قول للامام علي عليه السلام يقول لايجوز القصاص قبل الجنايه وهذا يعتبر قانون تشريعي فكيف قام الخضر عليه السلام بقتل الغلام هل يجوز قتل النفس البريئة عمدا؟ علما ان الجنايه لم تحدث من قبل الغلام

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لابُدَّ منَ الإلتفاتِ إلى أنَّ الأحكامَ والتّشريعاتِ الصّادرةَ منهُ تعالى إلى خلقِه، على ثلاثةِ أقسام:  

 1ـ الأحكامُ العامّةُ والتي لا فرقَ فيها بينَ نبيٍّ وغيرِه، وهذهِ الأحكامُ يُعمَلُ بحسبِ ظاهرِها، وسنأتي بشاهدٍ على ذلكَ : قالَ مسلمٌ حدّثنا أبو بكرٍ بنُ أبي شيبةَ حدّثنا أبو خالدٍ الأحمرِ ح وحدّثنا أبو كريبٍ وإسحاقُ بنُ إبراهيمَ عَن أبي معاويةَ كلاهُما عنِ الأعمشِ عَن أبي ظبيانَ عَن أسامةَ بنِ زيدٍ وهذا حديثُ ابنِ أبي شيبةَ قالَ : بعثَنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ و سلّم في سريّةٍ فصبحنا الحرقاتِ مِن جُهينةَ فأدركتُ رجُلاً فقالَ لا إلهَ إلّا اللهُ فطعنتُه فوقعَ في نفسِي مِن ذلكَ فذكرتُه للنّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم فقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ و سلّم أقالَ لا إلهَ إلّا اللهُ وقتلتَه ؟ قالَ قلتُ يا رسولَ اللهِ إنّما قالَها خوفاً منَ السّلاحِ قالَ أفلا شققتَ عَن قلبِه حتّى تعلمَ أقالَها أم لا فما زالَ يُكرّرُها عليَّ حتّى تمنّيتُ أنّي أسلمتُ يومئذٍ قالَ فقالَ سعدٌ وأنا واللهِ لا أقتلُ مُسلِماً حتّى يقتلَه ذو البطينِ يعني أسامةَ قالَ قالَ رجلٌ ألم يقُل اللهُ { وقاتلوهُم حتّى لا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدّينُ كلّهُ للهِ}؟ فقالَ سعدٌ قَد قاتلنا حتّى لا تكونَ فتنةٌ وأنتَ وأصحابُكَ تريدونَ أن تقاتلُوا حتّى تكونَ فتنةٌ.  صحيحُ مسلم 1 / 96. فإنكارُ النّبيِّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) على أسامةَ كانَ لعدمِ إجرائهِ الأمورَ على ظواهرِها، فالرّجلُ الذي قتلَه ما دامَ قد نطقَ بالشّهادتينِ فإنّهُ على ظاهرِ الإسلامِ، وإن أمكنَ صحّةُ ما يدّعيهِ أسامةُ بأنّهُ كانَ قَد قالَها خوفاً منَ السّلاح. 

2 ـ الأحكامُ الخاصّةُ بالأنبياءِ والأئمّةِ (عليهم السّلام) من قبيلِ قيامِ اللّيلِ الخاصِّ بالنّبيّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) روى الشّيخُ في التّهذيبِ، بإسنادِه عَن مُحمّدٍ بنِ مُسلمٍ عَن أبي جعفرٍ (عليه السّلام) قالَ: سألتُه عَن قولِ اللهِ تعالى: "قُم اللّيلَ إلّا قليلاً" قالَ: أمرَهُ اللهُ أن يُصلّي كلَّ ليلةٍ إلّا أن تأتي عليهِ ليلةٌ منَ اللّيالي لا يُصلّي فيها شيئاً. أو زواجُه أكثرَ مِن 4 نساء، أو حُرمةُ تزوّجِ زوجاتِه بعدَ وفاتِه. 

 3ـ الأحكامُ الغيبيّةُ التي لا تكونُ خاضعةً للظّاهرِ والتي قد تخفى حتّى على بعضِ الأنبياءِ (عليهم السّلام) أمثالَ موسى الكليمِ (صلواتُ اللهِ عليه) يشهدُ لذلكَ ما رواهُ الشّيخُ الطّوسيّ بإسنادِه الصّحيحِ ، عنِ الفضلِ بنِ شاذان، عَن عُمرَ بنِ مُسلمٍ البجليّ، عَن مُحمّدٍ بنِ سنان، عَن أبي الجارود، عَن مُحمّدٍ بنِ بشرٍ الهمدانيّ، عَن مُحمّدٍ بنِ الحنفيّةِ -في حديثٍ نختصرُ منهُ موضعَ الحاجةِ- أنّهُ قالَ: إنَّ لبني فُلانٍ مُلكاً مؤجّلاً، حتّى إذا أمِنوا واطمأنّوا ، وظنّوا أنَّ مُلكَهُم لا يزولُ ، صيحَ فيهم صيحةً، فلَم يبقَ لهُم راعٍ يجمعُهم ولا واعٍ يسمعُهم، وذلكَ قولُ اللهِ عزَّ وجل: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) قلتُ: جُعلتُ فداكَ هَل لذلكَ وقتٌ؟!. قالَ: لا ؛ لأنَّ علمَ اللهِ غلبَ علمَ الُموقّتينَ؛ إنَّ اللهَ تعالى وعدَ موسى ثلاثينَ ليلةً وأتمّها بعشرٍ ، لَم يعلَمها موسى، ولم يعلَمها بنو إسرائيل، فلمّا جاوزَ الوقتُ قالوا: غرّنا موسى، فعبدوا العجلَ، ولكِن إذا كثُرَت الحاجةُ والفاقةُ في النّاسِ، وأنكرَ بعضُهم بعضاً، فعندَ ذلكَ توقّعوا أمرَ اللهِ صباحاً ومساءً». كتابُ الغيبةِ للشّيخِ الطّوسي.  

إذا إتّضحَ كلُّ ما تقدّمَ نقولُ أنَّ قتلَ الغُلامِ كانَ تكليفاً غيبيّاً خاصّاً بالخضرِ (عليه السّلام) لأنّهُ كانَ عالِماً بقضاءِ اللهِ الحتميّ الذي هوَ غيرُ ما دُوّنَ في اللّوحِ ولِذا قالَ لموسى (عليه السّلام): (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَم تُحِطْ بِهِ خُبْرًا) لأنَّ موسى (عليه السّلام) لم يكُن يعلمُ أنَّ للهِ تعالى قضاءً آخرَ غيرَ الذي في اللّوحِ ، أكثرَ رحمةٍ بالغُلامِ وبأبويهِ منَ القضاءِ الأوّلِ ، وهذا القضاءُ مِن علمِ الغيبِ الذي اطلعَ اللهُ تعالى الخضرَ عليهِ ولمَ يُطلِع عليهِ موسى صلواتُ اللهِ عليهما.