ما هي الامور التي اخبرت بها السيدة زينب (عليها السلام) وهي من الغيبيات ؟ وهل عصمة السيدة زينب عصمة مكتسبة ام الهيه؟

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله

أمّا بالنّسبةِ إلى السّؤالِ الأوّلِ : فهُناكَ جُملةٌ منَ الإخباراتِ الغيبيّةِ التي أخبرَت عنها سيّدتُنا ومولاتُنا الحوراءُ زينبُ عليها السّلام :  

فمِن جُملةِ تلكَ الإخباراتِ:

ما رويَ بالإسنادِ عَن زائدةَ عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السّلام) قالَ : فإنّهُ لمّا أصابَنا بالطّفِ ما أصابَنا وقتلَ أبي ( عليهِ السّلام ) وقتلَ مَن كانَ معَهُ مِن ولدِه وإخوتِه وسائرِ أهلِه ، وحُملَت حرمُه ونساؤه على الأقتابِ يُرادُ بنا الكوفة ، فجعلتُ أنظرُ إليهم صرعى ولَم يواروا ، فعظمَ ذلكَ في صدرِي واشتدَّ لِما أرى منهُم قلقِي، فكادَت نفسي تخرُج، وتبيّنَت ذلكَ منّي عمّتي زينبُ الكُبرى بنتُ عليٍّ ( عليهِ السّلام ) ، فقالَت: ما لي أراكَ تجودُ بنفسِكَ يا بقيّةَ جدّي وأبي وإخوَتي ، فقلتُ: وكيفَ لا أجزعُ وأهلعُ وقَد أرى سيّدي وإخوتِي وعمومَتي وولدَ عمّي وأهلي مُضرّجينَ بدمائِهم، مُرمّلينَ بالعرى ، مُسلّبينَ ، لا يُكفّنونَ ولا يُوارَونَ ، ولا يعرجُ عليهم أحدٌ ، ولا يقربُهم بشرٌ، كأنّهُم أهلُ بيتٍ منَ الدّيلمِ والخزرِ، فقالَت: لا يجزعنّكَ ما ترى فواللهِ إنَّ ذلكَ لعهدٌ مِن رسولِ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم ) إلى جدّكَ وأبيكَ وعمّكَ ، ولقَد أخذَ اللهُ ميثاقَ أناسٍ مِن هذهِ الأمّةِ لا تعرفُهم فراعنةُ هذهِ الأمّةِ ، وهُم معروفونَ في أهلِ السّماواتِ أنّهُم يجمعونَ هذهِ الأعضاءَ المُتفرّقةَ فيوارونَها ، وهذهِ الجسومَ المُضرّجةَ وينصبونَ لهذا الطّفِّ علماً لقبرِ أبيكَ سيّدِ الشّهداءِ، لا يدرسُ أثرُه ولا يعفو رسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّامِ، وليجتهدنَّ أئمّةُ الكُفرِ وأشياعُ الضّلالةِ في مَحوِه وتطميسِه، فلا يزدادُ أثرُه إلّا ظُهوراً، وأمرُه إلّا علوّاً. كاملُ الزّياراتِ لاِبنِ قولويه ص ٤٤٤ . 

فهذهِ ثلاثةُ إخباراتٍ غيبيّةٍ أخبرَت عنها مولاتُنا زينبُ عليها السّلام : 

1- ما يتعلّقُ بدفنِ الأجسادِ الطّاهرةِ لشُهداءِ كربلاء . 

2- قبرُ الحسينِ (عليه السّلام) وقضيّتُه ستبقى على مرِّ الزّمانِ . 

3- إجتهادُ أئمّةِ الكُفرِ في محوِ قبرِه وقضيّتِه، ولكنَّ جميعَ تلكَ المحاولاتِ ستُعطي نتائجَ عكسيّةً . 

وجميعُ هذهِ الإخباراتِ قَد تحقّقَت بشكلٍ واضحٍ . 

ومِن جُملةِ تلكَ الإخباراتِ:

خُطبتُها في مجلسِ يزيدٍ في الشّامِ حيثُ قالَت: فكِد كيدَك واسعَ سعيَك ، وناصِب جهدَك ، فواللهِ لا تمحو ذكرَنا ، ولا تميتُ وحيَنا ، ولا تُدركُ أمدَنا ، ولا ترخصُ عنكَ عارَها ، وهَل رأيُكَ إلّا فنَد ، وأيّامُكَ إلّا عدَد ، وجمعُكَ إلّا بدَد . مقتلُ الحُسينِ للخوارزميّ ج2 ص73 ، اللهوفُ لابنِ طاووسَ ص218 ، بحارُ الأنوارِ للعلّامةِ المجلسيّ ج45 ص ١٣٧ . 

وكلُّ فقرةٍ مِن هذهِ الفقراتِ إخبارٌ عَن أمورٍ مُستقبليّةٍ ، وقَد وقعَ جميعُ ذلكَ . 

وقَد قالَ إمامُنا السّجّادُ عليهِ السّلام مُخاطِباً عمّتَهُ الحوراءَ زينبَ عليها السّلام : وأنتِ بحمدِ اللهِ عالمةٌ غيرُ مُعلّمةٍ ، فهمةٌ غيرُ مُفهّمةٍ . الإحتجاجُ للطّبرسيّ ج2 ص ٣١ . 

 

وأمّا بالنّسبةِ إلى السّؤالِ الثّاني : هَل عصمةُ الحوراءِ زينبَ (عليها السّلام) عصمةٌ مُكتسبَةٌ أم إلهيّةٌ ؟ 

الصّحيحُ في تقسيمِ العِصمةِ : أنَّ العصمةَ إمّا واجبةٌ أو غيرُ واجبةٍ، فإنَّ عصمةَ الأنبياءِ والأئمّةِ عصمةٌ واجبةٌ ، وعصمةُ غيرِهم ليسَت بواجبةٍ ، ولا مانعَ مِن وجودِ إنسانٍ معصومٍ ليسَ بنبيٍّ ولا إمامٍ ، إذِ العِصمةُ لطفٌ إلهيٌّ خاصٌّ ببعضِ عبادِه .  

ومنشأُ العصمةِ :  العلمُ الخاصُّ ، والتّقوى الشّديدةُ ، ومحبّةُ اللهِ وخشيتُه والخوفُ منهُ ، بحيثُ يمتنعُ المُكلّفُ معَها بإختيارِه وإرادَتِه عَن إرتكابِ المعاصي والذّنوبِ ومُخالفةِ الباري تباركَ وتعالى . 

والعصمةُ سواءٌ كانَت واجبةً أم غيرَ واجبةٍ فهيَ إلهيّةٌ ، لأنّها لُطفٌ منَ اللهِ ، فلا يصحُّ تقسيمُها إلى مُكتسبةٍ وإلهيّةٍ ، إذ المُكتسبَةُ أيضاً إلهيّةٌ.

وليسَ منَ البعيدِ أن تكونَ مولاتُنا الحوراءُ زينبُ (عليها السّلام) معصومةً بالعصمةِ غيرِ الواجبةِ، باِعتبارِ أنّها لَيسَت بنبيٍّ ولا إمامٍ . 

كما ذهبَ إلى ذلكَ جُملةٌ مِن عُلمائِنا . 

كيفَ لا تكونُ معصومةً بالعصمةِ غيرِ الواجبةِ ، وهيَ العالمةُ غيرُ المُعلّمةِ والفهمةُ غيرُ المُفهّمةِ ، التي تربَّت في حجرِ النّبوّةِ والإمامةِ . 

وهيَ شريكةُ الحُسينِ (عليه السّلام) في نهضتِه الإصلاحيّةِ ، وكلّفَها اللهُ تحمُّلَ مسؤوليّاتِ وأعباءِ تلكَ النّهضةِ التي يقصرُ الأولياءُ عَن تحمُّلِها ، شاءَ اللهُ أن يراني قتيلاً ، وشاءَ اللهُ أن يراهُنَّ سبايا . 

وهيَ العابدةُ الزّاهدةُ التي أحبَّت اللهَ حُبّاً جعلَها راضيةً بقضائه ، مُسلّمةً لهُ ومفوّضةً إليهِ أمورَها ، بحيثُ لَم تترُك صلاةَ اللّيلِ في أحلكِ الظّروفِ وأشدِّها وهيَ ليلةُ الحادي عشرَ مِن مُحرّم وقبلَه وبعدَه .

فتأمَّل لعظمِ مقامِها وعلمِها ومحبّتِها للهِ عندَما سألَها إبنُ زيادٍ : كيفَ رأيتِ صُنعَ اللهِ بأخيكِ ؟ قالَت : ما رأيتُ إلّا جميلاً . 

فهيَ لا ترى في فعلِ اللهِ إلّا جميلاً ، مُصيبةٌ ما أعظمَها مِن مُصيبةٍ ، أبكَت جميعَ الخلقِ ، وتصدّعَ قلبُها لِهذا المُصابِ ، ولكِن شاءَ اللهُ أن يرى الحُسينَ (عليه السّلام) قتيلاً ، وشاءَ اللهُ أن يراهُنَّ سبايا ، ليكونَ قتلُهم وسبيُهم على يدِ الأعداءِ سبباً لبقاءِ دينِ اللهِ وشريعتِه . نعَم الجانبُ الإلهيُّ وفعلُ اللهِ بالحُسينِ (عليه السّلام) لَم يكُن إلّا جميلاً .  

وأمّا ما يرتبطُ بفعلِ الظّالمينَ بالإمامِ الحُسينِ (عليه السّلام) فهوَ قبيحٌ ومُدانٌ ، ولِذا أدانَت مولاتُنا زينبُ (عليها السّلام) قتلتَهُ في كربلاءَ ، وأدانَت الخاذلينَ في الكوفةِ ، وأدانَت إبنَ زيادٍ مُجيّشَ الجيوشِ لقتلِ أبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام) وسبيّ أهلِه ونسائه ، وأدانَت أهلَ الشّامِ ، وأدانَت يزيدَ في مجلسِه وقصرِه .

هكذا علّمَتنا زينبُ (عليها السّلام) وبصّرَتنا وفهّمَتنا معنى الأمرِ بينَ الأمرينِ في نهضةِ الحُسينِ (عليه السّلام) . 

وهذا يكشفُ عَن عُمقِ التّوحيدِ وتجذّرِه في قلبِها، حتّى ظهرَ جميعُ ذلكَ على جوارحِها . 

إلى غيرِها منَ الدّلائلِ الكثيرةِ التي تستوقفُ الإنسانَ في حياةِ هذهِ المرأةِ العظيمةِ والتي لو تأمّلَ فيها الإنسانُ لجزمَ بعصمتِها سلامُ اللهِ عليها .