علي ( عليه السلام ) لم يترك موضوع الإمامة مطلقا.

ممدوح/: اذا كانت الامامة فرضٌ من عند الله فلماذا تركها علي رضي الله عنه؟ اليس هذا ترك للمفروض؟ والامامة اصلٌ عندكم, والاصل لابد ان تعرفه العباد والتخلي عنه لا يعرض الناس للمسائلة في القيامة.. اريد جوابا موضوعيا مدعما بالأدلة.

: اللجنة العلمية

السلام عليكم 

المتتبع لحوادث التأريخ ومصادره يجد بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يترك موضوع الإمامة والمطالبة بحقّه فيها بعد فتنة السقيفة .. فأوّل شيء قام به هو إعلان المعارضة السلمية والامتناع عن بيعة أبي بكر ، حتى بلغ مستوى المواجهة مع مناهضيه إلى تهديده بحرق الدار التي يُوجد فيها ، كما يذكر ذلك بسند صحيح ابن أبي شيبة في مصنفه .

فقد رَوَى عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثُقَاتٌ عَنْ أَسْلَمَ: أنَّهُ حِينَ بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَكَانَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ يَدْخُلُونَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَيُشَاوِرُونَهَا وَيَرْتَجِعُونَ فِي أَمْرِهِمْ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ خَرَجَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أحْبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَبِيكِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ أحْبُّ إِلَيْنَا بَعْدَ أَبِيكِ مِنْكِ، وأيْمُ اللهِ مَا ذَاكَ بِمَانِعِي إِنْ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ عِنْدَكِ، إِنْ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يُحْرَقَ عَلَيْهِمْ البَيْتُ (الرِّوَايَةَ ) (المُصَنِّفُ 8: 572).

وقد تسأل لماذا لم يرفع الإمام ( عليه السلام ) السيف بوجه مناهضيه ويقاتلهم ؟!

الجواب : هناك قاعدة عقلائية عمل بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حياته كما عمل بها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهي تقديم الأهم على  المهم ، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) كان لا يقتل المنافقين ويغض الطرف عنهم مع أنهم في أحد المرات أرادوا اغتياله ، وقد اعلمه الله بأسمائهم وقال فيهم حديثا صحيحا رواه مسلم وغيره ، وهو قوله (ص) : ( في اصحابي اثنا عشر منافقا فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط ) [ صحيح مسلم 8: 256].

فقد ذكر ابن كثير في " السيرة النبوية " :  عن عروة بن الزبير قال : لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة هم جماعة من المنافقين بالفتك به وأن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق ، فأخبر بخبرهم ، فأمر الناس بالمسير من الوادي وصعد هو العقبة ، وسلكها معه أولئك النفر وقد تلثموا ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أن يمشيا معه ، عمار آخذ بزمام الناقة وحذيفة يسوقها .

فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم قد غشوهم . فغضب رسول الله وأبصر حذيفة غضبه فرجع إليهم ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه ، فلما رأوا حذيفة ظنوا أن قد أظهر على ما أضمروه من الامر العظيم ، فأسرعوا حتى خالطوا الناس .

وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما فأسرعا حتى قطعوا العقبة ووقفوا ينتظرون الناس ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة : " هل عرفت هؤلاء القوم ؟ " قال : ما عرفت إلا رواحلهم في ظلمة الليل حين غشيتهم . ثم قال : " علمتما ما كان من شأن هؤلاء الركب ؟ " قالا : لا . فأخبرهما بما كانوا تمالاوا عليه وسماهم لهما واستكتمهما ذلك .

فقالا : يا رسول الله أفلا تأمر بقتلهم ؟ فقال : " أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " .

وقد ذكر ابن إسحاق هذه القصة إلا أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعلم بأسمائهم حذيفة بن اليمان وحده . وهذا هو الأشبه والله أعلم . انتهى [ السيرة النبوية 4: 34] 

فهنا نجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يمتنع عن قتل المنافقين الذين ارادوا اغتياله حتى لا يشيع بين الناس بأنّ محمّدا يقتل أصحابه فتؤثر هذه الإشاعة على دعوته وانتشار الإسلام فآثر الصبر على هؤلاء حتى تتسع دائرة الاسلام وتنتشر ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر . 

فكذلك الحال في موقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فهو آثر المعارضة السلمية على المعارضة المسلحة  حتى لا تكون هناك فرصة لليهود والمنافقين المتربصين بالإسلام ، والناس قريبو عهد بالجاهلية بعد وفاة نبيهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

وهو في هذا الجانب أمتثل لأمر رسول الله (ص) الذي طالبه بالسلم من بعده ، فقد روى أحمد في مسنده عن إياس بن عمرو الأسلمي عن علي بن أبي طالب قال : قال  رسول الله (ص) : ( إنه سيكون بعدي اختلاف أو أمر ، فإن استطعت أن تكون السلم فافعل ) . قال أحمد محمد شاكر - المحقق للمسند - :  إسناده صحيح [ مسند أحمد بن حنبل 1:  469].

ومع كلّ ذاك لم يترك الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) الإشارة إلى حقّه في الخلافة فمازال يصدح بهذا الحقّ وينبه الأمّة عليه في كلّ فرصة تسنح له حتى تعرف الأمّة من هو المخالف لله ورسوله في هذه المسألة ومن هو المطيع .

فقد ذكر المحدّثون والعلماء من أهل السنّة احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بحديث الغدير عندما نوزع في خلافته :

1ـ جاء عن ابن حجر المكي، المتوفى سنة 974هـ،  في "الصواعق المحرقة": ( وفي رواية لأحمد أنّه سمعه من النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيّام خلافته...). انتهى [ الصواعق المحرقة 1: 107]

2ـ عن الملا علي القاري، المتوفى سنة 1014هـ، قال في "مرقاة المفاتيح" : ( في رواية أحمد أنّه سمعه من النبي ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته). انتهى [ مرقاةالمفاتيح 11: 248]

3ـ عن أبي عبد الله الزرقاني المالكي، المتوفى 1122هـ، قال في "شرح المواهب ": (وهو متواتر رواه ستة عشر صحابياً، وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته).انتهى [ شرح المواهب 7: 13]

4- وقال علي بن برهان الدين الحلبي   في "سيرته": ( أنّه كرم الله وجهه لم يحتج بذلك [ أي بحديث الغدير ] إلا بعد أن آلت إليه الخلافة ردا على من نازعه فيه) . انتهى [ السيرة الحلبية 3: 303]

وهكذا كان ( عليه السلام ) لا يترك فرصّة إلا واحتجّ لحقّه في الخلافة أمام مناوئيه ولم يسكت أبدا .

ودمتم سالمين 

 

 

 

المرفقات