ما معنى عبارة (وحرفوا ايات القران) الواردة بزيارة الناحية المقدسة المروية عن صاحب الزمان (عج) مع العلم أن من الثوابت عندنا أن القرآن محفوظ عن التحريف

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله :

قبلَ كُلِّ شيءٍ لا بُدَّ أنْ نعرفَ المقصودَ بالتّحريفِ لُغةً واصطلاحاً , لكَي نستطيعَ أنْ نفهمَ المُرادَ منَ التّحريفِ الواردِ في هذا الحديثِ, فنقولُ وباللهِ التّوفيق: 

التّحريفُ لُغةً:

قالَ ابنُ منظورٍ في كتابِه (لسانُ العربِ) في مادّةِ (حرف): الحرفُ في الأصلِ : الطّرفُ والجانبُ. وقالَ الرّاغُب الأصفهانيُّ في كتابِه (مفرداتُ ألفاظِ القرآنِ) في الصّفحةِ 228: حرفُ الشّيءَ: طرفُهُ ...، وتحريفُ الشّيء: إمالتُه, كتحريفِ القلمِ , وتحريفِ الكلامِ. وقالَ الزّمخشريُّ في كتابِه (الكشّافُ 3: 146) في تفسيرِ قولِه تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ الله عَلَى حرفٍ)) [الحجُّ 22: 11]. قالَ: أي على طرفٍ من الدّينِ, لا في وسطِه وقلبِه، وهذا مثلٌ, لكونِهم على قلقٍ واضّطرابٍ في دينِهم، لا على سكونٍ وطمأنينةٍ. 

وأمّا التّحريفُ في الإصطلاحِ فلهُ عِدّةُ معانٍ , نذكرُ المُهمَّ منها: 

1- التّحريفُ المعنويُّ، ويشتملُ على نوعينِ: أحدُهما: يُرادُ بهِ حملُ اللّفظِ على معانٍ بعيدةٍ عنهُ , لا علاقةَ لهُ بظاهرِه، معَ مُخالفتِه للمشهورِ مِن تفسيرِه، وهذا النّوعُ واقعٌ في القُرآنِ، وذلكَ عَن طريقِ تأويلِه مِن غيرِ علمٍ، وهوَ مُحرّمٌ بالإجماعِ, إذ وردَ عَن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله), أنّهُ قالَ: (مَن قالَ في القُرآنِ بغيرِ علمٍ فليتبوّأ مقعدَهُ منَ النّار), كما في كتابِ (التّبيانِ للطّوسيّ 1: 24)، و(كتابِ الإتقانِ للسّيوطيّ 4: 210).والثّاني: يُرادُ بهِ حملُ اللّفظِ على معانٍ بعيدةٍ عنهُ, لأسبابٍ مذهبيّةٍ وعقديّةٍ ونحوِهما مِـمّا ورثَهُ منَ الآباءِ والأجدادِ, تجعلُ منهُ يُكابرُ ويراوغُ في قبولِ الحقِّ الذي إطّلعَ عليه, فحالُ مَنْ يسلكُ مثلَ هذا السّلوكِ في تفسيرِ آياتِ الكتابِ العزيزِ كحالِ مَنْ كانوا يسمعونَ كلامَ اللهِ تعالى ثُمَّ يُحرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوه. 

2- التّحريفُ اللّفظيُّ، مِن جهةِ الزّيادةِ والنّقصانِ في بعضِ آياتِه وسورِه، أو في بعضِ كلماتِه أو في بعضِ حروفِه, وفيما يلي بيانُ ذلكَ: 

أ ـ التّحريفُ بالزّيادةِ: بمعنى أنَّ بعضَ المصحفِ الذي بينَ أيدينا ليسَ منَ الكلامِ المُنزلِ. والتّحريفُ بهذا المعنى باطلٌ بإجماعِ المُسلمينَ، لأنّه يُفضي إلى أنَّ بعضَ ما بينَ الدّفّتينِ ليسَ منَ القُرآنِ، وهوَ مِـمّا يُنافي آياتِ التّحدّي والإعجازِ، كقولِه تعالى: ((قُل لئنِ اجتَمَعَتِ الإنسُ والجِنُّ عَلَى أن يأتُوا بمِثلِ هَذا القرآنِ لا يأتُونَ بِمِثلِهِ وَلو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيراً)) [الإسراءُ 17: 88]. 

ب ـ التّحريفُ بالنّقصِ: بمعنى أنَّ بعضَ المصحفِ الذي بينَ أيدينا لا يشتملُ على جميعِ القرآنِ الذي نزلَ على نبيّنا مُحمّدٍ (صلّى اللهُ عليه وآله)، بأنْ يكونَ قَد ضاعَ بعضُ القرآنِ على النّاسِ إمّا عمداً، وإمّا نسياناً، وقد يكونُ ما ضاعَ كلمةً أو آيةً أو سورةً، والتّحريفُ بهذا المعنى هو مثارُ جدلٍ بينَ أهلِ العلمِ , إذ ادّعى بعضُهم وقوعَهُ في القُرآنِ الكريم إستناداً إلى أحاديثَ هيَ في مُجملِها إمّا ضعيفةُ السّندِ وغيرُ حُجّةٍ، وإمّا هيَ مؤوّلةٌ على وجهٍ يُخْرِجها عن إفادةِ ذلكَ التّحريفِ، معَ العلمِ بأنَّ تلكُم الأحاديثَ التي يُفهمُ منها التّحريفُ إنّما هيَ أحاديثُ وأخبارٌ مدسوسةٌ وباطلةٌ، قد أعرضَ عنها مُحقّقو المُسلمينَ على مرِّ العصورِ. 

ج ـ تحريفُ الكلماتِ، وهوَ إمَّا أن يكونَ في أصلِ المصحفِ، وهو باطلٌ بالإجماعِ، وإمَّا أن تكونَ زيادةً واضحةً مُعلَّمٌ عليها بعلامةٍ مُعيّنةٍ لبيانِ فهمِ المُرادِ مِن ذلكَ اللّفظِ، وهوَ جائزٌ بالإتّفاقِ. 

د ـ تحريفُ الحروفِ أو الحركاتِ، وهذا راجعٌ إلى القراءاتِ القُرآنيّةِ، وهوَ باطلٌ إلّا في ألفاظٍ قليلةٍ كقراءةِ قولِه تعالى: ((وَامسَحُوا بِرُؤُسِكُم وَأرجُلَكُم)) [المائدةُ 5: 6]. بكسرِ لفظةٍ (الأرجلِ) ونصبِها، وغيرِها مِـمّا لَم يُخالِف أُصولَ العربيّةِ وقراءةَ جمهورِ المُسلمينَ، ووردَ بهِ أثرٌ صحيحٌ. ومَنْ أرادَ المزيدَ منَ الإيضاحِ في هذهِ المسألةِ, فبوسعِه الرّجوعُ إلى كتابِ (البيانِ في تفسيرِ القُرآنِ للسّيّدِ الخُوئيّ قدّس). 

فإذا عرفتَ ذلكَ تعرفُ أنَّ المُرادَ منَ التّحريفِ الواردِ في زيارةِ النّاحيةِ المُقدّسةِ: (وحرّفوا آياتِ القُرآنِ), إنّما هوَ التّحريفُ المعنويّ الذي يحملُ اللّفظَ على معانٍ بعيدةٍ عمّا يُرادُ بهِ لأسبابٍ عقديّةٍ أو مذهبيّةٍ أو نحوهِما كما تقدّمَ بيانُه, وهوَ أمرٌ واردٌ لا ينكرُه إلّا مَنْ كانَ على السّيرةِ المُلتويةِ, والطّريقةِ غيرِ المُستويةِ. ودمتُم سالِمينَ.