مَقالَةُ أهلُ السُّنّةِ سَبقوا الشّيعَةَ في علمِ الحَديثِ.

أحمد العِراقي: السَّلامُ عليكُم نَرجو الإجابَةَ على هذا المُدَّعى  أهْلُ السُّنَةِ سَبقُوا الشِّيعَةَ فِي عِلْمِ الْحَديثِ.. الْكَاتِبُ: أَحمَد بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْبَغْدَادِيّ.. يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الْهَاديِّ الْفَضْلِيِّ:" إِذَا رَجَعنَا إِلَى تَأرِيخِ التَّشْرِيعِ الإسلاميّ لِمَعْرِفَةِ مَتَى وُضِعَ عِلمُ الْحَديثِ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ، وَمَتَى وُضِعَ عِلْمُ الْحَديثِ عِنْدَ الشِّيعَةِ- وَيُعرَفُ هَذَا عَادَةً بِأَوَّلِ كِتَابٍ أُلِّفَ فِي هَذَا الْعِلْمِ- سَوْفَ نَرَى أَوَّلَ كِتَابٍ ظَهَرَ لِأهْلِ السُّنَّةِ فِي فَنِّ مُصْطَلَحِ الْحَديثِ- كَمَا يُعَبِّرُونَ عَنْهُ- وَهُوَ كِتَابُ( الْمُحَدِّثِ الْفَاصِل بَيْنَ الرّاوي والواعي) للقاضي أَبِي مُحَمَّد حسنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادِ الرَّامهُرْمزِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 360 ه‍. وَذَكرتُ- فِيمَا تَقَدّمَ- أَنَّ أَقَدَمَ مُؤَلِّفٍ إمَامِيّ فِي هَذَا الْعِلْمِ أُشِيرَ إِلَيْهِ وَهُوَ كِتَابُ (شَرْحُ أُصولِ دِرَايَةِ الْحَديثِ) لِلسَّيِّدِ علِي بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ النَّجَفِيّ النّيلِيّ مِنْ عُلَمَاءِ المائةِ الثَّامِنَةِ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ أهْلَ السُّنَّةِ كَانُوا أَسْبَقَ تَأرِيخياً فِي تَدْوِينِ عِلْمِ الْحَديثِ. وَمِنَ الْمَعْرُوفِ- تَأرِيخياً- أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ يَسْتَفِيدُ مِنْ تَجَارِبِ الْمُتَقَدِّمِ مَنْهَجِيًّا وَفَنّيّاً، وَهَذَا مَا لَحِظْنَاهُ فِي كِتَابِ (الدِّرَايَةِ)، لِلشَّهِيدِ الثّاني، وَهُوَ أقْدَمُ كِتَابٍ فِي عِلْمِ الْحَديثِ وَصلَ إِلَيْنَا، فَقَدْ تَأثَّرَ مِنْ نَاحِيَةٍ مَنْهَجِيَّةٍ وَفَنِّيَّةٍ بِمُؤَلّفَاتِ عُلَمَاءِ السُّنَّةَ فِي عِلْمِ الْحَديثِ. وَهَذَا التَّأْثِيرُ مِنْهُ أَدَّى إِلَى أَنْ يَذكُرَ مِنْ أَقْسَامِ الْحَديثِ مَا لَا مَصاديقَ لَهُ فِي حَديثِنَا أَمثَالِ بَعْضِ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ. وَمَعَ أَنَّهُ أَبْقَى مِثْلَ هَذِهِ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى أَجَادَ فِي إضَافَتِهِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَنَا وغَيْرُ مَوْجُودٍ عِنْدَهُمْ كَالْمُوَثَّقِ وَالْمُضْمَرِ وَغَيْرِهِمَا " اه. 898 - أصولُ الحَديثِ - الدّكتور عبدِ الهادي الفضلي - ص 95 – 96 .

: اللجنة العلمية

الأخُ أحمدُ المحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ

إنَّ هَذَا الْكَاتِبَ (أحمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيِّ) حِينَ اِسْتَشْهَدَ بِمَا قَالَهُ الدُّكْتورُ الْفَضْلِيّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَصَوَّرَ أَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ فَضِيلَةً لِأَهلِ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْمَجَالِ خُصُوصًا أَنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا الْكَلَامَ يُعَدُّ مِنْ عُلَمَاءِ الْإمَامِيَّةِ الْبَارِزِينَ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، حَيْثُ أنَّ الدُّكْتورَ الْفَضْلِيَّ بِمَقَالَتِهِ آنِفًا كَانَ بِصدَدِ بَيَانِ حَقِيقَةٍ تَأرِيخِيَّةٍ ثَابِتَةٍ يُقِرُّ بِهَا كُلُّ مَنْ دَرَسَ عُلُومَ الْحَديثِ، وَكَيْفِيَّةَ تَدْوِينِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَلَمْ يَقْصِدْ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أنْ يُبَيِّنَ فَضِيلَةً لِأَهلِ السُّنَّةِ، لَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ بَعيدٍ كَمَا تَوَهَّمَ هَذَا الْكَاتِبِ، وَذَلِكَ

لِأَنَّ السَّبَبَ الرَّئِيسَ فِي تَقَدُّمِ أهْلِ السُّنَّةِ فِي تَدْوِينِ السُّنَّةِ عَلَى الشِّيعَةِ الْإمَامِيَّةِ، أَنَّهُمْ (أَيّ أهْلُ السُّنَّةِ أَنَفْسُهُمْ) يَتَعَامَلُونَ مَعَ النَّبِيِّ (ص) كَوْنَهُ الْمَعْصُومَ الْوَحِيدَ الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُمَثِّلُ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ الشَّرِيفَةَ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي كَانَتْ تُرْوَى عَنِ الرَّسُولِ ( ص) مَا دُوِّنَتْ إِلَّا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ (ص) بِفَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ كَبِيرَةٍ تَزِيدُ عَلَى المئةِ سَنةٍ وَأَكْثَرَ، وَقَدْ حَدَثَ إضْطِرَابٌ شَدِيدٌ وَإخْتِلَاَفٌ كَبِيرٌ خِلَالَ هَذِهِ الْفَتْرَةِ فِي جُمْلَةٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص)، وَبِخَاصَّةٍ فِي زَمَنِ الْأُمَوِيِّينَ وَالْعَبَّاسِيَّيْنِ، بِسَبَبِ الدَّسِّ وَالتَّزْوِيرِ وَالْوَضْعِ لِأجلِ مَنَافِعَ دُنْيَوِيَّةٍ كَثِيرَةٍ قَدْ تَكُونُ سِيَاسِيَّةً أَوِ إِجْتِمَاعِيَّةً أَوِ إقْتِصَادِيَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَتهُ الْكُتُبُ الَّتِي إِهْتَمَّتْ بِتَدْوِينِ السُّنَّةِ.

وَمِنْ هُنَا اِحْتَاجَ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ إِلَى وَضْعِ مَعَايِيرَ وَضَوَابِطَ بِهَا يَتَمَيَّزُ الْحَديثُ الصَّحِيحُ الْخَالِي مِنَ الدَّسِّ وَالتَّزْوِيرِ مِنْ غَيْرِ الصَّحِيحِ الَّذِي تَعَرَّضَ لِلدَّسِّ وَالتَّزْوِيرِ، وَهَذَا الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ الشِّيعَةُ الْإمَامِيَّةُ فَإِنَّ الْمَعْصُومَ عِنْدَهُمْ يَتَمَثَّلُ بِالنَّبِيِّ (ص) وَالْأئِمَّةِ الأثني عَشَرَ (سَلامُ اللهِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا)، فَالْإمَامَةُ عِنْدَهُمْ هِي إِمْتِدَادٌ لِلنُّبُوَّةِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ أهْلِ الْعِلْمِ، فَوُجُودُ الْإمَامِ (ع) فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ يُمَثِّلُ الضَّمَانَةَ وَالْحَصَانَةَ لِما يُرْوَى مِنْ أَحَادِيثَ، فَكَانُوا بِذَلِكَ مِرْآةً لِتَمْييزِ الصَّحِيحِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِمَّا لَيْسَ بِصَحِيحِ، بَلْ فَوْقَ هَذَا كَانَ الْأئِمَّةُ (ع) يَأْمُرُونَ شيعَتهُمْ بِتَدْوِينِ مَا يَسْمَعُونَهُ مِنْهُمْ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ)، حَتَّى لقَد أِشتُهِرَ عَنْهُمْ (عَلَيْهِمُ السّلامُ) هَذَا الْقَوْلُ: إِنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ حَتَّى تَكْتُبُوا.

فَظَهَرَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الْكُتُبُ الْمُعْتَبَرَةُ وَالْمُدَوَّنَاتُ الْأَسَاسِيَّةُ الَّتِي تُسَمَّى بِالْأُصولِ الأربعمائةِ، وَالَّتِي كَانَ الْأَصْحَابُ يَتَدَاوَلُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ جِيلًا مِنْ جِيلٍ إِلَى مَا بَعْدَ فَتْرَةِ الشَّيْخِ الطُّوْسِيِّ (قدس)، بِمَا يَقْرُبُ مِنْ مِئَةِ سَنةٍ، أَي بَقِيَتْ هَذِهِ الْكُتُبُ وَالْأُصولُ مُتَدَاوَلَةً بَيْنَ الْأَصْحَابِ إِلَى مَا بَعْدَ سَنَةِ (550) هِجْرِيَّة.

ثُمَّ لَمَّا بَدَأَتْ هَذِهِ الْأُصولُ تَنْدَرِسُ وَتَخْتَفِي شَيْئًا فَشَيْئًا لِأَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ، اِضْطُرَّ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى وَضْعِ مَعَايِيرَ وَضَوَابِطِ بِهَا يُكْتَشَفُ الْحَديثُ الصَّحِيحُ مِنْ غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَبِوُسْعِكَ الرُّجُوعَ إِلَى بَعْضِ الْكُتُبِ الَّتِي اِهْتَمَّتْ بِتَدْوِينِ السُّنَّةِ كَكِتَابِ السَّيِّدِ الْجَلَالِي أَوِ السَّيِّدِ عَلِيّ الشهرستانيّ لِتَكُونَ عَلَى بَصيرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ.

وَدُمْتُم سَالِمِينَ