حُبُّ عليٌّ إِيمانٌ وبُغْضُهُ نِفَاقٌ.

أَبو فَاطِمَةَ: السَّلامُ عليكُم ورحمةُ ٱللهِ وبركاتُهُ.. أَتَمَنَّىٰ إجابةَ هذا السَّؤالِ : ورد في الحديثِ الصَّحيحِ ( يا عَلِيُّ لا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤمِنٌ ولا يَبغَضُكَ إِلَّا مُنافِقٌ ) فقالوا: إِنَّ هذهِ الميزةَ ليست لِعَلِيِّ ابْنِ أَبي طالبٍ ﴿عليه السَّلامُ﴾ وحدَهُ بل يُشارِكُهُ فيها كثيرٌ مٍنَ الصَّحابةِ إِذ ورد عن رسولِ ٱللهِ صلًّى ٱلله عليهِ وآلِهِ وسلَّم أَيضاً آيةُ الإِيمانِ حُبُّ الأَنصارِ وآيةُ النِّفاقِ بُغضُهُم . وأَشكَلُوا أَنَّ الحديثَ ليس بِمُطلَقٍ بإِشكالينِ: الأَوَّلُ: إنَّه لو كانَ كُلُّ مُحِبٍ لِعَلِيٍ مُؤمِناً لَكانَ الَّذينَ أَحرَقَهُم عَلِيٌّ والَّذين قالوا بِرُبُوبِيَّتِهِ مُؤمنينَ، والثَّاني: إنَّ ٱللهَ تَوَعَّدَ غُفرانَ كُلِّ ذنبٍ إِلَّا الشِّركَ فيكونُ الحديثُ مُعارضِاً لِلآيةِ على إِطلاقِهِ فنقول بِتَخصيصِهِ، أَتَمَنَّىٰ الرَّدَّ مِنكم جزاكم ٱللهُ خيراً.

: اللجنة العلمية

الأَخُ أَبو فَاطِمَةَ المُحتَرَمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمةُ ٱللهِ وبركاتُهُ

 ورد في سُؤالِكَ بعضُ الأُمورِ الَّتي فيها حاجةٌ ماسَّةٌ إِلى بيانِها، وَهِيَ:

(1) هذهِ الصِّفَةُ مِمَّا تَمَيَّزَ بها أُميرُ المؤمنين ﴿ع﴾ ولم يُشَارِكْهُ فيها أَحدٌ مِنَ الصَّحابةِ كما سَتَرَىٰ بعدَ قليلٍ.

(2) أَصلُ التَّشكِيكِ في هذا الحديثِ إِنَّمَا ورد عنِ ابْنِ تَيمِيَّة في كتابِهِ المِنهاج، وكانَ هذا الرَّجُلُ يَجهَلُ - كمَا هيَ عادتُهُ - التَّوفيقَ بينَ أَصلِ الحديثِ الصَّحيحِ الواردِ عنِ الْإِمامِ عَلِيٍّ وبينَ الحديثِ الواردِ في حَقِّ الأَنصارِ، فَصَوَّرَتْ لهُ ظُنُونُهُ أَنَّ عَلِيَّأً (ع) لم يَتَفَرَّدْ بهذهِ الصِّفةِ وإِنَّما شاركَهُ فيها كثيرٌ مِنَ الصَّحابةِ بإسنادِهِ إِلى الحديثِ الواردِ في حَقِّ الأَنصارِ! وقد قَلَّدَ ابنُ تَيمِيَّة في هذا الجواب كُلَّ مَن جاء بعدَه بِغَيرِ علمٍ.

(3) حديثُ آيةِ الإِيمانِ حُبُّ الأَنصارِ ... ، لا يُحمَلُ على إِطلاقِهِ حتَّى يُقالُ: إِنَّ جميعَ أَفرادِ الأَنصارِ هُم على هذهِ الصِّفةِ، وحِينَئذٍ هُم يَشتركون مع عَلِيّ ٍ ﴿ع﴾ في هذه الصِّفةِ، بل يُحمَلُ هذا الحديثُ على الأَغلبِ مِن أَفرادِهِ، بِدليلِ أَنَّ بَعضَاً مِنَ الأَنصارِ كانوا مُنافقينَ أَيضَاً، وعَلامةُ نِفاقِهِم هِيَ بُغضُهُم لِأَميرِ المؤمنينَ عَلِيٍّ ﴿ع﴾ كما ورد ذلكَ عن بَعضِ الأَنصارِ أَنفُسِهِم بالرُّواياتِ المُعتبرَةِ، فقد روى أَحمدُ بنُ حَنبلَ في كتابِهِ (فَضائِلِ الصَّحابَةِ) ، رقمُ الحديثِ (979) ، و(1086)، وأَبو نعيمٍ الأَصْبَهَانِيُّ في كتابِهِ (صِفةُ النِّفاقِ ونَعْتُ المُنافِقِينَ) في الصفحة (110 - 112)) والطَّبْرَانِيُّ وغيرُهم ، مِن طُرُقٍ كثيرةٍ، بأَسَانٍيدَ بعضُها صَحيحٌ وبعضُها الآخرُ حَسَنٌ عن جابر بْنِ عبدِٱللهِ وأَبي سعيدٍ الخِدْرِيِّ وأَبي ذَرٍّ الغِفَارِيّ، فمِن ذلك ما رواه أَحمدُ بإِسنادِهٍ الصًّحيحِ إِلى أَبي سعيدٍ الخِدْرِيِّ أَنَّهُ قال: إِنَّما كُنَّا نَعرفُ مُنافِقِي الْأَنصارِ بِبُغضِهِم عَلِيَّاً.

(4) بناءً على ما تقدَّم ، يَثبتُ أَنَّ في الأَنصارِ مُنافقينَ كما أَنَّ فيهم مُؤمنينَ، وتَمييزُ المُؤمنِ مِنهم عن المُنافقِ لا يَتمُّ إِلَّا بأَميرِ المُؤمنينَ عَلِيٍّ ﴿ع﴾ وحده، فمَن أَحَبَّهُ كانَ مُؤمناً، ومَن أَبغضَهُ كانَ مُنافِقاً، هذا هوَ الجَمعُ الصَّحيحُ بينَ الحديثينِ، أَي بينَ ما ورد في حَقِّ أَميرِ المؤمنين ﴿ع﴾، وبينَ ما ورد في حَقِّ الأَنصارِ، وحِينَئذٍ: يَثبتُ مِن جميعِ ما تقدَّم أَنَّ الإِمامَ عَلِيٍّ ﴿ع﴾ هو المُتميَّزُ بهذه الصِّفةِ عن جميعِ الصَّحابةِ، فهُو المِعيارُ وحدَهُ في معرفةِ المُنافقينَ مِنَ الصَّحابةِ عُموماً، والأَنصارِ خُصوصاً.

(5) إِنَّ محبَّةَ الإِمامِ عَلِيٍّ واجبةٌ على كُلِّ مُؤمنٍ، لكن بِشرطِ عدمِ الغُلُوِّ في حَقَّهِ، وتنزيلِهِ منزلةَ الرُّبُوبيَّةِ؛ لأَنَّ مَن أَحبَّ الإِمامَ عليٍّ وغَلَا في حُبِّهِ بحيثُ يُنَزِّلُهُ منزلةَ ما أَرادها ٱلله تعالى لهُ ولِرسولِهِ (ص)، فقد هَلَكَ هذا المُغَالِي، كما ثبت ذلكَ عن الإِمامِ عَلِيٍّ نفسِهِ حين قال ﴿عليه السَّلامُ﴾: هَلَكَ فِيَّ اثْنَانِ مُحِبٌّ غَالٍ، ومُبغِضٌ قَالٍ، وعليه: فمَن يَغُلُو في حُبِّ عَلِيٍّ ﴿ع﴾ فيُنزِّلُهُ مَنزلةَ الرَّبِّ (نُعوذُ بٱللهِ ) فقد أَشركَ بٱللهِ ﴿جَلَّ وعلا﴾، وبالتَّالي سيَكتسِبُ هذا المُغَالِي ذَنبَاً لا يُغتَفَرُ كما هو المعروفِ بينَ أَهلِ العِلمِ، فلا تعارض حينئذٍ بين دلالة الحديث وبينَ الآيةِ الكريمةِ كما ورد في سُؤالِكَ. 

ودُمتُم سَالِمِينَ