هل صحيح ما يقال في كتاب مفاتيح الجنان بوجود روايات مرسلة او منقولة عن اساتذة الشيخ عباس القمي؟وهل صحيح ما يقال ان العلماء المتاخرين لايرون قطعية صدور الرويات في الكتب الاربعة؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله :

نعم توجدُ رواياتٌ مرسلةٌ في كتابِ مفاتيحِ الجنانِ للشّيخِ الجليلِ عبّاسٍ القُميّ, ولكِنَّ هذا لا يعني عدمَ صحّتِها لكونِها منَ المراسيلِ, إذ قد تكونُ الرّواياتُ الواصلةُ إليهِ في بعضِ الأبوابِ مُرسلةً, ولكِن تجدُ جملةً من عُلمائِنا الأعلامِ قد عملُوا بها واطمئنّوا لها,  فحينئذٍ مثلُ هذهِ الرّواياتِ يُعتمدُ عليها, لأنّ العملَ بها كاشفٌ عَن صحّتها عندَ فريقٍ مِن عُلمائِنا الأعلامِ كما بُحِثَ ذلكَ في علمِ أصولِ الفقهِ في بابِ حُجّيّةِ الخبرِ الواحدِ, وخصوصاً إذا كانت هذهِ الرّواياتُ واردةً في بابِ الرّقائقِ والمواعظِ والإرشادِ والأدعيةِ التي يُتسامحُ بها مِن جهةِ الإسنادِ, ولا يُتشدّد فيها كما هوَ الحالُ في بابِ الدّيّاتِ والفُروجِ والدّماءِ ونحوِها,  وهذا أمرٌ بُحِثَ أيضاً في كتبِ الدّرايةِ وعلمِ الرّجالِ. وأمّا أنّ كثيراً مِن عُلمائِنا المُتأخّرينَ لا يرونَ قطعيّةَ صدورِ الرّواياتِ في الكُتبِ الأربعةِ فهذا صحيحٌ,  إذ ليسَ هوَ رأيُ علمائِنا المُتأخّرينَ فقط؛ وإنّما يذهبُ إليهِ أيضاً جملةٌ مِن عُلمائِنا المُتقدّمينَ والمُعاصرينَ, وحُجّتُهم في ذلكَ : أنَّ مثلَ هذهِ الدّعوى التي ذهبَ إليها بعضُ الأعلامِ غيرُ مُسلّمةٍ, وذلكَ لأنّ القولَ بها يقتضي عدمَ إعتمادِ أصحابِ الكتبِ الأربعةِ أنفسِهم على الأخبارِ غيرِ القطعيّةِ الموجودةِ في كُتبِهم, وهذا خلافُ الواقعِ, وخصوصاً لمَن مارسَ فنَّ التّخريجِ وغاصَ في معرفةِ الأسانيدِ, وكذلكَ فإنّهم صحّحوا بعضَ الأخبارِ التي لا تُفيدُ القطعَ , وضعّفوا غيرَها وقدحُوا فيها مِن قبيلِ أنّ في سندِها راوياً مجهولاً أو ضعيفاً أو لا يعملُ بما ينفردُ به أو نحوَ ذلك. زِد على ذلكَ إختلافهم في العملِ بالخبرِ الواحدِ, إذ بعضُهم يعملُ به, والآخرُ يقدحُ فيه. وخُذ مثالاً على ذلكَ: في خبرِ حُذيفةَ بنِ منصورٍ أنّه سألَ الإمامَ الصّادقَ عليه السّلام عن شهرِ رمضان, هَل يُصيبُه ما يُصيبُ الشّهورَ منَ النّقصانِ؟ فقالَ: عليه السّلام: لا واللهِ, لا والله ما نقصَ شهرُ رمضان, ولا ينقصُ أبداً مِن ثلاثينَ يوماً وثلاثينَ ليلة. فقَد عملَ بهذا الخبرِ الشّيخُ الصّدوقُ رضوانُ اللهِ تعالى عليه, إذ قالَ: في هذا البابِ الأخبارُ أكثرُ مِن أن تُحصى كما في كتابِه (مَن لا يحضرُه الفقيه ج2/169). معَ أنَّ شيخَ الطّائفةِ الطّوسيّ قدّسَ اللهُ سرّهُ الشّريفَ لا يعملُ به. إذ علّق عليهِ قائلاً: وهذا الخبرُ لا يصحُّ العملُ به مِن وجوهٍ: منها: أنّ متنَ هذا الخبرِ لا يوجدُ في شيءٍ منَ الأصولِ المُصنّفةِ, وإنّما هوَ موجودٌ في الشّواذّ منَ الأخبارِ, ومنها: أنَّ كتابَ حُذيفةَ بنِ منصورٍ عريٌّ مِن هذا الخبرِ, وهو كتابٌ معروفٌ مشهورٌ, فلو كانَ هذا الخبرُ عنهُ لضمّنَهُ كتابَه. ومنها أنَّ هذا الخبرَ مُختلفُ الألفاظِ مُضطربُ المعاني, ألا ترى أنّ حُذيفةَ تارةً يرويهِ عَن معاذٍ بنِ كثيرٍ عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام, وتارةً يرويهِ عَن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام بلا واسطةٍ, وتارةً يُفتي بهِ مِن قِبلِ نفسِه , ولا يسندُه إلى أحدٍ, وهذا الضّربُ منَ الإختلافِ مِـمّا يُضعّفُ الاعتراضَ به والتّعلّقَ بمثلِه. (يُنظر كتابُ الإستبصارِ للطّوسيّ ج2/ص65, حديثُ رقم 215, وتهذيبُ الأحكامِ له ج4/ص169, حديث رقم 482). ودمتُم سالِمين.