عَلِيٌّ قَسِيْمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ.

أَبُو غَرِيْبٍ/: عَلِيٌّ قَسِيْمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَعَلِيٌّ هُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيْمُ أَلَيْسَ الأَوْلَى أَنْ يَكُوْنَ رَسُوْلُ اللهِ هُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيْمُ وَهُوَ القَسِيْمُ؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ أَبُو غَرِيْبٍ المُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ 

شَاءَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يَكُوْنَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هُوَ قَسِيْمَ النَّارِ وَالجَنَّةِ بِنَصٍّ صَحِيْحٍ صَرِيْحٍ لَا يُمْكِنُ لِأَيِّ شَخْصٍ دَفْعُهُ فِي الإِسْلَامِ، فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ: عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُدَيِّ بنِ ثَابِتٍ عَنْ زِرٍّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ إِنَّهُ لَعَهِدَ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ. [صَحِيْحُ مُسْلِمٍ 1:61].

وَهَا هُوَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَشْرَحُ لَنَا هَذَا الحَدِيْثَ المُبَارَكَ، جَاءَ فِي "طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ" لِأَبِي يَعْلَى: سَمِعْتُ مُحَمَّداً بنَ مَنْصُوْرٍ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي هَذَا الحَدِيْثِ الَّذِي يُرْوَى أَنَّ عَلِيَّاً قَالَ: "أَنَا قَسِيْمُ النَّارِ"؟!

فَقَالَ: وَمَا تُنْكِرُوْنَ مِنْ ذَا؟! أَلَيْسَ رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) قَالَ لِعَلِيٍّ: لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ؟.

قُلْنَا: بَلَى.

قَالَ: فَأَيْنَ المُؤْمِنُ؟.

قُلْنَا: فِي الجَنَّةِ.

قَالَ: فَأَيْنَ المُنَافِقُ؟.

قُلْنَا: فِي النَّارِ.

قَالَ: فَعَلِيٌّ قَسِيْمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ.  [طَبَقَاتُ الحَنَابِلَةِ 1: 320].

هَذَا، وَقَدْ رَوَى حَدِيْثَ ( عَلِيٌّ قَسِيْمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ)، جُمْلَةٌ مِنْ أَعْلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ نُشِيْرُ إِلَى بَعْضِهِمْ هُنَا:

قَالَ إِبْنُ حَجَرٍ المَكِيِّ فِي "الصَّوَاعِقِ المُحْرِقَةِ": (أَخْرَجَ الدَّارْقَطْنِيُّ: إِنَّ عَلِيَّاً قَالَ لِلسِّتَّةِ الَّذِيْنَ جَعَلَ عُمَرُ الأَمْرَ شُوْرَى بَيْنَهُمْ كَلَامَاً طَوِيْلَاً مِنْ جُمْلَتِهِ: أُنْشِدُكُمْ بِاللهِ، هَلْ فِيْكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ: يَا عَلِيُّ، أَنْتَ قَسِيْمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. وَمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَلِيِّ الرِّضَا، أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ قَسِيْمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَوْمَ القِيَامَةِ تَقُوْلُ لِلنَّارِ: هَذَا لِي وَهَذَا لَكِ"). إنْتَهَى [الصَّوَاعِقُ المُحْرِقَةُ 2: 369].

وَجَاءَ عَنِ القَاضِي عَيَّاضٍ فِي فَصْلِ إِخْبَارِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) عَنْ المُغَيَّبَاتِ مِنْ كِتَابِهِ "الشَّفَا": (وَأَخْبَرَ بِمُلْكِ بَنِي أُمَيَّةَ، ... وَقَتْلِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ أَشْقَاهَا الَّذِي يُخَضِّبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَيْ لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ، وَأَنَّهُ قَسِيْمُ النَّارِ; يُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهُ الجَنَّةَ وَأَعْدَاءَهُ النَّارَ). [الشَّفَا بِتَعْرِيْفِ حُقُوْقِ المُصْطَفَى 1: 338].

وَقَالَ الخَفَاجِيُّ فِي شَرْحِهِ "نَسِيْمُ الرِّيَاضِ":

ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ

إِلَّا إبنُ الأَثِيْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إِلَّا أَنَّ عَلِيَّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَنَا قَسِيْمُ النَّارِ. يَعْنِي أَرَادَ أَنَّ النَّاسَ فَرِيْقَانِ: فَرِيْقٌ مَعِي فَهُمْ عَلَى هُدَى، وَفَرِيْقٌ عَلَيَّ فَهُمْ عَلَى ضَلَالٍ، فَنِصْفٌ مَعِي فِي الجَنَّةِ، وَنِصْفٌ عَلَيَّ فِي النَّارِ. إنْتَهَى. قُلْتُ: إبْنُ الأَثِيْرِ ثِقَةٌ، وَمَا ذَكَرَهُ عَلِيٌّ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ فِي حُكْمِ المَرْفُوْعِ، إِذْ لَا مَجَالَ فِيْهِ لِلْاِجْتِهَادِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَا وَمَنْ مَعِي قَسِيْمٌ لِأَهْلِ النَّارِ، أَيْ مُقَابِلٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَقِيْلَ: القَسِيْمُ: القَاسِمُ

كَالجَلِيْسِ وَالسَّمِيْرِ، وَقِيْلَ. أَرَادَ بِهِمُ الخَوَارِجَ وَمَنْ قَاتَلَهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. إنْتَهَى. [نَسِيْمُ الرِّيَاضِ فِي شَرْحِ شِفَاءِ القَاضِي عَيَّاض 4 : 167].

وَقَدْ شَهِدَ إبنُ أَبِي الحَدِيْدِ المُعْتَزِلِيِّ بِاسْتِفَاضَةِ الحَدِيْثِ فِي شَرْحِهِ عَلَى النَّهْجِ، حَيْثُ قَالَ: (فَقَدْ جَاءَ فِي حَقِّهِ الخَبَرُ الشَّائِعُ المُسْتَفِيْضُ: إِنَّهُ قَسِيْمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الهَرَوِي فِي الجَمْعِ بَيْنَ الغَرِيْبَيْنِ: أَنَّ قَوْمَاً مِنْ أَئِمَّةِ العَرَبِيَّةِ فَسَّرُوْهُ فَقَالُوا: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحِبُّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَمُبْغِضُهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. كَانَ بِهَذَا الإِعْتِبَارِ قَسِيْمَ النَّارِ وَالجَنَّةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ: بَلْ هُوَ قَسِيْمُهَا بِنَفْسِهِ فِي الحَقِيْقَةِ يُدْخِلُ قَوْمَاً إِلَى الجَنَّةِ وَقَوْمَاً إِلَى النَّارِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَخِيْرَاً هُوَ مَا يُطَابِقُ الأَخْبَارَ الوَارِدَةَ فِيْهِ: يَقُوْلُ لِلنَّارِ: هَذَا لِي فَدَعِيْهِ، وَهَذَا لَكِ فَخُذِيْهِ). [شَرْحُ نَهْجِ البَلَاغَةِ 2:448].

وَمِمَّا يَشْهَدُ لِصِحَّةِ حَدِيْثِ (عَلِيٌّ قَسِيْمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ) أَنَّ المُخَالِفِيْنَ وَضَعُوا حَدِيْثَاً كَاذِبَاً مَفَادُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ  قَسِيْمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ يَقِفُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ فَيُدْخِلُ فِيْهَا مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ، فَلَوْلَا صِدْقُ وَقُوَّةُ حَدِيْثِ (عَلِيٌّ قَسِيْمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ) لَمَا تَجَشَّمَ مُخَالِفُوا الشِّيْعَةِ وَضْعَ مِثْلِ الحَدِيْثِ المَذْكُوْرِ.

قَالَ إبنُ حَبَّانٍ: أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ القَاسِمِ شَيْخٌ كُوْفِيٌ: يَضَعُ الحَدِيْثَ عَلَى الثِّقَاتِ. رَوَى عَنْ إبنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ): إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ تَحْتِ العَرْشِ: أَلَا هَاتُوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ)، فَيُؤْتَى بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بنِ عَفَّانٍ وَعَلِيٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: فَيُقَالُ لِأَبِي بَكْرٍ: قِفْ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ فَأَدْخِلْ مَنْ شِئْتَ بِرَحْمَةِ اللهِ … ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَبَّانٍ: الحَدِيْثُ مَوْضُوْعٌ لَا أَصْلَ لَهُ). إنْتَهَى. [المَجْرُوْحِين 1 : 145].

فَعَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هُوَ قَسِيْمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ بِمَا ثَبَتَتْ رِوَايَتُهُ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيْمُ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الإِيْمَانَ هُوَ عَمَلِيَّةٌ مُتَكَامِلَةٌ لَا يُكْتَفَى فِيْهَا بِالإِيْمَانِ بِالتَّوْحِيْدِ فَقَطْ وَلَا بِالنُّبُوَّةِ فَقَطْ بَلْ هُنَاكَ أُمُوْرٌ أَوْجَبَتْهَا الشَّرِيْعَةُ وَجَعَلَتْهَا -إِضَافَةً لِمَا تَقَدَّمَ- مَدَارَ الفَوْزِ وَالخُسْرَانِ فِي الآَخِرَةِ.

وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَاهُ الحَدِيْثُ المُتَوَاتِرُ الَّذِي جَاءَ فِيْهِ: (سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي إِلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ وَالنَّاجِيَةُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ).

فَقَدْ صَرَّحَ بِتَوَاتُرِ هَذَا الحَدِيْثِ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) السَّيُوْطِيُّ كَمَا فِي فَيْضِ القَدِيْرِ2:27، وَكَذَلِكَ الكَتَّانِيُّ فِي نَظْمِ المُتَنَاثِرِ مِنَ الحَدِيْثِ المُتَوَاتِرِ: 47.

فَهُنَا نَجِدُ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) فِي قَوْلِهِ: (تَفْتَرِقُ أُمَّتِي) قَدْ نَسَبَ جَمِيْعَ المُفْتَرِقِيْنَ إِلَيْهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، وَمِنَ المَعْلُوْمِ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يَكُوْنُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى يَكُوْنَ مُؤْمِنَاً بِالتَّوْحِيْدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالمَعَادِ، وَمُؤْمِنَاً بِوُجُوْبِ العِبَادَاتِ وَالقُرْآَنِ الكَرِيْمِ، وَمَعْ ذَاكَ قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) عَنْهَا: ( كُلُّهَا فِي النَّارِ وَالنَّاجِيَةُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ)، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّجَاةَ مِنَ النَّارِ لَا تَدُوْرُ مَدَارَ الإِيْمَانِ بِالتَّوْحِيْدِ، وَلَا الإِيْمَانَ بِالنُّبُوَّةِ، وَلَا الإِيْمَانَ بِالمَعَادِ، وَلَا الإِيْمَانَ بِوُجُوْبِ العِبَادَاتِ، وَلَا الإِيْمَانَ بِالقُرْآَنِ الكَرِيْمِ فَقَطْ، بَلْ هُنَاكَ أُمُوْرٌ أُخْرَى -إِضَافَةً لِمَا ذُكِرَ- تَكُوْنُ هِيَ مَحَلَّ النَّجَاةِ فِي الآَخِرَةِ.

 وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.