هَلْ يَتَنَافَى النِّسْيَانُ الوَارِدُ فِي حَقِّ الأَنْبِيْاءِ (ع) فِي القُرْآَنِ وَعِصْمَتُهُمْ؟!!

نُوْرُ الزَّهْرَاءِ: السَّلَامُ عَلَيْكُم .. نَحْنُ الإِمَامِيَّةُ نَعْتَقِدُ وَنُوْقِنُ بِأَنَّ الأنْبِيْاءَ وَالمُرْسَلِيْنَ هُمْ مُنَزَهُوْنَ عَنِ الخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالسَّهْوِ وَلَقَدْ ذُكِرَ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ حَادِثَةُ نَبِيِّ اللهِ يُوْسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِيْنَمَا كَانَ فِي السِّجْنِ عِنْدَمَا قَالَ لِلْشَّخْصِ الَّذِيْ تَمَّ سَجْنُهُ مَعْ نَبِيِّ اللهِ يُوْسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ الإفْرَاجِ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ لَهُ إذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ ذُكِرَ فِي الكِتَابِ الحَكِيْمِ حَادِثَةُ نَبِيِّ اللهِ مُوْسَى وَذَلِكَ الشَّخْصِ الحَكِيْمِ الَّذِيْ خَرَقَ السَّفِيْنَةَ وَقَتَلَ صَبِيَّاً وَبَنَى جِدَاراً فِي قَرْيَةٍ وَعِنْدَ كُلِ حَادِثَةٍ كَانَ يَسْأَلُهُ مُوْسَى عَنْ السَّبَبِ وَقَالَ لَهُ لَا تَسْأَل وَإِنْ سَأَلْتَ فَهَذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ حِيْنَهَا أَجَابَهُ نَبْيُّ اللهِ مُوْسَى لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيْتُ.  سُؤَالِي هُوَ فِي الحَادِثَتَيْنِ حَدَثَ نِسْيَانٌ لِلأَنْبِيَاءِ، إِذَنْ أَيُّ نِسْيَانٍ تُنَزِهُونَهَمْ عَنْهُ هُوَ المَقْصُودُ؟ هَلِ المَقْصُودُ مِنَ النِّسْيَانِ عَدَمُ نِسْيَانِ المَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تُطْرَحُ عَلَيْهِمْ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ أَمْ مَاذَا بِالضَّبْطِ وَلَكُم خَالِصُ الإحْتِرَامِ.

: اللجنة العلمية

الأُخْتُ/الأَخُ المُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

يُوْجَدُ لِلْنِّسْيَانِ مَعْنَيان: عَدَمُ الحِفْظِ ، وَالتَّرْكُ، وَهُوَ مَا يُوَضِّحُهُ لَنَا المُفَسِّرُ الكَبِيْرُ إبنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ عِنْدَ تَفْسِيْرِهِ لِبَعْضِ الآيَاتِ الكَرِيْمَةِ الَّتِيْ وَرَدَ فِيْهَا ذِكْرُ النِّسْيَانِ لِلْأَنْبِيَاءِ ، إِذْ قَالَ عِنْدَ تَفْسِيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) (طـَهَ: 115) (إِنَّ "النِّسْيَانَ" عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيْعِ مِنَ العَبْدِ وَالتَّفْرِيْطِ، وَالآَخَرُ عَلَى وَجْهِ عَجْزِ النَّاسِيْ عَنْ حِفْظِ مَا اسْتُحْفِظَ وَوُكِّلَ بِهِ، وَضَعُفَ عَقْلُهُ عَنْ إِحْتِمَالِهِ.

 فَأَمَّا الَّذِي يَكُوْنُ مِنَ العَبْدِ عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيْعِ مِنْهُ وَالتَّفْرِيْطِ، فَهُوَ تَرْكٌ مِنْهُ لِمَا أُمِرَ بِفْعِلِهِ. فَذَلِكَ الَّذِيْ يَرْغَبُ العَبْدُ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَرْكِهِ مُؤَاخَذَتَهُ بِهِ، وَهُوَ "النِّسْيَانُ" الَّذِيْ عَاقَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ آَدَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الجَنَّةِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) [سُوْرَةُ طَهَ: 115]، وَهُوَ "النِّسْيَانُ" الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا) [سُوْرَةُ الأَعْرَافِ:51])  [ جَامِعُ البَيَانِ فِي تَأْوِيْلِ القُرْآَنِ لِأَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ، طَبْعَةُ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَةِ، ج6، ص133] ،  وَبِهَذَا المَعْنَى مِنْ تَفْسِيْرِ النِّسْيَانِ بِالتَّرْكِ  فَسَّرَ الآَيَةَ الكَرِيْمَةَ القُرْطُبِيُّ وَالجَلَالَيْنُ (السُّيُوْطِيُّ وَالمَحَلِّيُّ) وَغَيْرُهُمْ.

 وَكَذَلِكَ تُحْمَلُ بَقِيَّةُ الآيَاتِ الكَرِيْمَةِ الَّتِي وَرَدَ فِيْهَا نِسْبَةُ النِّسْيَانِ لِلْأَنْبِيْاءِ (ص)، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:(نَسِيْتُ الحُوْتَ)، أَيْ تَرَكْتُهُ وَفَقَدْتُهُ [انْظُرْ الكَشْفَ وَالبَيَانَ عَنْ تَفْسِيْرِ القُرْآنِ لِلْثَعْلَبِيِّ، طَبْعَةُ دَارِ إِحْيَاءِ التُّرَاثِ العَرَبِيِّ، ج6، ص182، مَعَالِمَ التَّنْزِيْلِ فِيْ تَفْسِيْرِ القُرْآَنِ لِلْبَغَوِيِّ، طَبْعَةُ دَارِ إِحْيَاءِ التُرَاثِ العَرَبِيِّ، ج3، ص204].

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيْتُ)، أَيْ بِمَا تَرَكْتُ [ مَدَارِكُ التَّنْزِيْلِ وَحَقَائِقُ التَّأْوِيْلِ المَشْهُورِ بِتَفْسِيْرِ النَّسْفِيِّ، طَبْعَةُ دَارِ الكَلِمِ الطَّيْبِ، ج2، ص312، أَنْوَارُ التَّنْزِيْلِ وَأَسْرَارُ التَّأْوِيْلِ المَشْهُورِ بِتَفْسِيْرِ البَّيْضَاوِيِّ، طَبْعَةُ دَاْرِ إِحْيَاءِ التُّرَاثِ العَرَبِيِّ، ج3، ص288]. 

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى)(الأَعْلَى:6)، فَقَدْ حَمَلَهُ جَمْعٌ مِنَ المُفَسِّرِيْنَ وَالشُّرَّاحِ عَلَى إِرَادَةِ النَّسْخِ لَا النِّسْيَانِ الحَقِيْقِيِّ، كَمَا يَنْقُلُهُ ابْنُ حِجْرٍ عَنْ الإِسْمَاعِيْلِيِّ: (أَنْ يَرْفَعهُ الله عَنْ قَلْبه عَلَى إِرَادَة نَسْخِ تِلَاوَته، وَهُوَ الْمُشَار إِلَيْهِ بِالإسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: "سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ") [ فَتْحُ البَارِيْ شَرْحُ صَحِيْحِ البُخَارِيِّ لإبْنِ حَجَرٍ، طَبْعَةُ دَارِ المَعْرِفَةِ، ج9، ص86]، وَهَكَذَا بَقِيَّةُ المَوَارِدِ.. مَعْ مُلَاحَظَةِ أنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) ، لَيْسَ المَقْصُوْدُ مِنْهَا نِسْيَانُ نَبِيِّ اللهِ يُوْسُفَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، بَلْ نِسْيَانُ الشَّخْصِ النَّاجِيْ مِنَ السِّجْنِ الَّذِيْ طَلَب مِنْهُ نَبِيُّ اللهِ يُوْسُفَ أَنْ يَذْكُرَ قَضِيَتَهُ وَمَظْلُوْمِيَتَّهُ عِنْدَهُ .

وَدُمْتُمْ سَاْلِمِيْنَ.