كيفَ نصلُ إلى الحقيقةِ في موضوعِ الدّينِ والعقائدِ ؟!

أي مَنْ مِنَ الطّرفينِ على حقٍّ وصوابٍ : الشّيعةُ أمِ السّنّةُ ؟! لِماذا لَم يحفظِ اللهُ التّوراةَ والانجيلَ مِنَ التّحريفِ كما تعهّدَ بحفظِ القُرآن؟ لماذا يأمرُنا القرآنُ بقتالِ الكُفّارِ ؟ لِماذا تهتمّونَ بتذهيبِ المراقدِ وهُناكَ مَن يتضوّرُ جوعاً ولا يجدُ مسكناً يأوي إليهِ ؟ لِماذا نُنفقُ الأموالُ الطّائلةُ في الشّعائرِ الحُسينيّةِ ولا نُنفِقُهَا على الفقراءِ ؟ لماذا تزوّجَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ تسعَ نساءٍ ؟ هَل يَجوزُ التّشكيكُ في كلِّ شيءٍ بُغيةَ الوصولِ إلى الحقيقةِ؟

: اللجنة العلمية

ما تذكرونهُ مِن حالةِ الشّكِّ والحيرةِ في موضوعِ الدّينِ والعقائدِ هيَ حالةٌ صحيّةٌ تكشفُ عَن رغبةٍ حقيقيّةٍ في الوصولِ إلى الحقيقةِ المجهولةِ عندَكُم ، وطالما كانَ هذا البعدُ الإنسانيُّ في إستكشافِ المجهولِ هوَ المنشأُ للإبداعِ واليقينِ الصّادقِ  في الكثيرِ منَ الأمورِ، ولكنَّ الذي عليكُم إتّباعهُ هُنا أن تُتعِبُوا أنفسَكُم قليلاً في مُحاكمةِ كلِّ ما تسمعونَهُ منَ الآخرينَ مِن أدلّةٍ وإثباتاتٍ ، سواءٌ مِنّا أم مِن غيرِنَا ، فمَن قالَ لكَ أنَّ ما نذكرُهُ لكَ هوَ الحقُّ المُبينُ وأنَّ ما يذكرهُ غيرُنا هوَ الباطلُ الصّراحُ .. فأنتَ لا تصلُ إلى حقيقةِ الأمورِ إلّا بمُراجعةِ مصادرِ ما نذكرهُ لكَ ومعرفةِ دقّتِهَا مِن حيثُ السّندُ والدّلالةُ والمنهجُ العلميّ ، وكذلكَ مُراجعةِ ما يذكرهُ لكَ الطّرفُ الآخرُ ، وملاحظةُ دقّتهِ مِن حيثُ السّندُ والدّلالةُ والمنهجُ العلميّ .. وهذا الأمرُ قَد يكونُ مُتعِباً قليلاً لكنَّ ثمارَهُ عظيمةٌ جِدّاً ، فثمارهُ هيَ عقيدةٌ راسخةٌ وقويّةٌ جِدّاً تزولُ الجبالُ ولا تزولُ  مِن قلبِكَ .. نسألُ اللهَ لكَ التّوفيقَ والسّدادَ .. يقولُ تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } العنكبوتُ : 69. وهذا جوابُنَا على سؤالكَ الأوّلِ ( أي مَنْ مِنَ الطّرفينِ على حقٍّ وصوابٍ : الشّيعةُ أمِ السّنّةُ ؟!) .أمّا سؤالكُم الثّاني ( لِماذا لَم يحفظِ اللهُ التّوراةَ والانجيلَ مِنَ التّحريفِ كما تعهّدَ بحفظِ القُرآنِ ) ، فجوابهُ : الأديانُ السّابقةُ بمَا فيها مِن كُتبٍ وشرائعَ هيَ أديانٌ وقتيّةٌ لمُدَدٍ مَحدودةٍ خلافَ الدّينِ الخاتمِ والشّريعةِ الخاتمةِ التي يُدانُ النّاسُ بها إلى قيامِ السّاعةِ ؛ الأمرُ الذي أوجبَ حفظَ دستورِهَا منَ التّلاعبِ والتّحريفِ والزّيادةِ والنّقيصةِ . أمّا سؤالكُم الثّالثُ ( لماذا يأمرُنا القرآنُ بقتالِ الكُفّارِ ) ، فجوابهُ : عندمَا تُراجعُ الآياتِ القُرآنيّةَ الواردةَ في قتالِ الكافرينَ تجدُ أغلبَهَا تُشيرُ إلى حالةِ الدّفاعِ عنِ النّفسِ ، يقولُ تعالى : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } الحجُّ : 39، ويقولُ تعالى : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } البقرةُ : 190، وحتّى الآياتُ التي وَردَ فيها القتالُ مُطلقاً فهيَ تُقيّدُ بحالةِ الدّفاعِ وردعِ المُعتدينَ. وهكذا كانَت سيرةُ النّبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) في كلِّ حروبهِ وغزواتهِ، حيثُ كانَت للدّفاعِ وردعِ المُعتدينَ .. والدّفاعُ عنِ النّفسِ حقٌّ مشروعٌ تكفلهُ كلُّ القوانينِ الوضعيّةِ والطّبعيّةِ قبلَ الشّرعيّةِ .وأمّا سؤالكُم الرّابعُ ( لِماذا تهتمّونَ بتذهيبِ المراقدِ وهُناكَ مَن يتضوّرُ جوعاً ولا يجدُ مسكناً يأوي إليهِ ؟) ، فجوابهُ : الإهتمامُ بتذهيبِ المراقدِ وصيانتِهَا يدخلُ تحتَ حُكمٍ شرعيٍّ إسمهُ : تعظيمُ شعائرِ اللهِ ، فأنتَ تجدُ مثلاً أنَّ حكومةَ المملكةِ العربيّةِ السّعوديّةِ تهتمُّ كثيراً بكسوةِ الكعبةِ المُشرّفةِ  وتُنفقُ عشراتِ الملايينَ سنويّاً على هذا الأمرِ، تبلغُ 22 مليون ريال سعودي ،  حيثُ تستهلكُ هذهِ الكسوةُ  نحوَ 700 كيلو جراماً منَ الحريرِ الخامِّ الذي تتمُّ صباغتهُ داخلَ مصنعٍ مُخصّصٍ لهذا الغرضِ  باللّونِ الأسودِ، كمَا تستهلكُ هذهِ الكسوةُ120 كيلو جراماً مِن أسلاكِ الفضّةِ والذّهبِ، مُبطّنةً منَ الدّاخلِ بقماشٍ مِنَ القُطنِ الأبيضِ المتينِ. فلِماذا لا تُنفقُ  حكومةُ المملكةِ  هذهِ الأموالَ على الفقراءِ بدلَ إنفاقِهَا على كسوةِ الكعبةِ ، واللهُ سُبحانهُ هوَ الذي أمرنَا بالإهتمامِ بالفقراءِ وعدمِ البذخِ والإسرافِ ، فهو لا يرضَى ذلكَ لبيتهِ جزماً ؟!!الجوابُ : أنّهم مأمورونَ بتعظيمِ شعائرِ اللهِ ، والكعبةُ مِن شعائرِ اللهِ ، وتعظيمُ كلِّ شيءٍ بحسبِهِ ،وتعظيمُ الكعبةِ هوَ كسوتُهَا وطليُهَا بأجودِ ما يكونُ وأيُّ تقصيرٍ في ذلكَ هوَ تقصيرٌ في التّعظيمِ الذي ندبنَا اللهُ إليهِ .. وكذلكَ الحالُ في تعظيمِ المراقدِ التي ضمّتِ الأجسادَ الطّاهرةَ للأئمّةِ ( عليهمُ السّلامُ ) ، فهوَ داخلٌ تحتَ التّعظيمِ المذكورِ، كما هوَ مُفصّلٌ في محلّهِ .ويبقى الإنفاقُ على الفقراءِ ومساعدتُهُم وبناءُ الدّورِ للأيتامِ لهُ موردُهُ الشّرعيُّ الآخرُ، ولَم يثبُتِ التّزاحمُ الفقهيُّ بينَ هذهِ المواردِ الشّرعيّةِ حتّى نُقدّمَ مورداً على آخرَ ، بَل يبقَى كلُّ موردٍ بحسبهِ شرعاً والإنسانُ مُطالبٌ بتعظيمِ شعائرِ اللهِ كما هوَ مُطالبٌ بمُساعدةِ الفُقراءِ والمُحتاجينَ. أمّا سؤالكُم الخامسُ ( لِماذا نُنفقُ  الأموالُ الطّائلةُ في الشّعائرِ الحُسينيّةِ ولا نُنفِقُهَا على الفقراءِ ؟) ، فجوابهُ هوَ الجوابُ المُتقدّمُ نفسهُ.أمّا سؤالُكُم السّادسُ ( لماذا تزوّجَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ تسعَ نساءٍ ؟!) ،  فجوابهُ : أغلبُ هذهِ الزّيجاتِ كانَتْ لأغراضِ نشرِ الدّعوةِ ، لِما كانَ مُتعارفاً مِنَ الطّبيعةِ القبليّةِ التي كانَت سائدةً آنذاك مِن أنَّ الإقترانَ بامرأةٍ مِن قبيلةٍ مَا يدفعُ أهلهَا وقبيلتهَا للتّعاطفِ مع الدّعوةِ الإسلاميّةِ والدّخولِ فيهَا ، فالموضوعُ مِن هذهِ النّاحيةِ يوجدُ فيهِ بعدٌ دينيٌّ دعويٌّ ولا يمتُّ لحالةِ الشّهوةِ والرّغباتِ التي يشيعُهَا الجاهلونَ بطبيعةِ المُجتمعاتِ في الجاهليّةِ. أمّا سؤالكُم السّابعُ ( هَل يَجوزُ التّشكيكُ في كلِّ شيءٍ بُغيةَ الوصولِ إلى الحقيقةِ؟) فقَد أجبنَا عليهِ في أوّلِ أجوبتِنَا هُنا.وتقبّلوا خالصَ الإحترامِ.