(انت قسيم الجنة والنار)، هل هي رواية شيعية محضة، وهل هناك من رواها من المذاهب الأخرى؟

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله

هذا الحديثُ رويَ في مصادرِ أبناءِ العامّةِ مرفوعاً وموقوفاً : 

أمّا روايتُه مرفوعاً عَن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) : فقَد رواهُ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السّلام) وحذيفةُ وأبو ذرٍّ الغفاريّ وأنسُ بنُ مالكٍ وأبو سعيدٍ الخُدريّ وغيرهم عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) : 

أمّا حديثُ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام) عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) :  

1- روى إبنُ المغازليّ والموفّقُ الخوارزميّ والجوينيّ جميعاً بالإسنادِ إلى أحمدَ بنِ عامرٍ قالَ : حدّثنا أبو الحسنِ عليٌّ بنُ موسى الرّضا ، حدّثني أبي موسى بنِ جعفرٍ ، حدّثني أبي جعفرٌ بنِ محمّدٍ ، حدّثني أبي محمّدٌ بنُ عليّ حدّثني أبي عليٌّ بنُ الحسينِ ، حدّثني أبو الحسينِ بنُ عليٍّ بنِ أبي طالب ، حدّثني أبي عليٌّ ابنُ أبي طالب عليه السّلام قالَ : 

قالَ النّبيُّ صلّى اللّهُ عليهِ وسلّم : يا عليّ إنّكَ قسيمُ النّارِ وإنّكَ تقرعُ بابَ الجنّةِ فتدخلُها بلا حساب . 

المناقبُ لابنِ المغازليّ ص107 رقمُ 97 ، والمناقبُ للموفّقِ الخوارزميّ ص294 رقم 281 ، فرائدُ السّمطينِ ج1 ص325 رقم 253 . 

2- ما رواهُ يعقوبُ بنُ سفيانَ الفسوي قالَ : حدّثنا يحيى بنُ عبدِ الحميدِ حدّثنا عليٌّ بنُ مُسهِر عنِ الأعمشِ عَن موسى بنِ طريفٍ عَن عبايةَ عَن عليٍّ قالَ: أنا قسيمُ النّارِ، إذا كانَ يومُ القيامةِ قلتُ هذا لكَ وهذا لي .  

ورأيتُ في كتابِ عُمرَ بنِ حفصٍ بنِ غياثٍ حدّثني أبي عنِ الأعمشِ حديثَ عليٍّ: «أنا قسيمُ النّارِ» . فقلتُ لموسى: ما كانَ عبايةُ عندَكُم؟ فذكرَ مِن فضلِه ومِن صلاتِه ومِن صيامِه وصِدقِه. المعرفةُ والتّاريخُ ليعقوبَ بنِ سفيانَ الفسوي ج2 ص764 . 

أقولُ : وهذا الطّريقُ لهُ حُكمُ الرّفعِ ، فإنَّ إخبارَ أميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام) بأنّهُ إذا كانَ يومُ القيامةِ يقولُ هذا لكِ (للنّارِ) وهذا لي ، فهذا يُعدُّ منَ الإخبارِ بالمُغيّباتِ ، فالمَقطوعُ بهِ أنّهُ سمعَهُ منَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ، وليسَ مِن قِبلِ الرّأي ، فيكونُ لهذا الطّريقِ حُكمُ الرّفعِ .  

وثانياً : فإنَّ تعبيرَ يعقوبَ بنِ سُفيان أنّهُ رأى في كتابِ عُمرَ بنِ حفصٍ بنِ غياث عَن أبيهِ عنِ الأعمشِ حديثَ أنا قسيمُ النّارِ ، تعبيرُه بالحديثِ يدلُّ أنَّ الحديثَ في كتابِ عُمرَ بنِ حفصٍ كانَ مرفوعاً إلى النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) .  

ولعلّهُ مِن هُنا عبّرَ الدّارقطنيُّ عَن هذا الطّريقِ بالحديثِ . أنظُر عللَ الدّارقطنيّ ج6 ص273 . 

ويؤيّدُه : أنَّ الحافظَ الكنجيَّ الشّافعيَّ بعدَ أن نقلَ الحديثَ موقوفاً على أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام) قالَ: هكذا رواهُ الحافظُ أبو القاسمِ الدّمشقيّ في تاريخِه ، ورواهُ غيرُه مرفوعاً إلى النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) . كفايةُ الطّالبِ للحافظِ الكنجيّ ص71 . 

 

 

وأمّا حديثُ أبي ذرٍّ الغفاريّ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) :  

فقَد أخرجَهُ الدّارقطنيّ جاءَ في العللِ :  

وسُئلَ عَن حديثِ يزيد بنِ شريكٍ عَن أبي ذرٍّ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ عليٌّ قسيمُ النّارِ يُدخِلُ أولياءَه الجنّةَ وأعداءَه النّارَ ؟  

فقالَ : ثنا الشّافعيّ أبو بكرٍ قالَ ثنا محمّدٌ بنُ عُمرَ القبليّ قالَ ثنا محمّدٌ بنُ هاشمٍ الثّقفيّ ثنا عبيدُ اللهِ بنُ موسى ثنا الأعمشُ عَن إبراهيمَ التّيميّ عَن أبيهِ عَن أبي ذرٍّ قالَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ذلكَ .  

قالَ الشّيخُ وهذا الحديثُ باطلٌ بهذا الإسنادِ ومِن دونِ عبيدِ اللهِ ضعفاءٌ القبليُّ ضعيفٌ جدّاً وإنّما روى هذا الحديثَ الأعمشُ عَن موسى بنِ طريفٍ عَن عبايةَ عَن عليٍّ . عللُ الدّارقطني ج ٦ ص ٢٧٣ .  

وأمّا حديثُ حُذيفةَ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) :  

فقَد أخرجَهُ الدّيلميُّ في الفردوسِ هكذا : حذيفةُ : عليٌّ قسيمُ النّارِ . الفردوسُ بمأثورِ الخطابِ ج3 ص64 . 

وأمّا حديثُ أنسٍ بنِ مالكٍ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) :  

فقَد رواهُ العاصميُّ في زينِ الفتى بسندِه عَن حميدٍ الطّويلِ: عَن أنسٍ ، عنِ النّبيّ صلّى اللّهُ عليهِ وآلِه وسلّم أنّهُ قالَ : يُنادي يومَ القيامةِ لعليٍّ بنِ أبي طالبٍ أربعةُ منادٍ ويسمّونَهُ بأربعةِ أسماء : يا عليُّ بنُ أبي طالبٍ جعلتُ الميزانَ بيدكَ فرجِّح ميزانَ مَن شئتَ ، واخفِض ميزانَ مَن شئتَ ، و يُنادى : يا أسدَ اللّهِ جُعلَ حوضُ محمّدٍ بيدكَ فاسقِ مَن شئتَ واحبِس مَن شئتَ ، ويا سيفَ اللّهِ على أعدائِه إذهَب إلى الصّراطِ فاحبِس عليها مَن شئتَ وجوِّز منها مَن شئتَ ، ويا وليَّ اللّهِ إذهَب إلى بابِ الجنّةِ فأدخِل مَن شئتَ الجنّةَ ، واصرِف مِنها مَن شئتَ ، فإنّهُ لا يدخلُها إلّا مَن أحبّكَ بقلبِه .

قالَ العاصميُّ : قلتُ : ومِن هذا أخذَ الشّاعرُ قولَه : عليٌّ سيّدُ الأمّةِ * قسيمُ النّارِ والجنّةِ . العسلُ المُصفّى مِن تهذيبِ زينِ الفتى في شرحِ سورةِ هَل أتى ، لأحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ عليٍّ العاصميّ ج2 ص ٤٠٤ 

وأمّا حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريّ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) : 

فقَد رواهُ الحاكمُ الحسكانيّ بسندِه عَن يحيى بنِ عبدِ الحميدِ عَن شريكٍ عنِ الأعمشِ قالَ : حدّثني أبو المتوكّلِ النّاجي عَن أبي سعيدٍ الخدريّ قالَ : قالَ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وآلِه وسلّمَ : إذا كانَ يومُ القيامةِ قالَ اللّهُ تعالى لمُحمّدٍ وعليٍّ : أدخِلا الجنّةَ مَن أحبَّكُما و أدخِلا النّارَ مَن أبغضَكُما ، فيجلسُ عليٌّ على شفيرِ جهنّمَ فيقولُ لها : هذا لي و هذا لكِ ، و هوَ قولُه : ( ألقيا في جهنّمَ كلَّ كفّارٍ عنيد ) . شواهدُ التّنزيلِ لقواعدِ التّفضيلِ للحاكمِ الحسكانيّ ج1 ص191 .

أقولُ : ولهذا الحديثِ عَن أبي سعيدٍ الخُدريّ طُرقٌ عديدةٌ أطلُبها مِن كتابِ شواهدِ التّنزيلِ . 

------------------------------ 

تصريحُ جماعةٍ مِن علماءِ العامّةِ أنّهُ حديثٌ نبويّ :

قالَ القاضي عيّاضٌ اليحصبيّ ( ت 544 هـ )  في الشّفا في إخبارِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بالمُغيّباتِ: وأخبرَ بمُلكِ بني أميّةَ وولايةِ معاويةَ ووصّاهُ، وإتخاذِ بني أميّةَ مالَ اللهِ دولاً ، وخروجِ ولدِ العبّاسِ بالرّاياتِ السّودِ ومُلكِهم أضعافَ ما ملَكُوا وخروجِ المهديّ وما ينالُ أهلَ بيتِه وتقتيلِهم وتشريدِهم وقتلِ عليٍّ وأنَّ أشقاها الذي يُخضّبُ هذهِ مِن هذهِ أي لحيتَهُ مِن رأسِه وأنّهُ قسيمُ النّارِ يُدخِلُ أولياءَه الجنّةَ وأعداءَه النّارَ فكانَ فيمَن عاداهُ الخوارجُ والنّاصبةُ وطائفةٌ ممَّن يُنسَبُ إليهِ منَ الرّوافضِ كفّروهُ! الشّفا بتعريفِ حقوقِ المُصطفى للقاضي عيّاض ج1 ص ٣٤٦ - 347 . 

وقالَ إبنُ أبي الحديدِ المُعتزليّ: فقَد جاءَ في حقِّه الخبرُ الشّائعُ المُستفيضُ: أنّهُ قسيمُ النّارِ والجنّةِ ، وذكرَ أبو عُبيدٍ الهرويّ في " الجمعِ بينَ الغريبينِ " ، أنَّ قوماً مِن أئمّةِ العربيّةِ فسّروهُ ، فقالوا : لأنّهُ لمّا كانَ مُحبّهُ مِن أهلِ الجنّةِ ، ومُبغضُه مِن أهلِ النّارِ ، كأنّهُ بهذا الإعتبارِ قسيمُ النّارِ والجنّةِ . قالَ أبو عبيدٍ : وقالَ غيرُ هؤلاءِ: بَل هوَ قسيمُها بنفسِه في الحقيقةِ، يُدخلُ قوماً إلى الجنّةِ، وقوماً إلى النّارِ، وهذا الذي ذكرَهُ أبو عُبيدٍ أخيراً هوَ ما يُطابقُ الأخبارَ الواردةَ فيهِ، يقولُ للنّارِ: هذا لي فدعيهِ، وهذا لكِ فخُذيهِ. شرحُ نهجِ البلاغةِ ج ٩ ص ١٦٥ 

 

أمّا الطّريقُ المَوقوفُ على أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ (عليه السّلام) - والذي رجّحنا رفعَهُ -  

فهوَ مرويٌّ عنِ الأعمشِ عَن موسى بنِ طريفٍ عَن عبايةَ بنِ ربعيّ عَن عليٍّ (عليهِ السّلام) . 

روى ابنُ عديٍّ في الكاملِ : ثنا محمّدٌ بنُ الحسينِ المحاربيّ ثنا عنادٌ بنُ يعقوبَ ثنا عبدُ اللهِ بنُ عبدِ القدّوسِ عنِ الأعمشِ عَن موسى بنِ طريفٍ عَن عبايةَ بنِ ربعيّ قالَ: قالَ عليٌّ: ( أنا واللهِ الذي لا إلهَ غيرُه قسيمُ النّارِ هذا لي وهذا لكِ). الكاملُ لابنِ عدي ج6 ص ٣٤٠ 

ورويَ أيضاً عنِ الأعمشِ عَن موسى بنِ طريفٍ عَن أبيهِ عَن عليٍّ (عليهِ السّلام) . 

نا السّاجي نا محمّدٌ بنُ المُثنّى نا عبدُ الرّحمنِ بنُ مهدي نا سفيانُ عنِ الأعمشِ عَن موسى بنِ ظريفٍ عَن أبيهِ حديثَ عليٍّ أنا قسيمُ النّارِ . تاريخُ مدينةِ دمشقَ لابنِ عساكرَ ج42 ص ٣٠٠ 

ورواهُ قيسٌ بنُ الرّبيعِ عَن أبي حُصينٍ عُثمانُ بنُ عاصمٍ عَن عبايةَ بنِ ربعيّ ، كما سيأتي . 

الكلامُ في هذا الطّريقِ :  

أمّا الأعمشُ فهوَ ثقةٌ ، وأمّا شيخُه موسى بنُ طريفٍ فإصرارُ الأعمشِ على روايتِه عنهُ توثيقٌ له . 

هذا مُضافاً إلى أنَّ موسى بنَ طريفٍ لم ينفرِد بروايةِ هذا الحديثِ عَن عبايةَ ، فَقد تابعَهُ أبو حُصينٍ عُثمانُ بنُ عاصمٍ بنِ حُصينٍ الثّقةُ، فيما رواهُ ابنُ عديٍّ في الكاملِ قالَ: حدّثنا السّاجي ثنا محمّدٌ بنُ خالدٍ ثنا مخوّلٌ بنُ إبراهيمَ ثنا قيسٌ عَن أبي حُصينٍ عَن عبايةَ سمعتُ عليّاً يقولُ: أنا قسيمُ النّارِ . الكاملُ لابن عديّ ج6 ص41 . 

وأمّا عبايةُ بنُ ربعيّ : فهوَ ثقةٌ مِن أصحابِ عليٍّ (عليهِ السّلام) ، وثّقهُ موسى بنُ طريفٍ واعتمدَ الأعمشُ على توثيقِه، فيما رواهُ يعقوبُ بنُ سفيانَ قالَ: ورأيتُ في كتابِ عُمرَ بنِ حفصٍ بنِ غياثٍ حدّثني أبي عنِ الأعمشِ حديثَ عليٍّ: أنا قسيمُ النّارِ .  

فقلتُ (الأعمشُ) لموسى: ما كانَ عبايةُ عندَكُم؟ فذكرَ مِن فضلِه ومِن صلاتِه ومِن صيامِه وصِدقِه. المعرفةُ والتّاريخُ ليعقوبَ بنِ سُفيانَ الفسويّ ج2 ص764 . 

وقالَ ابنُ سعدٍ في الطّبقاتِ: عبايةُ بنُ ربعيّ الأسديّ روى عَن عُمرَ وعليٍّ بنِ أبي طالبَ وكانَ قليلَ الحديثِ رحمةُ اللهِ عليهِ وبركاتُه . الطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص ١٢٧ . 

وتضعيفُ بعضِ أبناءِ العامّةِ لعبايةَ بنِ ربعيّ لتشيُّعِه لعليٍّ بنِ أبي طالبٍ (عليه السّلام) ، مردودٌ .  

وهذا الحديثُ ممّا كانَ الأعمشُ يُصرُّ على روايتِه، ولهُ قصصٌ وحكاياتٌ كثيرةٌ معَ المُرجئةِ وأبناءِ العامّةِ وفي مرضِ وفاتِه في منعِهم وضغطِهم عليهِ للتّوقّفِ عَن روايةِ هذا الحديثِ .  

إذَن: فهذا الحديثُ ليسَ مِن مُتفرّداتِ الشّيعةِ، فقَد رواهُ الجمُّ الغفيرُ منَ المُحدّثينَ مِن أبناءِ العامّةِ .

وقد كفانا أحمدُ بنُ حنبلٍ مؤونةَ تصحيحِ هذا الحديثِ فيما رواهُ ابنُ أبي يعلى في طبقاتِ الحنابلةِ بسندِه عَن إسحاقَ الحربيّ قالَ: وسمعتُ محمّداً بنَ منصورٍ يقولُ كُنّا عندَ أحمدَ بنِ حنبلٍ فقالَ: لهُ رجلٌ يا أبا عبدِ اللهِ ما تقولُ في هذا الحديثِ الذي يُروى أنَّ عليّاً قالَ: " أنا قسيمُ النّارِ" فقالَ : وما تُنكرونَ مِن ذا أليسَ روينا أنَّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ قالَ لعليٍّ : " لا يُحبّكَ إلّا مُؤمنٌ ولا يُبغضُكَ إلّا مُنافقٌ" قُلنا بلى قالَ: فأينَ المُؤمنُ قُلنا في الجنّةِ قالَ: وأينَ المُنافقُ قُلنا في النّارِ قالَ: فعليٌّ قسيمُ النّارِ. طبقاتُ الحنابلةِ لمُحمّدٍ بنِ أبي يعلي ج1 ص ٣٢٨