هل المسيحية واليهودية اديان ام ملل ام شرائع ؟ يقول الله تعالى في كتابه الكريم (ان الدين عند الله الاسلام )

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله للإجابةِ على هذا السّؤالِ لابُدَّ منَ التّفريقِ بينَ ما كانَ عليهِ أنبياءُ اللهِ موسى وعيسى (عليهم السّلام) وبينَ ما عليهِ اليهودُ والنّصارى اليوم، فقد يخلطُ البعضُ بينَ ضرورةِ الإيمانِ بما جاءَ بهِ الأنبياءُ (عليهم السّلام) وبينَ الإعترافِ بما عليهِ اليهوديّةُ والنّصرانيّةُ اليومَ، فقَد أوجبَ اللهُ علينا الإيمانَ بما جاءَ به الأنبياءُ السّابقونَ ولَم يوجِب علينا الإيمانَ بما عليهِ اليهودُ والنّصارى. وعليهِ إيمانُ المُسلمِ بجميعِ الأنبياءِ لا يعني إيمانَه بوجودِ أديانٍ للهِ مُتعدّدةٍ وإنّما إيمانُه بالدّينِ الواحدِ الذي بشّرَ بهِ جميعُ الأنبياءِ، فقَد ذكرَ اللهُ الأنبياءَ (عليهم السّلام) في القرآنِ وأكّدَ على أنَّ دعوتَهم كانَت واحدةً قائمةً على توحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ تعالى: (وَمَا أرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعبُدُونِ). وقالَ تعالى: (وَلَقَد بَعَثنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبُدُوا اللّهَ وَاجتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، وعليهِ الدّينُ الذي يجوزُ نسبتُه للهِ تعالى هوَ دينٌ واحدٌ وهوَ ما كانَ عليه جميعُ الأنبياءِ (عليهم السّلام) وهوَ الإسلامُ، حيثُ قالَ اللهُ تعالى عَن نبيّه إبراهيمَ وابنِه إسماعيلَ (عليهما السّلام): (رَبَّنَا وَاجعَلنَا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسلِمَةً لَّكَ). وقالَ عَن نبيّهِ إبراهيمَ ويعقوب (عليهما السّلام): (إِذ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلِم قَالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إبرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسلِمُونَ). وعَن موسى (عليه السّلام) في دعوتِه لبني اسرائيلَ قالَ عزَّ وجل: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَومِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسلِمِينَ)، وعَن أتباعِ نبيّ اللهِ عيسى (عليه السّلام) قالَ تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنهُمُ الْكُفرَ قَالَ مَن أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشهَد بِأَنَّا مُسلِمُونَ). 

وفي جانبٍ آخرَ نجدُ القرآنَ قد ذكرَ ما عليهِ اليهودُ والنّصارى ووصفَه بأنّهُ إنحرافٌ عمّا جاءَ بهِ الأنبياءُ (عليهم السّلام) قالَ تعالى: (وَإِنَّ مِنهُم لَفَرِيقًا يَلوُونَ ألسِنَتَهُم بالكِتَابِ لِتَحسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِن عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِن عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَهُم يَعلَمُونَ). وذكرَ اللهُ عزَّ وجلّ النّصارى وعقائدَهم وإنحرافاتِهم في آياتٍ عديدةٍ، منها قولُه عزَّ وجلَّ: (لَقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ). وقالَ: (لَقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِن إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّم يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) كما ذكرَ أقوالاً أُخرى عديدةً لهُم في المسيحِ وأمِّه وذكرَ ادّعاءَهم صلبَهُ وبأنّهمُ انحرفُوا عنِ الحقّ في كلِّ ذلكَ. وكذلكَ الحالُ في حقِّ اليهودِ حيثُ تناولَ القرآنُ كثيراً مِن عقائدِهم الفاسدةِ، قالَ تعالى: (وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللّهِ وَقَالَت النَّصَارَى المَسِيحُ ابنُ اللّهِ ذَلِكَ قَولهُم بِأَفوَاهِهِم يُضَاهِئُونَ قَولَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ) 

وإذا قارنّا بينَ الآياتِ التي تتحدّثُ عنِ الأنبياءِ السّابقينِ وضرورةِ الإيمانِ بما جاءوا بهِ، وبينَ الآياتِ التي تتحدّثُ عَن حالِ اليهودِ والنّصارى علِمنا بأنَّ ما عليهِ اليهودُ والنّصارى لا علاقةَ لهُ بدينِ اللهِ، وإنَّ حقيقةَ الدّينِ عندَ اللهِ واحدةٌ وهيَ الإسلامُ، وقَد حسمَ القُرآنُ هذهِ القضيّةَ بقولِه تعالى: (ما كاَن إبراهيمُ يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكِن كانَ حنيفًا مُسلمًا وما كانَ منَ المُشركين). وقالَ اللهُ تعالى عَن نوح عليه السّلام: (فَإِن تَوَلَّيتُم فَمَا سَأَلتُكُم مِن أَجرٍ إِن أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرتُ أَن أَكُونَ مِنَ المُسلِمِينَ) 

وعليهِ فإنَّ القُرآنَ قَد وصفَ الإنحرافَ الذي حدثَ عندَ اليهودِ والنّصارى بأنّهُ خروجٌ عَن دينِ اللهِ وكُفرٌ بهِ، قالَ تعالى: (إنَّ الدّينَ عندَ اللهِ الإسلام وما اختلفَ الذينَ أوتوا الكتابَ إلّا مِن بعدِ ما جاءَهمُ العلمُ بغيًا بينَهم ومَن يكفُر بآياتِ اللهِ فإنَّ اللهَ سريعُ الحسابِ) وقالَ عزَّ وجل: (ومَن يبتغِ غيرَ الإسلامِ دينًا فلَن يُقبلَ منهُ وهوَ في الآخرةِ منَ الخاسرينَ)

وفي المُحصّلةِ، إذا كانَ المقصودُ مِن كلمةِ (الدّين) هوَ مُجرّدَ مُصطلحٍ تعارفَ النّاسُ على استخدامِه لكلِّ مَن لهُ عقيدةٌ غيبيّةٌ أو طقوسٌ عباديّةٌ، فلا إشكالَ في القولِ أنَّ اليهودَ والنّصارى دينٌ؛ بَل إنَّ المُصطلحَ قَد يتّسعُ ليشملَ دياناتٍ أُخرى أرضيّةٍ مثلَ البوذيّةِ وغيرَها، أمّا إذا أُريدَ بهذهِ الكلمةِ التّعبيرُ عَن دينٍ يجوزُ نسبتُه للهِ تعالى، فليسَ هُناكَ إلّا دينٌ واحدٌ وهوَ الإسلامُ الذي كانَ عليهِ جميعُ الأنبياء.

وكذلكَ لا يصحُّ القولُ إنَّ ما عليهِ اليهودُ والنّصارى شرائعُ سماويّةٌ لوقوعِ التّحريفِ فيها، وعليهِ فإنَّ الشّرائعَ السّماويّةَ هيَ وحدَها التي جاءَ بها الأنبياءُ (عليهم السّلام) فالشّرائعُ مُتعدّدةٌ بتعدُّدِ الأزمانِ والدّينُ واحدٌ في كلِّ الإزمانِ.