هل ذو القرنين ملك حاكم ام نبي مرسل من الله تعالى ومن هم الاقوام الذي وجدهم عن مغرب الشمس وعند مشرقها ...كما يذكر في سورة الكهف المباركة

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله الجواب عَن سؤالكَ سيكونُ مِن شقّين: الأوّلُ: عَن صفةِ ذي القرنينِ ومنصبِه, والآخرُ: عنِ الأقوامِ التي مرَّ بها.  

فأمّا الشّقُّ الأوّلُ: فإنَّ ذا القرنينِ لَم يكُنْ نبيّاً ولا رسولاً ولا ملكاً , ولكِن كانَ عبداً للهِ تعالى, أحبَّ اللهَ تعالى فأحبّهُ اللهُ, ونصحَ للهِ تعالى فنصحَهُ اللهُ .وهذا ما دلَّت عليهِ مجموعةٌ منَ الرّواياتِ الواردةِ عَن أهلِ البيتِ عليهم السّلام, فمِنها: 

1- ما وردَ في كتابِ (معاني القرآنِ) للنّحّاسِ: رقمُ (122), فهوَ لَـمّا عرضَ لقولِه تعالى : ( ويسألونكَ عَن ذي القرنينِ ، قُل سأتلو عليكُم منهُ ذِكراً ) [ الآيةُ 83 ] .قالَ: روى أبو الطّفيلِ أنَّ ابنَ الكوّا سألَ عليّاً بنَ أبي طالبٍ عليه السّلام عَن (ذي القرنينِ), أكانَ نبيّاً أو ملكاً ؟ فقالَ : لَم يكُن نبيّاً ولا ملِكاً ، ولكِن كانَ عبداً صالِحاً ، أحبَّ اللهَ فأحبّهُ ، ونصحَ اللهَ فنصحَه اللهُ ، ضُربَ على قرنِه الأيمنَ فماتَ ، فبعثَهُ اللهُ ، ثمَّ ضُربَ على قرنِه الأيسرِ فماتَ ، ففيكُم مثلُه ؟ قالَ أبو جعفرٍ : وهذا أجلُّ إسنادٍ رويَ في تسميتِه بذي القرنين. 

2- ومنها: ما وردَ في (بصائرِ الدّرجاتِ) للصّفّارِ في الصّفحةِ (386), ( ح4 ): حدّثنا إبراهيمُ بنُ هاشمٍ عَن أبي عبدِ الله البرقيّ عَن صفوانَ بنِ يحيى عنِ الحرثِ بنِ المُغيرةِ النّضريّ عَن حمرانَ بنِ أعينٍ قالَ أخبرني أبو جعفرٍ عليه السّلام أنَّ عليّاً كانَ مُحدَّثاً, فقالَ أصحابنا: ما صنعتَ شيئاً؛ ألا سألتَه مَن يُحَدِّثَهُ؟ فقضى أنّي لقيتُ أبا جعفرٍ عليه السّلام فقلتُ ألستَ أخبرتَني أنَّ عليّاً عليهِ السّلام كانَ مُحدّثاً؟ قالَ: بلى. قلتُ: مَنْ كانَ يُحدّثُه؟ قاَل: ملكٌ. قلتُ: فأقولُ إنّهُ نبيٌّ أو رسولٌ؟ قالَ: لا , بَل قُلْ: مَثلُه مثلُ صاحبِ سُليمان وصاحبِ موسى ومثلُه مثل ذي القرنينِ, أما سمعتَ أنَّ عليّاً عليهِ السّلام سُئلَ عَن ذي القرنينِ أنبيّاً كانَ؟ قالَ: لا , ولكِن كانَ عبداً أحبَّ اللهَ فأحبَّهُ, وناصحَ اللهَ, فنصحَه فهذا مثلُه. 

3- وفي (عللِ الشّرائعِ) للصّدوقِ, ص40: 1 - أبي رحمَهُ اللهُ قالَ : حدّثني مُحمّدٌ بنُ يحيى العطّارِ ، عنِ الحُسينِ بنِ الحسنِ بنِ أبانٍ عَن محمّدٍ بنِ أرومةَ قالَ : حدّثني القاسمُ بنُ عروةَ ، عن بريدٍ العجليّ عنِ الأصبغِ بنِ نُباتةَ قالَ : قامَ ابنُ الكوّاءِ إلى عليٍّ عليهِ السّلام وهوَ على المنبرِ فقالَ : يا أميرَ المؤمنين أخبِرني عَن ذي القرنينِ ، أنبيّاً كانَ أم ملكاً ؟ وأخبرني عَن قرنِه أمِن ذهبٍ كانَ أم مِن فضّةٍ ؟ فقالَ لهُ : لَم يكُن نبيّاً ولا ملكاً ، ولَم يكُن قرناهُ مِن ذهبٍ ولا فضّةٍ, ولكنّهُ كانَ عبداً أحبَّ اللهَ فأحبّهُ اللهُ ونصحَ للهِ فنصحَهُ اللهُ ، وإنّما سُمّيَ ذا القرنينِ لأنّه دعا قومَه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ, فضربوهُ على قرنِه, فغابَ عنهُم حيناً, ثُمَّ عادَ إليهم فضُربَ على قرنِه الآخرِ ، وفيكُم مثلُه . 

4- وفي أصولِ الكافي (1/269): عليٍّ بنِ إبراهيمَ ، عَن أبيهِ ، عَن ابنِ أبي عُميرٍ ، عَن ابنِ أُذينةَ ، عَن بريدٍ عَن معاويةَ ، عَن أبي جعفرٍ وأبي عبدِ اللَّهِ - عليهما السّلامُ - قالَ : قلتُ لهُ : ما منزلتُكم ، ومَن تشبهونَ ممَّن مضى ؟ قالَ : صاحبُ موسى وذو القرنينِ ، كانا عالمينِ ولم يكونا نبيّينِ . 

5- وفي الكافي أيضاً (1/269): عدّةٌ مِن أصحابنا: عَن أحمدَ بنِ محمّدٍ ، عنِ الحُسينِ بنِ سعيدٍ ، عَن حمّادٍ بنِ عيسى ، عنِ الحُسينِ بنِ المُختارِ ، عن الحرثِ بنِ المُغيرةِ قالَ : قالَ أبو جعفرٍ - عليه السّلام - : إنّ عليّاً - عليه السّلام - كانَ مُحدّثاً. فقلتُ : فتقولُ نبيٌّ ؟ قالَ : فحرّكَ بيدِه هكذا ، ثمَّ   قالَ : أو كصاحبِ سليمانَ ، أو كصاحبِ موسى ، أو كذي القرنينِ ، أو ما بلغكُم أنّهُ قالَ : وفيكُم مثلُه . 

6- وفي الكافي (5/70): عليٍّ بنِ إبراهيمَ ، عَن أبيهِ ، عَن هارونَ بنِ مسلمٍ ، عَن مسعدةَ بنِ صدقةَ ، عَن أبي عبدِ اللَّهِ - عليه السّلام – في حديثٍ طويلٍ ، يقولُ فيه - عليه السّلام - لأقوامٍ يظهرونَ الزّهدَ ويدعونَ النّاسَ أن يكونوا معَهُم على مثلِ الذي هُم عليهِ منَ التّقشّفِ؛ أخبروني أينَ أنتُم عَن سُليمانَ بنِ داود ؟ ثمّ ذو القرنينِ - عليه السّلام - عبدٌ أحبَّ اللَّهَ فأحبّهُ اللَّهُ ، وطوى لهُ الأسبابَ ، وملَّكَهُ مشارقَ الأرضِ ومغاربَها ، وكانَ يقولُ الحقَّ ويعملُ به ، ثمّ لم يجِد أحداً عابَ ذلكَ عليه . 

7- وفي كتابِ كمالِ الدّينِ وتمامِ النّعمةِ (393)، بإسنادِه إلى أبي بصيرٍ : عَن أبي جعفرٍ - عليهِ السّلام - قالَ : إنَّ ذا القرنينَ لَم يكُن نبيّاً ، ولكنّهُ كانَ عبداً صالِحاً أحبَّ اللَّهَ فأحبّهُ اللَّهُ وناصحَ اللَّهَ فناصحَه ، أمرَ قومَه بتقوى اللَّهِ فضربوهُ على قرنِه فغابَ عنهُم زماناً ، ثمَّ رجعَ إليهم فضربوهُ على قرنِه الآخرِ ، وفيكُم مَن هوَ على سُنّتِه .

8- وفي كتابِ كمالِ الدّينِ أيضاً (394) بإسنادِه إلى جابرٍ بنِ عبدِ اللَّهِ الأنصاريّ قالَ : سمعتُ رسولَ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليه وآلِه - يقولُ : إنَّ ذا القرنينِ كانَ عبداً صالِحاً جعلَهُ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - حُجّةً على عبادِه ، فدعا قومَه إلى اللهِ - عزَّ وجلَّ - وأمرَهُم بتقواهُ ، فضربوهُ على قرنِه فغابَ عنهُم زماناً حتّى قيلَ : ماتَ أو هلكَ بأيّ وادٍ سلكَ ، ثمَّ ظهرَ ورجعَ إلى قومِه فضربوهُ على قرنِه الآخر ، وفيكُم مَن هوَ على سُنّتِه ، وإنَّ اللَّهَ - عزَّ وجلَّ - مكّنَ لذي القرنينِ في الأرضِ وجعلَ لهُ مِن كلِّ شيءٍ سبباً ، وبلغَ المغربَ والمشرقَ ، وإنَّ اللَّهَ - عزَّ وجلَّ - سيُجري سُنّتَه في القائمِ مِن ولدي فيُبلّغُه مشرقَ الأرضِ وغربَها ، حتّى لا يبقى منهلٌ ولا موضعٌ فيها مِن سهلٍ أو جبلٍ وطئَهُ  ذو القرنينِ إلَّا وطئَه ، ويُظهرُ اللهُ - عزَّ وجلَّ - لهُ كنوزَ الأرضِ ومعادنَها بيدِه ، وينصرُه بالرّعبِ ، ويملأ الأرضَ بهِ عدلاً وقِسطاً ، كما مُلئَت جَوراً وظُلماً . 

9- وفي تفسيرِ العيّاشي: عَن أبي الطَّفيلِ قالَ : سمعتُ عليّاً - عليهِ السّلام - يقولُ : إنَّ ذا القرنينَ لَم يكُن نبيّاً ولا رسولاً ، ولكِنْ كانَ عبداً أحبَّ اللَّهَ فأحبّهُ وناصحَ اللَّهَ فنصحَهُ ، دعا قومَه فضربوهُ على أحدِ قرنيهِ فقتلوهُ ، ثمَّ بعثهُ اللَّهُ فضربوهُ على قرنِه الآخرِ فقتلوهُ. 

هذا هوَ المعروفُ والمُستفيضُ عَن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام في صفةِ ذي القرنينِ أنّهُ لَم يكُن نبيّاً ولا رسولاً ولا ملكاً , وفيهِ ردٌّ على ما وردَ مِن طُرقِ أبناءِ العامّةِ عَن بعضِ الصّحابةِ والتّابعينَ حينَ عدّهُ بعضُهم نبيّاً منَ الأنبياءِ عليهم السّلام, أو مَلِكاً من الملوكَ  أو كونَه مَلَكاً منَ الملائكةِ, كما في كتابِ (البدايةِ والنّهايةِ) لابنِ كثيرٍ طبعةُ هجر (ج2/ص536), وغيرُه من كتبِهم التي أشارَت إلى ذلكَ.  

فإنْ أشكَل بعضُهم بأنَّ هناكَ بعضَ الرّواياتِ نصّت على أنّهُ يُعّـدُّ مَلِكاً من الملوكِ, كما روى العيّاشيّ في تفسيرِه (ج2/ص340) عَن أبي حمزةَ الثّماليّ ، عَن أبي جعفرٍ - عليهِ السّلام - قالَ : إنَّ اللَّهَ لم يبعَث أنبياءً ملوكاً في الأرضِ إلَّا أربعةً بعدَ نوحٍ: أوّلُهم ذو القرنينِ واسمُه عيّاشٌ ، وداودُ ، وسليمانُ ، ويوسف ، فأمّا عيّاشٌ فملكَ ما بينَ المشرقِ والمغربِ ، وأمّا داودُ فملكَ ما بينَ الشّاماتِ إلى بلادِ إصطخر ، وكذلكَ كانَ مُلكُ سليمانَ ، وأمّا يوسفُ فملكَ مصرَ وبراريها ولم يجاوزها إلى غيرِها. وكذلكَ ما رواهُ الصّدوقُ في كتابِ الخصالِ (1/255): عَن محمّدٍ بنِ خالدٍ ، بإسنادٍ رفعَه إلى أبي عبدِ اللَّهِ - عليه السّلام - قالَ : ملكَ الأرضَ كلَّها أربعةٌ : مؤمنانِ وكافرانِ ، فأمّا المؤمنانِ فسُليمانُ بنُ داودَ وذو القرنينِ ، وأمّا الكافرانِ نمرودُ وبخت نصر . واسمُ ذي القرنينِ : عبدُ اللَّهِ بنُ ضحّاكٍ بنِ معد. 

فهاتانِ الرّوايتانِ وأمثالُهما ستناقضُ وتعارضُ بعضَ الرّواياتِ التي نفَت أنْ يكونَ ذو القرنينِ مَلِكاً, وقَد تقدّم ذكرُها آنفاً, فكيفَ يمكنُ حلُّ هذا التّعارضِ في مثلِ هذا المقامِ. 

فالجوابُ عَن ذلكَ بأنَّ هاتينِ الرّوايتينِ وأمثالَهما على فرضِ صحّتِهما؛ لا يحملُ لفظَ (الملكِ) الواردِ فيهما على كونِه منصِباً منَ المناصبِ قد نالَه هؤلاءِ, وإنّما يُحملُ فيهِما لفظُ (الملكِ) على بيانِ ما مكّنَهُم اللهُ تعالى في الأرضِ وحدودِ سُلطتِهم وسعتِها بعدَ أنْ جعلَ لهُم مِن كُلِّ شيءٍ سبباً ، وبلغَ بهم المشرقَ والمغربَ. فهُم – إذنْ – ليسُوا ملوكاً بالمعنى المعروفِ والمُصطلَحِ عليهِ بينَ أهلِ العلمِ, فسُليمانُ ويوسفُ (عليهما السّلام) لا شكَّ في أنّهُما مِن أنبياءِ اللهِ تعالى , وذو القرنينِ كانَ عبداً صالِحاً طائِعاً للهِ تعالى, ولكِن في حدودِ سُلطتِهم التي مكّنَهم اللهُ عزَّ وجلَّ منها صارَ يُطلَقُ عليهم مجازاً أنّهُم ملوكُ الأرضِ, لا حقيقةً أنّهم ملوكٌ مُنصبّونَ مِن عندِ الباري جلَّ وعلا. وعليهِ فلا تنافي ولا تعارضَ بينَ الرّواياتِ في هذا المقامِ. 

وأمّا الشّقُّ الثّاني منَ السّؤالِ: فنقولُ: إنَّ الأقوامَ التي مرَّ بها ذو القرنينِ، هيَ ما صرّحَت بهِ الآياتُ الواردُ في سورةِ الكهفِ وِفقاً لِما يلي: 1- في قولِه تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغرِبَ الشَّمسِ وَجَدَهَا تَغرُبُ فِي عَينٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوماً قُلنا يَا ذَا القَرنَينِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِم حُسناً ) [الكهفُ86]. 

2- وقولِه تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطلِعَ الشَّمسِ وَجَدَهَا تَطلُعُ عَلَى قَومٍ لَّم نَجعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتراً ) [الكهفُ90]. 

3- وقولِه تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَينَ السَّدَّينِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوماً لَّا يَكَادُونَ يَفقَهُونَ قَولاً ) [الكهفُ93].

وعلى حسبِ ما ذهبَ إليهِ جملةٌ منَ المُفسّرينَ فإنَّ المُرادَ منَ القومِ في الآيةِ الأولى هُم الذينَ كانَ لِباسُهم جلودَ الوحوشِ وطعامُهم ما لفظَه البحرُ ، وكانُوا كُفّاراً ، فخيّرهُ اللهُ بينَ أن يُعذّبَهُم أو يدعوهم إلى الإيمانِ ، كما في قولِه تعالى : « قُلنا يا ذَا القَرنَينِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ » ، أي : بالقتلِ على كُفرِهم, وإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِم حُسناً بالإرشادِ وتعلَّم الشّرائعِ.

وأمّا المُرادُ منَ القومِ في الآيةِ الثّانيةِ فقيلَ: إنّهُم الزّنجُ, وهُم الذينَ لم يعلمُوا صفةَ البيوتِ, أو لم يعلمُوا صفةَ اللَّباسِ. 

وأمّا المُرادُ منَ القومِ في الآيةِ الثّالثةِ فقيلَ: إنّهم التّركُ, وهُم الذينَ لا يكادونَ يفهمونَ القولَ إلّا بجُهدٍ ومشقّةٍ مِن إشارةٍ ونحوِها, وذلكَ لغرابةِ لُغتِهم, وقلّةِ فطنتِهم. (يُنظر: تفسيرُ النّسفيّ, وتفسيرُ ابنِ كثيرٍ, ومجمعُ البيانِ وتفسيرُ كنزِ الدّقائقِ عندَ بيانِهم لهذهِ الآياتِ). ودُمتم سالِمين.