اسال عن قضية خلق القران او انه غير مخلوق والتي حدثت في العصر العباسي وما كان موقف الائمه الاطهار من هذه الاشكالية ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

تحوّلَت قضيّةُ خلقِ القرآنِ مِن دائرةِ البحوثِ العلميّةِ التي يجبُ أن تُدارَ بينَ العُلماءِ وفي دوائرِهم الخاصّةِ إلى قضيّةٍ سياسيّةٍ إستغلّها النّظامُ العبّاسيّ لتصفيةِ خصومِه، فقَد تبنّى المأمونُ العبّاسيّ موقفَ المُعتزلةِ بحدوثِ القرآنِ في قبالِ أهلِ الحديثِ الذينَ قالوا بقدمِ القرآنِ، فكانَت السّيادةُ للمُعتزلةِ بحُكمِ موقفِ السّلطةِ وكانَ أهلُ الحديثِ يعانونَ مِن مُلاحقةِ المأمونَ لهُم، وبعدَ أن جاءَ المُتوكّلُ العبّاسيّ تبنّى موقفَ أهلِ الحديثِ وعملَ على مُطاردةِ المُعتزلةِ، فأحدثَ كلُّ ذلكَ فتنةً كبيرةً في الأمّةِ الإسلاميّةِ، ومِن عظيمِ ما أحدثَتهُ هذهِ المسألةُ وما انعكسَ عنها مِن تموّجاتٍ أصبحَت عنواناً لعلمِ العقائدِ والإلهيّاتِ حيثُ باتَ يُسمّى بعلمِ الكلامِ نسبةً لهذهِ المسألةِ. وهكذا تحوّلَ الأمرُ إلى لعبةٍ سياسيّةٍ تتحكّمُ بها الدّولةُ وتُوجّهُها بحسبِ مصالحِها السّياسيّةِ، ولِذا كانَ أئمّةُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) حذرينَ جدّاً في تعاطيهم لهذهِ المسألةِ، فمنعوا أصحابَهم منَ الخوضِ فيها مُؤكّدينَ بذلكَ أنَّ ما يهمُّ المُسلمَ هوَ إعتقادُه بكتابِ اللهِ وأنّهُ وحيُ اللهِ إلى خلقِه، ولا يهمُّ المُسلمَ الدّخولُ في بحثٍ لا طائلةَ منهُ، بَل كانَ سبباً لحدوثِ الفتنةِ وإراقةِ الدّماءِ وتفريقِ جمعِ الأمّةِ الإسلاميّةِ، فكانَ عندَما يُسألُ الإمامُ عنِ القُرآنِ هَل هوَ مخلوقٌ أو غيرُ مخلوقٍ كانَ يكتفي بقولِه أنّهُ كلامُ اللهِ، فعَن سُلَيمَانَ بنِ جَعفَرٍ الجَعفَرِي قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ مُوسَى بنِ جَعفَرٍ عليه السّلام: يَا ابنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي القُرآنِ، فَقَدِ اختَلَفَ فِيهِ مَن قِبَلَنَا، فَقَالَ قَومٌ: إِنَّهُ مَخلُوقٌ، وَقَالَ قَومٌ: إِنَّهُ‏ غَيرُ مَخلُوقٍ؟‏ فَقَالَ عليه السّلام: أَمَّا أَنَا لَا أَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا يَقُولُونَ، وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل.  

 

وعَنِ الرَّيَّانِ بنِ الصَّلتِ قَالَ: قُلتُ لِلرِّضَا عليه السلام مَا تَقُولُ فِي القُرآنِ؟ فَقَالَ: كَلَامُ اللَّهِ لَا تَتَجَاوَزُوهُ، وَلَا تَطلُبُوا الهُدَى فِي غَيرِهِ فَتَضِلُّوا. 

 

وعن عَلِيٍّ بنِ سَالِمٍ عَن أَبِيهِ قَالَ: سَأَلتُ الصَّادِقَ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَقُلتُ لَهُ: يَا ابنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي القُرآنِ. فَقَالَ: هُوَ كَلَامُ‏ اللَّهِ،‏ وَقَولُ‏ اللَّهِ،‏ وَكِتَابُ اللَّهِ، وَوَحيُ اللَّهِ، وَتَنزِيلُهُ، وَهُوَ الكِتَابُ العَزِيزُ الَّذِي‏ لا يَأتِيهِ الباطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ. 

 

وعليهِ لم يُروَ عنهُم أنّهُم خاضوا في هذهِ المسألةِ ولم يُذكَر عنهُم أنّهم إنتصروا لقولِ المُعتزلةِ أو أهل ِ الحديثِ لأنَّ في ذلكَ إنتصاراً لموقفِ السّلطةِ سواءٌ كانَت بقيادةِ المأمونِ أو كانَ بقيادةِ المُتوكّلِ، ويبدو أنّهُ لو أثيرَت هذهِ المسألةُ في جوٍّ علميٍّ بعيداً عَن هذا الظّرفِ السّياسيّ لكانَ للأئمةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) موقفٌ مِن أحدِ  القولينِ، فالقولُ بقدمِ القُرآنِ كما قالَ بهِ الحنابلةُ لا يمكنُ قبولُه وكذلكَ القولُ بالكلامِ النّفسيّ كما قالَت بهِ الأشاعرةُ، والموقفُ الأصوبُ هوَ أنَّ القُرآنَ كلامُ اللهِ الذي أوجدَه بعدَ أن لم يكُن مِن أجلِ هدايةِ النّاس.