما سيذكرُه مِن قولِه : ( أليسَ اللهُ بأعلمَ بالشّاكرينَ ) . وقولُه : ( يريدونَ وجهَه ) أي وجهَ اللهِ . تفسيرُ الميزانِ، ج ٧ ص ٩٩ - 100 .