توضيح بخصوص التعارض بين رواية سليم بن قيس ورواية المفيد في موضوع اسقاط المحسن وضلع الزهراء (عليها السلام)

المسألة الملفتة هي التعارض بين رواية سليم بن قيس ورواية المفيد في الاختصاص ، الأولى تثبت أنّ إسقاط المحسن واستشهاد الزهراء حدث إثر هجوم أعوان الخليفة الأول في الأيام الأولى التي تلت رحيل النبي من ضغط الباب وكسر الضلع وملازمتها لفراش المرض وعدم مبارحة المنزل في حين تثبت الثانية أنّ فاطمة حاججت أبا بكر والآخرين مراراً من أجل استعادة فدك واختلفت إلى دور الأنصار هي وزوجها والحسنين أربعين يوماً بعد رحيل رسول الله كانت خلالها سالمة وأنّ إسقاط المحسن حصل بعد أخذ الحجّة على امتلاكها فدك من أبي بكر وإثر رفس عمر لها بعد ذلك ومن البديهي أنه إذا كان إسقاط المحسن قد حدث بفعل كسر الضلع وضغط الباب لما كان باستطاعتها الخروج من منزلها والتردُّد على أبي بكر وبيوت الأنصار والمهاجرين وعليه لا بدّ أنّ تكون إحدى هاتين الروايتين ساقطة عن الاعتبار مهما بذلنا من التوجيهات / محمد الله أكبري / المحسّن بن علي ، السؤال التاريخي حول الوجود والإسقاط.. ماهو ردكم لهذا الكلام ؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليسَ هُناكَ تناقضٌ بينَ الرّوايتين، فكما تحدّثَت روايةُ المُفيدِ عَن خروجِ الزّهراءِ لمُخاصمةِ القومِ وطلبِ النُّصرةِ لأميرِ المُؤمنينَ، تحدّثَت كذلكَ رواياتُ سُليمٍ بنِ قيس عَن هذهِ التّفاصيلِ، فمثلاً جاءَ فيها عَن أميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام): "فلمّا قُبضَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم) مالَ النّاسُ إلى أبي بكرٍ فبايعوه - وأنا مشغولٌ برسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم) بغسلِه ودفنِه - ثمَّ شُغلتُ بالقرآنِ فآليتُ يميناً أن لا أرتديَ إلا للصّلاةِ حتّى أجمعَهُ في كتابٍ ففعلتُ، ثمَّ حملتُ فاطمةَ (عليها السّلام) وأخذتُ بيدي الحسنَ والحُسينَ (عليهما السّلام) فلَم أدَع أحداً مِن أهلِ بدرٍ وأهلِ السّابقةِ مِنَ المهاجرينَ والأنصارِ إلّا ناشدتُهم اللهَ وحقّي، ودعوتُهم إلى نُصرتي، فلَم يستجِب لي مِن جميعِ النّاسِ إلّا أربعةُ رهطٍ.." ويبدو أنَّ التّناقضَ الذي تصوّرهُ السّائلُ لهُ علاقةٌ بالتّرتيبِ الزّمنيّ للأحداثِ التّاريخيّةِ، فلَو كانَ الهجومُ على دارِ الزّهراءِ في الأيّامِ الأولى مِن وفاةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم)، وقَد تسبّبَ ذلكَ في مرضِ الزّهراءِ ومُلازمتِها للفراشِ فكيفَ خرجَت بعدَ ذلكَ إلى نساءِ الأنصارِ وإلى خُطبتِها في المسجدِ ومُحاججتِها لأبي بكرٍ في موضوعِ فدك؟ إلّا أنَّ هذا النّوعَ منَ التّناقضِ منَ الصّعبِ إثباتُه؛ وذلكَ لأنَّ الرّواياتِ التّاريخيّةَ لا تنقلُ الأحداثَ بشكلِ مُجرياتٍ يوميّةٍ، وإنّما تنقلُها بشكلِ عناوينَ مُجمَلةٍ لا تُراعي التّرتّبَ الزّمنيَّ للأحداثِ في الغالبِ، وبخاصّةٍ إذا نُقلَ الحدثُ عَن طريقِ أكثرِ مِن راوٍ، فمثلاً سُليم بنُ قيسٍ جمعَ رواياتِه مِن أميرِ المُؤمنينَ (عليه السّلام) ومِن سلمانَ وأبي ذرّ وغيرِهم، وكلُّ واحدٍ قد يروي الحدثَ مِن زاويةٍ تختلفُ عنِ الآخرِ، ومنَ الواضحِ أنَّ نقلَ الرّاوي للحدثِ ليسَ على نحوِ القصّةِ والحكايةِ، وإنّما على نحوِ الإستدلالِ أو العبرةِ أو الشّاهدِ أو أيّ هدفٍ آخر، فنجدُه مثلاً بعدَ ذكرِ الخبرِ الذي تقدّمَ يقولُ الإمامُ عليّ (عليه السّلام) : ".. فأكرهوني وقهروني، فقلتُ كما قالَ هارونُ لأخيهِ (إبنَ أمِّ إنَّ القومَ إستضعفوني وكادوا يقتلونَني) فلي بهارونَ أسوةٌ حسنةٌ، ولي بعهدِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) إلى حُجّةٍ قويّةٍ..." فيتّضحُ أنَّ الهدفَ ليسَ مُجرّدَ حكايةٍ للحدثِ، وإنّما شرحٌ للظّروفِ التي رتّبَ عليها الإمامُ موقفَهُ، ولا يستدعي ذلكَ الدّقّةَ في تحديدِ الظّرفِ الزّمانيّ أو المكانيّ، وما يدلُّ على عدمِ قصدِ سُليم بنِ قيسٍ ترتيبَ الأحداثِ زمنيّاً، هوَ إستطلاعُه لِما حدثَ مِن خلالِ سؤالِه عَن عدمِ إغرامِ عُمرَ بنِ الخطّابِ لقُنفذ، حيثُ قالَ سُليم: ".. فأغرمَ عمرُ بنُ الخطّابِ تلكَ السّنةَ جميعَ عُمّالِه أنصافَ أموالِهم لشعرِ أبي المُختارِ ولم يُغرم قُنفذاُ العدويَّ شيئاً. فلقيتُ عليّاً صلواتُ اللهِ عليه فسألتُه عمّا صنعَ عُمر، فقالَ: هل تدري لمَ كفَّ عَن قُنفذٍ ولم يُغرّمهُ شيئاً؟ قلتُ: لا، قالَ: لأنّهُ هوَ الذي ضربَ فاطمةَ (عليها السّلام) بالسّوطِ حينَ جاءَت لتحولَ بيني وبينَهم، فماتَت صلواتُ اللهِ عليها وإنَّ أثرَ السّوطِ لفي عضُدِها مثلَ الدّملجِ"، الأمرُ الذي يُؤكّدُ على أنَّ الرّوايةَ ليسَت في صددِ بيانِ تاريخِ وفاةِ الزّهراءِ (عليها السّلام) أو بيانِ التّسلسلِ الزّمنيّ للأحداثِ، وإنّما في صددِ بيانِ مُجملِ ما أصابَها مِن وقائعَ. وكذلكَ نجدُه في روايتِه عَن ابنِ عبّاسٍ يقولُ: كنتُ عندَ عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ في بيتِه ومعنا جماعةٌ مِن شيعةِ عليٍّ (عليه السّلام) فحدّثنا، فكانَ فيما حدّثنا أن قالَ: يا إخوتي! توفّيَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) يومَ تُوفّي، فلَم يُوضَع في حُفرتِه حتّى نكثَ النّاسُ وارتدّوا وأجمعُوا على الخلافِ. واشتغلَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ (عليه السّلام) برسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) حتّى فرغَ مِن غسلِه وتكفينِه وتحنيطِه ووضعَهُ في حُفرتِه، ثمَّ أقبلَ على تأليفِ القُرآنِ وشُغلَ عنهُم بوصيّةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) ولَم يكُن همّتَه المُلكُ، لِما كانَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) أخبرَهُ عنِ القومِ، فافتتنَ النّاسُ بالذي إفتتنوا بهِ منَ الرّجلينِ، فلَم يبقَ إلّا عليٌّ (عليه السّلام) وبنو هاشمٍ وأبو ذرّ والمقدادُ وسلمانُ، في أناسٍ معهم يسيرٌ. فقالَ عُمر لأبي بكرٍ: يا هذا! إنَّ النّاسَ أجمعينَ قد بايعوكَ ما خلا هذا الرّجلَ وأهلَ بيتِه، فأقسمَ عليه فجلسَ، ثمَّ قالَ: يا قُنفذ! إنطلِق فقُل لهُ: أجِب أبا بكرٍ، فأقبلَ قُنفذ فقالَ: يا عليّ! أجِب أبا بكرٍ، فقالَ عليٌّ (عليه السّلام): إنّي لفي شُغلٍ عنه، وما كنتُ بالذي أتركُ وصيّةَ خليلي وأخي وأنطلقُ إلى أبي بكرٍ وما إجتمعتُم عليهِ من الجورِ..

فانطلقَ قنفذ فأخبرَ أبا بكرٍ، فوثبَ عُمرُ غضباناً، فنادى خالداً بنَ الوليدِ.." ومِن خلالِ هذهِ الرّوايةِ يتّضحُ أنَّ مُطالبةَ أميرِ المُؤمنينَ (عليه السّلام) بالبيعةِ ومِن ثُمَّ الهجومَ على دارِ الزّهراءِ (سلامُ اللهِ عليها) كانَ بعدَ مُدّةٍ مِن وفاةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم)، وبخاصّةِ بعدَ أن بدأت تُشكّلُ الزّهراءُ بمُعارضتِها خطراً على سُلطةِ السّقيفةِ، إلّا أنَّ منَ الصّعبِ تحديدُ تاريخِ ذلكَ على نحوِ الدّقّةِ، وكلُّ ما يمكنُ أن يُقالَ أنَّ الوثائقَ التّاريخيّةَ قَد تُفيدُنا على نحوِ الإجمالِ وقوعَ هذهِ الحادثةِ بعدَ شهرٍ أو بقليلٍ مِن وفاةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم). وفي الخُلاصةِ أنَّ الرّواياتِ التّاريخيّةَ لا تهتمُّ بالتّرتيبِ الزّمنيّ للأحداثِ فلا يُحكَمُ عليها بالتّناقضِ مِن هذهِ الزّاويةِ.