هل القرآن به سجع الكهان ؟كما جاء في سورة التين قوله تعالى (وطور سينين)

هناك شبهة دائما يطرحها النصارى واعداء الإسلام ان القرآن به سجع الكهان ومن بعض ادلتهم ما جاء في سورة التين قوله تعالى وطور سينين فقالوا قال طور سينين ولم يقل وطور سيناء لتكلف السجع وقد قرأت بعض التفاسير فوجدت ان كلمة سينين سريانيه معناها الحسن المبارك ولكن ارجوا من حضراتكم التكرم بالرد على هذا الشبهه بما يشفي الغليل وجزاكم الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله الأطهار..

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السّجعُ هوَ موالاةُ الكلامِ على نحوٍ يكونُ المعنى تابِعاً للّفظِ وليسَ اللّفظُ تابِعاً للمعاني، أي أنَّ هدفَ المُتكلّمِ هوَ إيجادُ (أصواتٍ موزونةٍ) فيستخدمُ الألفاظَ ذاتَ الأصواتِ المُتداخلةِ والمُتقاربةِ، ولا يهدفُ لإيصالِ معنىً مُحدّدٍ فيلزمُه ذلكَ إختيارُ الألفاظِ التي تخدمُ ذلكَ المعنى بعيداً عَن أوزانِها، وبذلكَ يكونُ المعنى تابعاً للّفظِ وليسَ اللّفظُ تابعاً للمعنى، وقد إعتادَ الكُهّانُ قديماً على السّجعِ حيثُ يجعلونَ كلامَهُم أقربَ لمقطوعاتٍ صّوتيّةِ ذاتِ أجراسٍ مُميّزةٍ عندَ سماعِها، والسّجعُ أشبهُ بالخداعِ حيثُ يجعلُ (النّغمةَ الصّوتيّةَ) الصّادرةَ منَ الكلامِ المسجوعِ صارفةً عنِ التّفكيرِ في المعنى، وبالتّالي السّجعُ لا يحملُ أيّ مخزونٍ معرفيٍّ وهذا بخلافِ القُرآنِ الذي يستبطنُ الكثيرَ منَ العلومِ والمعارفِ، وقَد رويَ أنَّ النّبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) قالَ للّذينَ جاؤوهُ وكلّموهُ في شأنِ الجنينِ: كيفَ ندي مَن لا شربَ ولا أكلَ، ولا صاحَ فاستهلَّ، أليسَ دمُه قَد يطل؟ فقالَ: "أسجاعةٌ كسجاعةِ الجاهليّة؟"، وفي بعضِها: "أسجعاً كسجعِ الكُهّانِ"، فرأى ذلكَ مذموماً. ومِن هُنا فإنَّ توهّمَ البعضِ بأنَّ في القُرآنِ سجعاً ليسَ صحيحاً؛ لأنَّ ليسَ كلُّ كلامٍ موزونٍ يُعدُّ سجعاً، والضّابطُ في ذلكَ أنَّ السّجعَ يكونُ المعنى فيهِ تابعاً للّفظِ، وهذا خلافُ القُرآنِ الذي يكونُ اللّفظُ فيهِ تابِعاً للمعنى، يقولُ الباقلانيّ في إعجازِ القُرآنِ: (وفصلٌ بينَ أن ينتظمَ الكلامُ في نفسِه بألفاظِه التي تُؤدّي المعنى المقصودَ فيه، وبينَ أن يكونَ المعنى مُنتظماً دونَ اللّفظِ. ومتى إرتبطَ المعنى بالسّجعِ، كانَت إفادةُ السّجعِ كإفادةِ غيرِه، ومتى انتظمَ المعنى بنفسِه دونَ السّجعِ، كانَ مُستجلِباً لتحسينِ الكلامِ دونَ تصحيحِ المعنى).

أمّا الزّعمُ أنَّ القُرآنَ قد جانبَ الصّوابَ في استعمالِ (سينين) بدلاً مِن (سيناءَ) في قولِه عزَّ وجلّ: (والتّينِ والزّيتونِ. وطورِ سينين) والصّوابُ عندَهم أن يقولَ (وطورُ سيناءَ) وإنَّ القُرآنَ حرّفَها مِن أجلِ السّجعِ فقَط. 

وهذا الكلامُ لا ينسجمُ معَ طبيعةِ القُرآنِ، حيثُ لا يُعقلُ أن يأتي القُرآنُ بالسّجعِ ثمَّ يتحدّى العربَ بأن يأتوا بمثلِه؟ وقَد أعجزَ القرآنُ العربَ بما فيهِ مِن نُظمٍ مُحكمةٍ وأنساقٍ مُتماسكةٍ وعباراتٍ واضحةٍ مِمّا جعلَهُ في غِنىً عنِ التّكلّفِ بالمحاسنِ اللّفظيّةِ كالسّجعِ، فقَد جمعَ القُرآنُ بينَ قوّةِ اللّفظِ ودلالةِ المعنى، وعليهِ هُناكَ فرقٌ بينَ تكلّفِ السّجعِ الذي يستقبحُه العربُ وبينَ ما يأتي موزوناً بما تسمحُ بهِ القرائحُ والمعاني. 

كما أنَّ المُطابقةَ بينَ كلمةِ (سينين) وكلمةِ (سيناء) وجعلَهُما شيئاً واحداً مِمّا لا يُسلّمُ بهِ، ومِن هُنا إختلفَ المُفسّرونَ في معنى سينين، فمنهُم مَن يجعلُها صفةً بمعنى الحسنِ ومنهُم مَن يرى أنّها صفةٌ بمعنى المُباركِ، ومنهُم مَن جمعَ بينَهُما فقالَ هيَ الحسنُ المُباركُ، وعليه يكونُ الطّورُ جبلاً وسينين صفةً على سبيلِ إضافةِ الموصوفِ إلى الصّفةِ، كما جاءَ عَن إبنِ عبّاسٍ قولُه: سينينَ المُباركُ الحسنُ، وعليهِ تُصبحُ سينين وصفاً لجبلِ الطّورِ. كما قيلَ إنَّ سينينَ هيَ إسمٌ لكُلِّ جبلٍ فيه شجرٌ مُثمرٌ، وجبلُ سيناءَ الذي كلّمَ اللهُ فيه مُوسى سُمّيَ سينين لِما فيه مِن شجرٍ، أو لِما فيهِ منَ الحُسنِ والبركةِ، قالَ الخازنُ: (سُمّيَ سينينَ وسيناءَ لحُسنِه ولكونِه مُباركاً، وكلُّ جبلٍ فيهِ أشجارٌ مُثمرةٌ يُسمّى سينينَ وسيناء)   .

وعليهِ فإنَّ المعنى يقتضي ذكرَ كلمةِ (سينين) لأنَّ المقصودَ الإشارةُ إلى ما فيهِ حُسنٌ وبركةٌ، وبذلكَ يتّضحُ أنَّ ليسَ هُناكَ سجعاً أو تحريفاً لكلمةِ سيناء.