هل الحيوان ياخذ حقه من الانسان ايضا يوم القيامة اذا ضربه مثلا او ظلمه او اي شي ؟

: اللجنة العلمية

السّلامُ عليكم يسبقُ هذا السّؤالَ سؤالٌ آخر وهوَ؛ هَل تُحشَرُ الحيواناتُ يومَ القيامةِ أم أنَّ مصيرَها ينتهي بمصيرِ الدّنيا؟ وقَد تباينَتِ الآراءُ حولَ هذا السّؤالِ، والسّببُ في هذا التّباينِ هوَ أنَّ الحيواناتِ غيرُ مُكلّفةٍ لكونِها غيرَ عاقلةٍ، إلّا أنَّ الذينَ قالُوا بحشرِها إستندوا على قولِه تعالى (وإذا الوحوشُ حُشرَت) حيثُ قالَ الطّبرسيّ في هذهِ الآية: (أي جُمِعَت حتّى يقتصَّ لبعضِها مِن بعضٍ، فيقتصُّ للجماءِ منَ القرناءِ ويحشرُ اللهُ سبحانَه الوحوشَ ليوصلَ إليها ما تستحقّهُ منَ الأعواضِ على الآلامِ التي نالَتها في الدّنيا وينتصفُ لبعضِها مِن بعض، فإذا وصلَ إليها ما إستحقّتهُ منَ الأعواضِ، فمَن قالَ: إنَّ العوضَ دائمٌ تبقى مُنعّمةً إلى الأبدِ، ومَن قالَ: تستحقُّ العوضَ مُنقطِعاً، فقالَ بعضُهم: يديمُه اللهُ لها تفضُّلًا لِئلّا يدخُلَ على المُعوَّضِ غمٌّ بإنقطاعِه. وقالَ بعضُهم: إذا فعلَ اللهُ بها ما إستحقّتهُ منَ الأعواضِ جعلَها تُراباً) وقَد وردَت بعضُ الرّواياتِ مُؤيّدةً لهذا المعنى كما في مُسندِ أحمدَ بنِ حنبلٍ قالَ النّبيُّ الأعظمُ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): (ليؤدّينَ الحقوقَ إلى أهلِها يومَ القيامةِ حتّى يُقادَ للشّاةِ الجلحاءِ منَ الشّاةِ القرناء).أمّا الموقفُ المُخالفُ لحشرِ الحيوانِ فقَد فسّرَ قولَه تعالى: ( وإذا الوحوشُ حُشرَت) بأنَّ الوحوشَ هُم أفرادٌ منَ النّاسِ إكتسبُوا الصّفاتِ الحيوانيّةَ لإبتعادِهم عنِ الحقيقةِ الإنسانيّةِ، وقَد ذهبَ إلى ذلكَ العلّامةُ حسنٌ المصطفويّ في كتابِه التّحقيقُ في كلماتِ القرآنِ الكريم، حيثُ فنّدَ الرّأيَ القائلَ بحشرِ الحيواناتِ يومَ القيامة؛ بقولِه: ( فإنّها لَم تُخلَق للبعثِ والنّشورِ، ولا تُكلَّفُ بتكاليفَ إلهيّةٍ حتّى ترى آثارَ أعمالٍ عملَت، وليسَ لها إستعدادُ بلوغٍ إلى كمالٍ فوقَ مرتبةِ الحيوانيّةِ. قالَ تعالى: (والأنعامَ خلقَها لكُم فيها دفءٌ ومنافعُ ومِنها تأكلونَ ولكُم فيها جمالٌ حينَ تُريحونَ وحينَ تسرحونَ و تحملُ أثقالَكُم... والخيلَ والبِغالَ والحَميرَ لتركبوها وزينةً)، (ومنَ الأنعامِ حمولةً وفرشًا كُلوا ممّا رزقكُم اللهُ)... وهذهِ المعاني تُنافي إستقلالَ وجودِها واحترامَ نفوسِها في قبالِ الإنسانِ، وتدلُّ على أنّها غيرُ مُكلَّفةٍ ولا مسؤوليّةَ لها وعليها، وليسَت حياتُها إلّا لإدامةِ التّعايّشِ الحيوانيّ المادّيّ. فظهرَ أنَّ الحيواناتِ بأنواعِها بريّةً وبحريّةً إنّما خُلِقَت للعيشِ في الحياةِ المادّيّةِ، وليسَ لها في ذواتِها إستعدادُ التّوجّهِ إلى الرّوحانيّةِ والطّاعةِ والعبوديّةِ وإخلاصِ النّيّةِ في الأعمالِ). يقولُ العلّامةُ الطّباطبائيّ في تفسيرِ سورةِ الأنعامِ: (إنَّ دلالةَ الآيتينِ واضحةٌ على أنَّ الوحوشَ تُحشَرُ. وهناكَ آياتٌ كثيرةٌ على أنّهُ ليسَت الوحوشُ فقَط وإنّما حتّى الجماداتُ تُعادُ والسّماواتُ والأرضُ والشّمسُ والقمرُ والنّجومُ والجنُّ والحجارةُ والأصنامُ وسائرُ الشّركاءِ المعبودينَ مِن دونِ اللهِ تباركَ وتعالى يُحشرونَ يومَ القيامةِ ليكونُوا أدواتٍ للشّهادةِ)، ويذهبُ الشّيخُ ناصِر مكارِم الشّيرازيّ وصاحبُ الميزانِ إلى أنَّ الحيوانَ يقعُ عليهِ ما يقعُ على الإنسانِ منَ الثّوابِ والعقابِ؛ وذلكَ لأنَّ مسألةَ الحسابِ والجزاءِ تستلزمُ أمرين هُما: العقلُ والإدراكُ، والتّكليفُ والمسؤوليّةُ، فمِن غيرِ المُمكنِ أن نصفَ الحيوانَ بعدمِ إدراكِه لأمورِه؛ إذ عالَمُ الحيوانِ لهُ نظامٌ دقيقٌ في تدبيرِ أمورِه كالنّحلِ والنّملِ وغيرِ ذلكَ، و كلٌّ تقعُ على عاتقِه مسؤوليّةٌ تخصّهُ كقولِه تعالى: (وأوحى ربُّكَ إلى النّحلِ أن إتّخذي منَ الجبالِ بيوتًا و مِنَ الشّجرِ وممّا يعرشونَ) وفي قولِه تعالى: (حتّى إذا أتوا على وادِ النّملِ قالَت نملةٌ يا أيّها النّملُ أُدخلوا مساكنَكم لا يَحْطِمنَّكم سُليمانُ وجنودُهُ و هُم لا يشعرونَ) يشيرُ فعلُ النّملةِ هُنا إلى إدراكِها وفهمِها. وما فعلَه طائرُ الهُدهدِ معَ سُليمانَ يُشيرُ أيضًا إلى فهمِه وإدراكِه في قولِه تعالى: (فمكَثَ غيرَ بعيدٍ فقالَ أحطتُ بما لم تُحِط بهِ و جِئتُكَ من سبأٍ بنبأٍ يقين) لِذا كما تقعُ التّكاليفُ والمسؤوليّةُ على الإنسانِ تقعُ على الحيوانِ أيضاً وإن كانَت النِّسبُ بينَهما مُتفاوتةً.وبما أنَّ هذهِ المسألةَ منَ الأمورِ الغيبيّةِ حيثُ لَم ترِدنا حولَها نصوصٌ صريحةٌ وواضحةٌ، فإنَّ كُلَّ ما يقالُ فيها يعدُّ أمراً إجتهاديّاً، وهوَ بالتّالي ليسَ مُلزَماً ولا يترتّبُ عليهِ أمرٌ إعتقاديّ، فالمعلومُ بالضّرورةِ أنَّ حشرَ الإنسانِ أمرٌ لابُدَّ منهُ وما دونَ ذلكَ لا يمكنُ القطعُ بهِ، وعليهِ لَم نقِف على روايةٍ أو آيةٍ تقولُ إنَّ الحيوانَ يأخذُ حقّهُ منَ الإنسانِ الذي ظلمَهُ في الدّنيا، ومِن دونِ نصوصٍ صريحةٍ لا يمكنُنا الجزمُ بحدوثِه، وفي نفسِ الوقتِ لا يمنعُ ذلكَ مِن مسؤوليّةِ الإنسانِ وحسابِه على ظُلمِه وتعدّيهِ على الحيوانِ إلّا أنَّ ذلكَ قَد لا يتوقّفُ على حضورِ نفسِ الحيوانِ يومَ القيامةِ.