الشّفاعةُ ثابتةٌ للحسينِ (عليهِ السّلامُ) في الدّنيا والآخرةِ

Ali Mahmoud/: الشّيعةُ يطلقونَ خدمةً جديدةً للتّواصلِ معَ الحسينِ. خدمةُ الإتّصالِ بالحسينِ لطلبِ الشّفاعةِ بعدَ أن احتارُوا أن يجدُوا وسيلةً ليتواصلوا معهُ فلجأوا إلى إستخدامِ الهاتفِ! الحمدُ للهِ على نعمةِ العقلِ.

: اللجنة العلمية

نأسفُ كثيراً لمَنْ يضيّقونَ رحمةَ اللهِ بفَهمهمُ الضّيّقِ، وكأنّهُم يريدونَ ربّاً وديناً على مقاسهِم وحدودِ تفكيرهِم، هذا الفهمُ الضّيّقُ والتّفكيرُ المحدودُ الذي أدّى بهِم إلى إنكارِ أوضحِ الواضحاتِ وأجلى الدّلائلِ، فموضوعُ الشّفاعةِ موضوعٌ ثابتٌ كتاباً وسنّةً، ولا ينحصرُ طلبُها بطريقةٍ معيّنةٍ أو بروتوكولاتٍ خاصّةٍ، كمَا يوحِي إليهِ كلامُ السّائلِ.

فالشّفاعةُ فِي اللّغةِ مشتقّةٌ مِنَ الشّفعِ الذي هوَ غيرُ الوترِ (الفردِ)، والشّفعُ هوَ الزّوجُ الذي هوَ عكسُ الوترِ عندَ الإطلاقِ، قالَ إبنُ منظورٍ فِي "لسانِ العربِ": شفعَ الوترَ مِنَ العددِ شفعاً: صيّرهُ زوجاً.

فطلبُ الشّفاعةِ منَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) والإمامِ (عليهِ السّلامُ) معناهُ  طلبُ دعائهِ معكَ إلى اللهِ فِي أن يعفوَ عنكَ ويقضِي حاجتكَ، ولكَ أن تباشرَ طلبَها منَ اللهِ سبحانهُ كأن تقولَ: اللّهمَ اجعلِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) أو اجعلِ الإمامَ الحسينَ (عليهِ السّلامُ) شفيعاً لِي في قضاءِ حاجتِي أو تطلبَ مِن غيركَ بأن يدعُوَ لكَ بطلبِ الشّفاعةِ، فكلُّ ذلكَ جائزٌ ولا مشكلةَ فيهِ شَرعاً وعُرفاً وعَقلاً، ولكنَّ الجاهلينَ لا يفقهونَ. 

وهيَ - أي هذهِ الشّفاعةُ -  ثابتةٌ للنّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) في الدّنيا كمَا هيَ ثابتةٌ لهُ فِي الآخرةِ، كتاباً وسنّةً، ومِن خلالِها يُمكننَا الإستدلالُ على ثبوتِها للحسينِ (عليهِ السّلامُ) وغيرهِ مِن أهلِ بيتهِ الطّيبينَ الطّاهرينَ في الدّنيا والآخرةِ أيضاً:

فمِنَ الكتابِ الكريمِ قولهُ تعالى فِي سورةِ النّساءِ، الآيةُ 64: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ}.

قالَ الشّوكانيّ:

( ووجهُ الاستدلالِ بهَا أنّهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ حيٌّ فِي قبرهِ بعدَ موتهِ كمَا فِي حديثِ: الأنبياءُ أحياءٌ فِي قبورهِم، وقَد صحّحهُ البيهقيُّ وألّفَ فِي ذلكَ جزءاً). انتهَى. [ نيلُ الأوطارِ 3: 105].

قالَ إبنُ قدامةَ الحنبليّ [الذي يصفهُ إبنُ تيميّةَ بأنّهُ مَا دخلَ الشّامَ بعدَ الأوزاعيّ أفقهُ مِن ابنِ قدامةَ] فِي "المُغنِي " يستحبُّ أن يقولَ الزّائرُ عندَ توجّههِ للقبرِ الشّريفِ: اللهمَ إنّكَ قلتَ وقولكَ الحقُّ: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) وقَد أتيتُكَ مُستغفراً مِن ذنوبِي مُستشفعاً بكَ إلى ربّي، فأسالكَ يَا ربِّ أن توجبَ لِي المغفرةَ كمَا أوجبتهَا لمَن أتاهُ فِي حياتهِ. [ المُغنِي 3: 590].

وهذا طلبٌ صريحٌ للشّفاعةِ مِن ابنِ قُدامةَ الحنبليّ فِي الدّنيا وخطابٌ مباشرٌ منهُ للنّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) بقولهِ: (وقَد أتيتكَ مُستغفراً مِن ذنوبِي مُستشفعاً بكَ إلى ربِّي)، وهوَ يدحضُ دعاوى الوهّابيّينَ ومَن لفَّ لفّهُم مِنَ المُتطفّلينَ على الإسلامِ بأنّهُ لا شفاعةَ للنّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) فِي الدّنيا لأنّهُ ميّتٌ ولا يصحُّ طلبُ الشّفاعةِ مِن ميّتٍ ، وأنّ الشّفاعةَ محصورةٌ فِي الآخرةِ فقَط!

والوجهُ العلميّ فِي صحّةِ مَا أفادهُ إبنُ قدامةَ الحنبليّ - إضافةً لمَا ذكرهُ الشّوكانيّ مِن أحاديثِ "الأنبياءُ أحياءٌ في قبورهِم" - هوَ وقوعُ الفعلِ ( جآءوكَ ) فِي سياقِ الشّرطِ، والقاعدةُ المقرّرةُ فِي علمِ الأصولِ أنَّ الفعلَ إذا وقعَ في سياقِ الشّرطِ يفيدُ العمومَ؛ لأنَّ الفعلَ فِي معنَى النّكرةِ لتضمّنهِ مصدراً مُنكراً والنّكرةُ الواقعةُ فِي سياقِ النّفي أو الشّرطِ تُفيدُ العمومَ وضعاً، فتكونُ شفاعتهُ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) لأمّتهِ ثابتةً حالَ حياتهِ وحالَ مماتهِ بمُقتضَى الآيةِ الكريمةِ ودلالتِهَا اللّغويّةِ.

وأيضاً ممَّا يدلُّ على ثبوتِ شفاعتهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) فِي الدّنيا هوَ ذلكَ الحديثُ الصّحيحُ الذي رواهُ التّرمذيّ والمُسمّى بحديثِ الأعمَى والذي اعترفَ بصحّتهِ ابنُ تيميّةَ [ انظُر: مجموعُ الفتاوَى 1 :323]، وقصّةُ هذا الحديثِ: أنَّ رجلاً ضريراً جاءَ إلى النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) وطلبَ منهُ أن يدعوَ اللهَ عزَّ وجلَّ بأن يكشفَ بصرَهُ فقالَ لهُ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ): إن شئتَ دعوتُ وإن شئتَ صبرتَ فهوَ خيرٌ لكَ. قالَ: فادعهُ، فأمرهُ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) أن يتوضّأ وأن يدعو بهذا الدّعاءِ: ( اللّهمَ إنّي اسألكَ وأتوجّهُ إليكَ بنبيّكَ محمّدٍ نبيّ الرّحمةِ، يا محمّدُ إنّي أتوجّهُ بكَ إلى ربِّي في حاجتِي هذهِ لتُقضَى لِي اللّهمَ فشفّعهُ بِي). [ سننُ التّرمذيّ 5: 229].

وهذا الحديثُ نفسهُ علّمهُ الصّحابيّ عثمانُ بنُ حنيفٍ لرجلٍ كانَ يختلفُ إلى عثمانَ بنِ عفّانَ في حاجةٍ لهُ فِي زمنِ خلافةِ عثمانَ، أي بعدَ وفاةِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ)، وكانَ عُثمانُ لا يلتفتُ إليهِ، ولا ينظرُ في حاجتهِ، فلقيَ عثمانَ بنَ حُنيفٍ فشكا ذلكَ إليهِ، فقالَ لهُ عثمانُ بنُ حنيفٍ: ائتِ الميضأةَ فتوضّأ، ثمَّ ائتِ المسجدَ فصلّ فيهِ ركعتينِ، ثمَّ قُل: اللّهمَ إنّي أسألكَ وأتوجّهُ إليكَ بنبيّنَا محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) نبيِّ الرّحمةِ، يا محمّدُ إنّي أتوجّهُ بكَ إلى ربّكَ – جلَّ وعزَّ –، فيقضِي لي حاجتِي، فصنعَ مَا قالَ لهُ عثمانُ، ثمَّ أتَى بابَ عثمانَ، فجاءَ البوّابُ حتّى أخذَ بيدهِ، فأدخلَهُ عثمانُ بنُ عفّانَ فأجلسهُ معهُ على الطّنفسةِ، وقالَ: حاجتكَ؟ فذكرَ حاجتَهُ، فقضاهَا لهُ، ثمَّ قالَ لهُ: ما ذكرتَ حاجتكَ حتّى كانَت هذهِ السّاعةُ، وقالَ: مَا كانَت لكَ مِن حاجةٍ فأتنَا، ثمَّ إنَّ الرّجلَ خرجَ مِن عندهِ فلقيَ عثمانَ بنَ حُنيفٍ، فقالَ لهُ: جزاكَ اللهُ خيراً! مَا كانَ ينظرُ فِي حاجتِي ولا يلتفتُ إليّ حتّى كلّمتَهُ فيَّ، فقالَ عثمانُ بنُ حنيفٍ: واللهِ مَا كلّمتهُ، ولكِن شهدتُ رسولَ اللهِ – صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ – وأتاهُ ضريرٌ، فشكَا عليهِ ذهابَ بصرهِ، فقالَ لهُ النّبيّ – صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ – : " أفتصبرُ؟ " ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ! إنّهُ ليسَ لِي قائدٌ، وقَد شقَّ عليَّ، فقالَ لهُ النّبيّ – صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ – : " إيتِ الميضأةَ، فتوضّأ ، ثمَّ صلِّ ركعتينِ ، ثمَّ ادعُ بهذهِ الدّعواتِ ".

قالَ عثمانُ: فواللهِ مَا تفرّقنَا وطالَ بنَا الحديثُ حتّى دخلَ علينَا الرّجلُ كأنّهُ لَم يكُن بهِ ضررٌ قَطُّ. [ المعجمُ الكبيرُ للطّبرانيّ 9: 30].

وهذا الحديثُ صحّحهُ الطّبرانيّ نفسهُ، والبيهقيّ فِي دلائلِ النّبوّةِ ج 6 ص 167، والحاكمُ فِي المستدركِ ج 1ص ج 1 ص 526 عَن طريقِ أحمدَ بنِ شبيبٍ عَن أبيهِ ولم يذكُر القصّةَ، وسلّمهُ الذّهبيّ، وأقرَّ الحافظُ المنذريّ تصحيحَ الطّبرانيّ لهُ فِي التّرغيبِ والتّرهيبِ ج 1 ص 273، والحافظُ الهيثميّ فِي مجمعِ الزّوائدِ ج 2 ص279 .. ويوجدُ هاهُنا كلامٌ للألبانيّ - فِي سندِ هذهِ الرّوايةِ - ينطوي على تدليسٍ وتزييفٍ للحقائقِ ذكرهُ حمدِي السّلفيّ محققُ كتابِ المعجمِ الكبيرِ للطّبرانيّ، وقَد تعقّبهُ الحافظُ ابنُ الصّديقِ المغربيّ فِي كتابهِ "إرغامُ المبتدعِ الغبيّ بجوازِ التّوسّلِ بالنّبيّ"، وردّهُ بكلامٍ محكمٍ متينٍ، فليراجِع ثمّةَ!

فهذهِ الأدلّةُ الثّابتةُ لشفاعةِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) فِي الدّنيَا تكفينَا فِي الإستنادِ إليهَا فِي إثباتِ شفاعةِ الحسينِ (عليهِ السّلامُ) وأهلِ البيتِ (صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهِم أجمعينَ) فيمَا لو وردَتْ أحاديثُ شفاعتِهِم مِن طرقنَا فقَط، وذلكَ وفقاً لضابطةِ: حكمُ الأمثالِ فيمَا يجوزُ ولا يجوزُ واحدٌ، فبعدَ ثبوتِ جوازِ الشّفاعةِ فِي الدّنيَا لميّتٍ غائبٍ عنهَا، وهوَ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ)، يكونُ ثبوتُها لغيرهِ منَ الأنبياءِ والأولياءِ بمكانٍ مِنَ الإمكانِ وليسَ مُمتنِعاً، فكيفَ إذا كانَت أحاديثُ شفاعتهِم (عليهمُ السّلامُ) ممَّا وردَ ذكرهُ في كتبِ أهلِ السّنّةِ والجماعةِ فضلاً عَن كتبِ الشّيعةِ؟

فقَد روى السّيوطيّ فِي " الجامعِ الصّغيرِ "، والمُتّقِي الهنديّ فِي " كنزِ العمّالِ " عَن فردوسَ الدّيلميّ عَن أبي هريرةَ:  الشّفعاءُ خمسةٌ: القرآنُ، والرّحمُ، والأمانةُ، ونبيّكُم، وأهلُ بيتهِ. [ الجامعُ الصّغيرُ 2: 86، كنزُ العمّالِ 14: 390]، والحديثُ عامٌّ لم يقيَّدْ بدنيَا أو آخرةٍ فيثبتُ المطلوبُ.

 

والحمد لله رب العالمين