هل الله هو الذي يزيد مرض القلوب؟

مصطفى/: السلام عليكم .. في سورة البقرة يقول الله (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) وبعض الأشخاص يقولون أليس الله عادل؟ لماذا يزيدهم مرضاً ويعذبهم على هذه الزيادة؟ لماذا لايتركهم الله على مرضهم دون زيادة ولانقصان .. ويقولون ان الله لديه نزوات بشرية كالغضب.

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

قبل الإجابة على السؤال لابد من معرفة السياق الذي جاءت فيه الآيات، فالآية التي جاءت قبلها تتحدث عن النفاق وهي حالة مرضية بالتأكيد، حيث يتظاهر فيها الإنسان بالإيمان بينما يضمر قلبه الكفر، وهو نوع من الخداع والمراوغة يقصد بها التحايل على الله ورسوله، وقد نبهت الآية إلى أن ذلك ليس إلا خداع للنفس في واقع الأمر؛ لأن الله ورسوله غني عن إيمانه والإنسان هو الذي يجني ثمرة الإيمان لنفسه، قال تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) ثم وصفت الآية التي جاءت بعدها تلك الحالة بأنها نوع من مرض القلب فقال تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ومن الواضح أن المتسبب بمرض القلب هو فعل الإنسان واختياره، ولا وجود لسلطة خارجة عن إرادة الإنسان تفرض عليه هذا المرض وهو لا يريده، وإذا كان أصل مرض القلب من فعل الإنسان فإن زيادته لابد أن تكون بفعله أيضاً، ولا يتوقع الإنسان حينها أن تتدخل يد القدر لكي تجبره على الإيمان وتخلصه من هذا المرض، ومن هنا جاء قوله (فزادهم الله مرضاً) بمعنى أن الله لم يتدخل تكويناً ليصرف عنهم هذا المرض، وإنما أرجع مسؤولية ذلك إليهم بعد أن أرشدهم إلى طريق الحق وحذرهم من طريق الضلال. ومع ذلك فإن الإنسان الذي يهوى الحق ويسعى إليه لا يستغني عن توفيق الله وعونه، ومن هنا كانت الاستعانة بالله مهمة للاستمرار على الصراط المستقيم، قال تعالى: (اياك نعبد واياك نستعين) وعون الله يشمل كل من أراد الحق وسعى إليه، أما من ألتوى وكابر على الحق فسوف يكون مصيره الخذلان، وعندما يتكل الإنسان على تقديراته ومعارفه ويستغني بنفسه عن ربه لا يتوقع غير خذلان ربه الذي يزيد بالتأكيد من مرض قلبه، وعليه فإن هداية الله وتوفيقه معلقة بإيمان الإنسان وهو فعل اختياري يتحمل الإنسان مسؤوليته قال تعالى: (يهديهم ربهم بإيمانهم) فالإيمان هو سبب لعون الله وتوفيقه وليس الجحود والإنكار والمخادعة. ولذا نجد أن الآية التي جاءت بعدها حملت الإنسان المسؤولية بشكل واضح قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) والذي يعاند ولا يقبل النصح لا يتوقع أكثر من تركه ليجني ثمار عمله، وبالتالي فعلى مريض القلب إن أراد مداواة مرضه أن يتوب إلى الله، وأن يتذكر بصالح الفكر وصالح العمل كما يشير إليه قوله تعالى: (ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون)، وقال سبحانه وهو قول جامع في هذا الباب: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما)، فالمنافق لا نصير ولا معين له إلا إذا أراد هو ذلك من خلال التوبة والعمل الصالح والاعتصام بالله والإخلاص له.

الخلاصة: أن سنة الله قائمة على تحميل الإنسان مسؤولية عمله فالله لا يتدخل ليجبرهم على الإيمان أو الكفر، وقمة العدالة أن تتساوى الخيارات أمام البشر قال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، أما طلب العون والتوفيق من الله فإن العدالة فيه تقتضي تساوي الفرص امام من يتعرض لرحمته، أما من لا يريد ذلك ويبعد نفسه عن ساحة الرحمة الإلهية لا يلومن إلا نفسه.