السؤال عن الاسراء والمعراج كيف استطاع النبي ان يسافر الى ما هو ابعد من اقرب نجم الينا والعودة بزمن قليل؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله 

السّؤالُ عَن تفسيرٍ علميٍّ فيما يخصُّ المُعجزةَ، سؤالٌ يتغافلُ عَن كونِ المُعجزةِ إذا فُسِّرَت علميّاً لم تُصبِح مُعجزةً، فتخيَّل أنَّ هُناكَ رسولاً مِن قبلِ اللهِ أرادَ أن يُثبتَ لقومِه بأنَّ اللهَ الذي هوَ في الغيبِ مُؤيّدٌ لهُ، ثمَّ قامَ هذا الرّسولُ ووضعَ لهُم ماءً على النّارِ حتّى تبخّرَ وقالَ لهُم هذا هوَ دليلي على تأييدِ اللهِ لي؟ أيمكنُ أن يُصدّقَهُ أحدٌ؟ أمّا إذا أحيى لهُم ميّتاً فسيكونُ مدعاةً لتصديقِه بوصفِه أمراً مُعجِزاً مُخالِفاً للسُّننِ الطّبيعيّةِ، فكيفَ بعدَ ذلكَ نُطالبُ بفهمِ هذهِ الظّاهرةِ وِفقاً للمُختبرِ العلميّ؟ لأنَّ فهمَها وإدراكَ كيفيّتِها يجعلُها أمراً طبيعياً مثلَ تبخُّرِ الماءِ عندَما يتعرّضُ للحرارةِ، وعليهِ فإنَّ هذا الكونَ مليئٌ بالأسرارِ التي لم تُكتشَف بعد، وغرورُ الإنسانِ بما عندَه مِن معلوماتٍ تجعلُه لا يُصدّقُ ما هو خارجٌ عَن حدودِ علمِه، معَ أنّهُ لم يتمكَّن مِن تفسيرِ وجودِ الكونِ ووجودِ الحياةِ عليه، ومعَ ذلكَ يتعاملُ معَ كلِّ ذلكَ كحقائقَ موضوعيّةٍ مُسلّمةٍ لا نقاشَ فيها، فكلّما تواضعَ الإنسانُ وسلّمَ بوجودِ إرادةٍ إلهيّةٍ خلفَ هذا الوجودِ كلّما تمكّنَ أكثر مِن فهمِ هذا الوجودِ، فمعَ أنَّ اللهَ سيّرَ الوجودَ بالأسبابِ الطّبيعيّةِ إلّا أنَّ ذلكَ لا يُخرِجُ الوجودَ عَن سُلطةِ اللهِ وقُدرتِه، وكثيرةٌ هيَ الظّواهرُ التي وقعَت بالفعلِ وعجزَ العلمُ عَن تقديمِ تفسيرٍ علميٍّ لها فهَل نُنكرُ وجودَها وقَد حدثَت أمامَ أعيُنِنا؟ والإنسانُ المؤمنُ يتعاملُ معَ القُرآنِ وما جاءَ فيهِ مِن معاجزَ كما يتعاملُ معَ الحقائقِ المنظورةِ أمامَ عينيه، يُصدّقُ بها إيماناً بقُدرةِ اللهِ وهيمنتِه على الوجودِ حتّى لو لم يتمكَّن مِن فهمِ كيفيّةِ حدوثِها، حالهُ كحالِ العُلماءِ الذي يعجزونَ عَن تفسيرِ كثيرٍ منَ الظّواهرِ معَ تصديقِهم بحدوثِها. 

وعليهِ فإنَّ السّؤالَ عَن كيفيّةِ الإسراءِ والمعراجِ في زمنٍ وجيزٍ، سؤالٌ يكشِفُ عَن أحدِ موقفينِ، فإمّا أن يكونَ مُصدِّقاً بحدوثِها إلّا أنّهُ يبحثُ عَن تفسيرٍ فيزيائيٍّ لها، وإمّا أن يكونَ مُنكِراً لحدوثِها منَ الأساسِ، فإن كانَ مُصدِّقاً بحدوثِ المُعجزاتِ فعليهِ حينَها أن لا يُخضِعَ المُعجزاتِ للقوانينِ الطّبيعيّةِ المعهودةِ لأنَّ أصلَ الإعجازِ هوَ خرقٌ لتلكَ القوانين، وإن لَم يكُن مُصدِّقاً بالمعاجزِ منَ الأساسِ فيجبُ أن يتّجهَ البحثُ معهُ إلى إتّجاهٍ آخرَ، وهوَ هَل لهذا الكونِ إلهٌ لهُ الهيمنةُ والقُدرةُ المُطلقةُ على كلِّ ما فيهِ مِن قوانين أم لا؟ وعندَها يصبحُ البحثُ بحثاً كلاميّاً فلسفيّاً لا علاقةَ لهُ بالفيزياءِ أو غيرِها منَ العلومِ الطّبيعيّةِ.  

ففي المُحصِّلةِ أنَّ الذي أسرى بالنّبيّ مُحمّدٍ (ص) هوَ اللهُ تعالى خالقُ هذا الوجودِ ولَم يفعَل النّبيُّ ذلكَ بقُدرةٍ ذاتيّةٍ وخاصيّةٍ بشريّةٍ، وقد صرّحَتِ الآيةُ التي ذكرَت هذهِ الحادثةَ بذلكَ في قولِه تعالى: (سُبحَانَ الَّذِي أَسرَىٰ بِعَبدِهِ لَيلًا مِّنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)