ماصحة الحديث الوارد عن الإمام الرضا (عليه السلام) عندما سأله شخص "هل الشيعة في الجنة حتى لو كذبوا وسرقوا.....الخ حتى رد الامام عليه قال نعم سيدخلون الجنة رغماً عن أنفك"؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

هذهِ الرّوايةُ وغيرُها منَ الرّواياتِ المُشابهةِ بلغَت منَ الكثرةِ والشّهرةِ بحيثُ تُغني عن البحثِ عَن سندِها، وقد زخرَت المُصنّفاتُ الحديثيّةُ بها وتسالمَ الشّيعةُ على صحّتِها، ولا تتعارضُ هذهِ الرّواياتُ معَ أيّ قضيّةٍ ثابتةٍ بالضّرورةِ فيما جاءَ به الإسلامُ، والشّبهةُ التي تتبادرُ في أذهانِ البعضِ بأنَّ الرّواياتِ تخالفُ سُنّةَ الحسابِ والعقابِ القائمةِ على ما يفعلُه العبدُ في الدّنيا غيرُ صحيحةٍ؛ وذلك لكونِها شُبهةً قائمةً على فهمٍ حرفيٍّ ومُتعسّفٍ لهذهِ الرّواياتِ، فإذا إستبدلنا كلمةَ شيعة في هذهِ الرّواياتِ بكلمةِ الإسلامِ لما اعترضَ عليها مُعترِضٌ، باعتبارِ أنَّ الإسلامَ هوَ السّببُ الموجبُ لدخولِ الجنّةِ وأنَّ المُسلمَ الحقَّ سوفَ يدخلُ الجنّةَ في خاتمةِ المطافِ برحمةِ اللهِ وشفاعةِ النّبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم)، ولا يمكنُ لأيّ مسلمٍ أن يُشكّكَ في هذهِ النّتيجةِ الحتميّةِ، ولا يمكنُه أن يجعلَ مِن إسلامِه سبباً وحُجّةً في عدمِ الإلتزامِ بأحكامِ الدّينِ وتعاليمِ الشّرعِ، وإنّما يدفعُه ذلكَ ويُحفّزُه إلى مزيدٍ منَ الإخلاصِ والعملِ الصّالحِ لعدمِ وجودِ أيّ ضمانِ بأن يموتَ الإنسانُ على الإسلامِ. وهكذا هوَ حالُ التّشيّعِ بوصفِه التّعبيرَ الأصدقَ والأكملَ للإسلامِ، فمنَ الطّبيعيّ حينَها أن يكونَ مصيرُ الإنسانِ الصّادقِ في تشيُّعِه الجنّةَ، وإنَّ المعاصي التي يرتكبُها مِن غيرِ تعمّدٍ وعنادٍ إمّا أن تشملَها المغفرةُ الإلهيّةُ في حالةِ التّوبةِ والنّدمِ لأنَّ اللهَ يغفرُ الذّنوبَ جميعَها، وإمّا يحاسبُ عليها ويُجازى على إرتكابِها سواءٌ كانَ بمرضٍ أو تضييقٍ في الموتِ أو ضغطةِ في القبرِ أو عذابٍ في البرزخِ وإذا لم يُطهّرهُ كلّ ذلكَ تبقى أمامَه الشّفاعةُ يومَ الحشر. ففي الحديثِ عنِ الصّادقِ عليه السّلام: إنَّ العبدَ إذا كثُرَت ذنوبُه ولم يجِد ما يُكفّرُها به، إبتلاهُ اللهُ بالحزنِ في الدُّنيا، ليُكفّرَها بهِ فإن فعلَ ذلكَ به وإلّا أسقمَ بدنَه ليُكفّرَها به، فإن فعلَ ذلكَ به وإلّا شدّدَ عليه عندَ موتِه ليُكفّرَها به، فإن فعلَ ذلكَ به، وإلّا عذَّبَه في قبرِه ليلقى اللهَ عزَّ وجلَّ يومَ يلقاهُ وليسَ شيءٌ يشهدُ عليه بشيءٍ مِن ذنوبِه). وفلسفةُ كلِّ ذلكَ يمكنُ فهمُه مِن خلالِ أنَّ الجنّةَ لها درجةٌ وجوديّةٌ لا يدخلُها الإنسانُ إلّا إذا تهيّئَت نفسُه بالشّكلِ الذي ينسجمُ معَ درجةِ الجنّةِ، ولِذا جاءَ في الحديثِ لا يدخلُ الجنّةَ مَن كانَ في قلبِه مثقالُ ذرّةٍ منَ الكبرِ، لأنَّ النّفسَ التي تحملُ ولو ذرّةً منَ الكبرِ لا تصلحُ للعيشِ في الجنّةِ، وكذلكَ مَن كانَ في قلبِه ذرّةٌ منَ الحسدِ أو الحقدِ أو غيرِ ذلكَ منَ الصّفاتِ السّلبيّةِ، ولكَي يتمكّنَ الإنسانُ مِن دخولِ الجنّةِ يجبُ أن يُطهّرَ نفسَه مِن كلِّ نقصٍ وشينٍ، والعذابُ الذي يتعرّضُ له المسلمُ والمؤمنُ هوَ مِن أجلِ تخليصِ النّفسِ مِن تلكَ الشّوائبِ حتّى تتهيّأَ لدخولِ الجنّةِ، ومِن هُنا كانَتِ الإبتلاءاتُ في الدّنيا ضرورةً لتزكيةِ النّفسِ وتهذيبِها، وكلّما عملَ الإنسانُ في حياتِه على تطهيرِ نفسِه مِن هذهِ الأدرانِ كلّما سهُلَ طريقُه إلى الجنّةِ، وكلّما قصّرَ في تهذيبِ نفسِه وتربيتِها كلّما طالَ طريقُه إلى الجنّةِ، فمَن عجّلَ اللهُ عقوبتَه على ذنبِه في الدّنيا فقَد رحمَهُ لأنّها تُخلّصُ الإنسانَ وتُصفّيهِ مِن تبعاتِ هذا الذّنبِ يومَ القيامةِ، ولِذا جاءَ في الحديثِ: (إذا أصابَ المؤمنُ مِن تلكَ الموبقاتِ شيئاً إبتلاهُ اللهُ ببليّةٍ في جسدِه أو بخوفٍ يدخلُه اللهُ عليه حتّى يخرجَ منَ الدُّنيا وقد خرجَ مِن ذنوبِه). وهكذا هيَ فلسفةُ ما يصيبُ المؤمنَ حتّى يتهيّأ نفسيّاً لرضوانِ اللهِ تعالى، ولِذا جاءَ في بعضِ الرّواياتِ عليكُم بالبرزخِ وعلينا يومُ الحسابِ، ففي الكافي عَن عمرو بنِ يزيد قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله (عليه السّلام): (إنّي سمعتُك وأنتَ تقولُ: كلُّ شيعتِنا في الجنّةِ على ما كانَ فيهم؟ قالَ صدَقتُكَ كلّهم واللهِ في الجنّةِ، قالَ: قلتِ: جعلتُ فداكَ إنَّ الذُّنوبَ كثيرةٌ؟ فقالَ: أمّا في القيامةِ فكلّكُم في الجنّةِ بشفاعةِ النّبيِّ المُطاعِ أو وصيِّ النّبيّ ولكنّي واللهِ أتخوَّفُ عليكُم في البرزخِ. قلتُ: وما البرزخُ؟ قالَ: القبرُ منذُ حينِ موتِه إلى يومِ القيامة.) وفي روايةٍ أخرى يقولُ الإمامُ (عليه السّلام): وذلكَ أنّه لا يخرجُ منَ الدّنيا حتّى يُصفّى منَ الذّنوبِ إمّا بمُصيبةٍ في مال، أو نفسٍ، أو ولدٍ، أو مرضٍ، وأدنى ما يُصفّى به وليُّنا أن يُريهِ اللهُ رؤيةً مهولةً، فيُصبحُ حزيناً لِما رأى، فيكونُ ذلكَ كفّارةً له، أو خوفاً يردُ عليهِ مِن أهلِ دولةِ الباطلِ، أو يُشدّدَ عليه عندَ الموتِ، فيلقى اللهَ طاهِراً منَ الذّنوبِ) وعليهِ لا دخولَ للجنّةِ معَ الذّنوبِ والمعاصي وإنّما هُناكَ تطهيرٌ للمؤمنِ قبلَ مرحلةِ الجنّةِ ويومِ الحسابِ، وما يتبقّى في ذمّتِه مِن ذنوبٍ سواءٌ بينَه وبينَ النّاسِ أو بينَه وبينَ اللهِ تشملُها شفاعةُ النّبيّ الأكرمِ والأئمّةِ الأطهارِ، ففي الرّوايةِ عنِ الإمامِ الرّضا (عليه السّلام) عن آبائِه، عَن أميرِ المؤمنينَ (عليهم السّلام) قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله): إذا كانَ يومُ القيامةِ وُلّينا حسابَ شيعتِنا، فمَن كانَت مظلمتُه فيما بينَه وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ حكمنا فيها فأجابَنا، ومَن كانَت مظلمتُه بينَه وفيما بينَ النّاسِ إستوهبناها فوُهبَت لنا، ومَن كانَت مظلمتُه فيما بينَه وبينَنا كُنّا أحقَّ مَن عفا وصفح).

وعنِ الصّادقِ (عليه السّلام) قالَ: إذا كانَ يومُ القيامةِ وكّلنا اللهُ بحسابِ شيعتِنا فما كانَ للهِ سألنا اللهَ أن يهبَه لنا فهوَ لهم، وما كانَ للآدميّينَ سألنا اللهَ أن يعوّضَهم بدلَه فهوَ لهم، وما كانَ لنا فهوَ لهُم، ثمّ قرأ: (إِنَّ إِلَينَا إِيَابَهُم * ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا حِسَابَهُم).  

وفي المُحصّلةِ إنَّ مثلَ هذهِ الأخبارَ تدفعُ الشّيعيَّ إلى الإلتزامِ والعملِ الجادّ مِن أجلِ التّقرّبِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) والتّشبّهِ بأفعالِهم وذلكَ ليعيشَ سعيداً في الدّنيا وبعدَ الموتِ ويومَ الحساب. كما تؤكّدُ على أنَّ الإنسانَ يجبُ أن يكونَ في الإتّجاهِ الصّحيحِ وهوَ العقيدةُ السّليمةُ القائمةُ على التّوحيدِ والولايةِ للهِ ولرسولِه وللأئمّةِ مِن أهلِ بيتِه، وما يصيبُ الإنسانَ مِن عثراتٍ وهوَ ماضٍ على هذا الطّريقِ يمكنُ أن يُستدركَ بالتّوبةِ أو بالإبتلاءِ، أمّا إذا كانَت حركتُه في الإتّجاهِ الخاطئِ والمسارِ المُنحرفِ فإنَّ مصيرَه إلى النّار.