ما هوَ التّقويمُ الهجريُّ المُعتمدُ زمنَ النّبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ ) ؟!

نوال سلامٌ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، ما هوَ التّقويمُ الهجريُّ في زمنِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ والهِ؟ وهَل كانُوا يصومونَ بفصولٍ مُختلفةٍ أم ثابتةٍ؟ وهَل صحيحٌ أنَّ ربيعاً الأوّلَ هوَ أوّلُ السّنةِ الهجريّةِ؟

: الشيخ مقداد الربيعي

عليكمُ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، كانَ العربُ يَعتمدونَ التّقويمَ القمريَّ قبلَ البعثةِ بقرونٍ ، وهوَ نفسهُ التّقويمُ المُعتمدُ للتّقويمِ الهجريّ ، إلّا أنّهُم كانُوا يَختلفونَ في ترتيبِ الشّهورِ وتسميتِهَا الأمرُ الذي سببَّ إختلافاً كبيراً بينَهُم ، وتنقلُ بعضُ المصادرِ أنّهُم عقدُوا اجتماعاً (وذلكَ قبلَ البعثةِ بقرنينِ ونصف) اتفقوا فيهِ على تسميةِ الشّهورِ وأعدادِهَا ، وهيَ الأشهرُ القمريّةُ المعروفةُ عندَنَا اليومَ ، لكنّهُ لَم يُعتمَد بشكلٍ رسميٍّ في توثيقِ الحوادثِ بَل بقيَ العربُ على طبيعتِهِم في توثيقِ الأمورِ بحسبِ الأحداثِ التي تجري في تلكَ السّنينِ ، لِهذا فهُم يذكرونَ مثلاً أنَّ النّبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) وُلدَ في عامِ الفيلِ ، ولَم يُحدّدوا السّنةَ أوِ الشّهرَ الذي ولدَ فيهِ بشكلٍ دقيقٍ في توثيقاتِهِم. أمّا اعتماد هذا التّقويمِ بشكلٍ رسميٍّ عندَ المُسلمينَ فقَد اِختلفتِ الآراءُ فيهِ: فقَد قيلَ: إنَّ النّبيَّ هوَ أوّلُ مَن أمرَ بالتّأريخِ مِن يومِ ورودهِ المدينةَ المنوّرةَ في ربيعٍ الأوّلِ ، فكانَ المُسلمونَ يُؤرّخونَ بالشّهرِ والشّهرينِ مِن مُقدّمهِ، إلى أن تمَّتْ لهُ سنةٌ [انظُر: مناقبُ ابنِ شهرِ آشوبَ 2: 144]. وقالَ السّهيليُّ: إنَّ هذا التّأريخَ الذي بدأ بهِ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ إنّمَا نزلَ بهِ القُرآنُ في قولهِ {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} التّوبةُ : 108، ويرى السّهيليُّ أنَّ هذا إقرارٌ منَ القُرآنِ في أنَّ أوّلَ التّأريخِ يكونُ مِن ربيعٍ الأوّلِ؛ ولأنَّ الصّحابةَ بدأوا التّأريخَ مِنَ الهِجرةِ [انظُر فتحُ الباري لابنِ حجرٍ 7: 208]. ويَرى ياقوتُ الحمويُّ أنَّ الهجرةَ هيَ أوّلُ التّأريخِ، وذلكَ في علمِ اللهِ تعالى بأنّهُ سيكونُ أوّلُ يومٍ في التّاريخِ هوَ يومُ دخولِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ قِبا [انظُر : مُعجمُ البُلدانِ 5: 124]. وهناكَ مَن يَرى أنَّ التّأريخَ بدأ مِن سنةِ 16 أو 17 أو 18 هـ [انظُر : كنزُ العمّالِ 10: 309]. أمّا الصّومُ بفصولٍ مُختلفةٍ فهوَ أمرٌ واضحٌ .. فالشّهرُ القمريُّ يبدأُ في اليومِ الذي يظهرُ فيهِ الهلالُ، وينتهي في اليومِ الذي يسبِقُ الهلالَ الذي يليهِ، ويصلُ طولُ الشّهرِ القمريّ إلى 29 أو 30 يوماً، نتيجةَ عواملَ عدّةٍ ، مِنهَا: تغيّرُ سُرعةِ دورانِ الأرضِ حولَ الشّمسِ، وتغيّرُ سُرعةِ دورانِ القمرِ حولَ الأرضِ، وتراجعُ عُقدتيّ القمرِ، وتغيّرُ العرضِ السّماويّ للقمرِ. ومِن هُنا نجدُ الشّهورَ القمريّةَ تتغيّرُ مِن سنةٍ لأُخرى فنجدُ شهرَ رمضانَ مثلاً يقعُ في الصّيفِ تارةً وفي الشّتاءِ أُخرى ، وبهذا اللّحاظِ أيضاً جاءتِ الأحكامُ الشّرعيّةُ المُرتبطةُ بهذهِ الشّهورِ ، فالحديثُ النّبويُّ المشهورُ الذي يقولُ عَن صومِ رمضانَ : (صومُوا لرُؤيتهِ وافطِرُوا لرُؤيتهِ) ، تراهُ أناطَ الصّومَ برُؤيةِ هِلالِ شهرِ رمضانَ ولَم يُحدِّد يوماً ثابِتاً مِن كُلِّ سنةٍ كأيّامِ السّنةِ الميلاديّةِ ؛ الأمرُ الذي يعني أنَّ هذهِ الرّؤيةَ لهلالِ رمضانَ قَد تقعُ في الصّيفِ تارةً وفي الشّتاءِ أخرى وفي الخريفِ ثالثةً ، فالمدارُ هوَ على الرّؤيةِ للهلالِ لا على يومٍ ثابتٍ مُحدّدٍ في السّنةِ كأيّامِ السّنةِ الميلاديّةِ التي لا تتغيّرُ .. فالأمرُ واضحٌ مِن هذهِ النّاحيةِ. ودُمتُم سالِمينَ.