حَدِيثٌ فِي فَضْلِ العَبَّاسِ وَوُلْدِهِ، فِيهِ شَبَهٌ مِنْ حَدِيثِ الكِسَاءِ فِي الخَمْسَةِ مِنْ أَهْلِ بَيتِ النبيّ ﴿ﷺ﴾.

مُحَمَّدُ /مِصر/السَّلَامُ عَلَيكُم: مَا تَقُولُونَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رواه التِّرْمِذِيّ فِي سُنَنِهِ، رَقمُ الحَدِيثِ (3851)، وَالخَطِيبُ البَغدَادِيُّ فِي تَأْرِيخِ بَغدَادَ (ج١١/ص٢٣) بِسَنَدِهِما إِلَى عَبْدِ الوَهَّاب بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ثَورِ بْنِ يَزيد عَنْ مَكحُولِ عَنْ كَرِيبِ عَنْ ٱبْنِ عَبّاس قَالَ: قَالَ رَسُولَ ٱللهِ ﴿ﷺ﴾ لِأَبِي: إِذَا كَانَ غَدَاةُ الٱثْنَينِ، فَٱئْتِنِي أَنْتَ وَوُلْدِكَ، قَالَ:  فَغَدا وَغَدوَنا مَعَهُ، فَأَلْبَسَنَا كِسَاءً لَهُ قَالَ: اللّهُمَّ ٱغْفِرْ لِلعَبَّاسِ وَوُلْدِهِ مَغفِرَةً ظَاهِرَةً بَاطِنَةً، لَا تُغَادِرُ ذَنبَاً، اللّهُمَّ أَخلِفْهُ فِي وُلْدِهِ. عِلمَاً أَنَّ الأَلبَانِيَّ قَدْ حَكَمَ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ بِأَنَّ إِسْنَادَهُ جَيِّدٌ كَمَا فِي كِتَابِ (مِشْكَاةِ المَصَابِيحِ) لِلخَطِيبِ التَّبرِيزِيِّ (٣/١٧٣٦).

: اللجنة العلمية

الأَخُ مُحَمَّدُ المُحْتَرَمُ:

السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ:

قَبلَ الجَوَابِ عَنْ سُؤالِكُم لَا بدّ مِنْ مُقَدِّمِةً يَسِيرَةٍ عَمَّا حَصَلَ مِنْ تَزوِيرٍ وَعَبَثٍ فِي أَحادِيثِ الرَّسُول ﴿ﷺ﴾، قَامَ بِهَا ثُلَّةٌ مِنَ الرُّوَاةِ الكَذَّابِينَ وَالمُدَلِّسِينَ؛ لِغَاياتٍ مُعَيَّنَةٍ، مِنْهَا سِيَاسِيَّةٍ، وَمِنهَا إِجتِمَاعِيَّةٍ، وَمِنهَا فِي تَقوِيةِ مَذهَبٍ عَلَى مَذهَبٍ آخَرَ، وَمِنهَا أَحادِيثَ وُضِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ مِنْ حُكَّامِ الجَورِ وَالظَلَمَةِ؛ لِإِيجَادِ المُبَرَّرَ الشَّرعِيَّ لَهُم, فَمَنْ يَقرَأُ مَا كُتِبَ فِي تَدوِينِ السُّنَّةِ كَمَا فِي كِتَابِ تَدوِينِ السُّنَّةِ لِلسَّيِّدِ جَلَاليّ وَكِتَابِ السَّيِّدِ الشِّهْرِسْتَانِيّ وَغَيرِهِما، فَإِنَّهُ سَيَرَى العَجَبَ العُجَابَ وُالجُرْأَةَ الكَبِيرةَ مِمَّا ٱخْتَلَقَهُ جُملةٌ مِنَ الرُّوَاةِ الكَذَّابِينَ وَالمُدَلِّسِينَ لِأَحَادِيثَ تُظهِرُ أُمَرَاءَالخِلَافَةِ وَحُكَّامَهَا مِنْ بَعْدَ وَفاةِ الرَّسُولِ ﴿ﷺ﴾ بِالمَظهَرِ الحَسَنِ وَالصُّورَةِ البَرَّاقَةِ، وَكَأَنَّ لَهُم الحَقَّ الشَّرعِيَّ فِي وُصُولِهِم إِلَى هَذَا المَنصِبِ الخَطِيرِ، فَلِذا وُضِعَت أَحَادِيثُ مِنْ هَذَا القَبِيلِ فِي صَحَّةِ خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وُضِعَت أَحَادِيثُ فِي صَحَّةِ خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ وَغَيرِهِ مِنَ الأُمَوِيِّينَ، وَوُضِعَت أَيضَاً أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي صَحَّةِ خِلافَةِ بَنِي العَبَّاسِ وَوُلْدِهِ، بٱدِّعَاءِ أَنَّهُم المُمَثٍّلُ الشَّرعِيُّ لِأَهلِ بَيتِ النَّبِيّ ﴿ﷺ﴾ والمستحقّون لمنصب خِلافَةِ المُسْلِمِينَ؛ لِيصَرفِوا وُجُوهَ النَّاسِ عَمَّن هُم أَحَقُّ بِهَذا المَنصِبِ، وَهُم عِترَةُ رَسُولِ ٱللهِ ﴿ﷺ﴾ ( أَعنِي عَلِيَّاً وَالذُّرِّيَّةَ الطَّيِّبَةَ مِنْ أَولَادِهِ الأَحَدَ عَشَرَ، سَلَامُ ٱللهِ عَلَيهِم جَمِيعَاً). فَإِذَا عَرَفتَ مَا تَقَدَّمَ، فَهَاكَ أَحَدَ الشَّوَاهِدِ الَّتِي تدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ رُوَاةِ الحَدِيثِ مِمَّنْ كَانَ فِي فَترَةِ خِلَافةِ العَبَّاسِيِّينَ، قَدْ ٱخْتَلَقَ حَدِيثاً فِي فَضْلِ العَبَّاسِ وَوُلْدِهِ شَبِيهَاً بِالحَدِيثِ الصَّحِيحِ المُتَواتِرِ ( وهو حديث الخمسة أهل الكساء)؛ لِيُصَحِّحَ خِلَافَتَهُم وَإِمَارَتَهُم عَلَى المُسلِمِينَ، هَذَا الرَّاوِي هُوَ عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَطَاء، الَّذِي سَاقَ إِسْنادَهَ هَذَا الحَدِيثَ إِلَى ٱبْنِ عَبَّاس, فَنَسَبَهُ زُورَاً وَبُهتَانَاً إِلَى رَسُولِ ٱللهِ ﴿ﷺ﴾ تَقَرُّبَاً إِلَى خُلفَاءِ بَنِي العَبَّاسِ، فَقَدْ كَانَ عَبْدُ الوَهَّابِ هَذَا مُدَلِّسَاً، والمُدَلِّسُ لَا يُقبَلُ حَدِيثُهُ إِلَّا إِذَا صُرِّحَ بِسَمَاعِ الحَدِيثِ مِنْ شَيخِهِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي عِلمِ الحَدِيثِ، وَهُوَ هُنَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّحدِيثِ أَوِ السَّماَعِ، بلِ ٱسْتَعَمَلَ صِيغَةِ العَنْعَنَةِ (أَيْ هُوَ لَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنا ثَورُ بْنُ يَزيدَ أَو سَمِعتُ ثَورَ بْنَ يَزيدَ أَو نَحوُهُما مِنَ الصِّيَغِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الٱتِّصَالِ، بلْ قَالَ: عَنْ ثور)، فَقَولُهُ (عَنْ): تُسَمَّى فِي ٱصْطِلاحِ المُحَدِّثِينَ (عَنْعَنَةٌ)، وَلِذَلكَ قَدَحَ فِيهِ نقّادُ الحَدِيثِ مِنْ هَذِهِ الجِهَةِ، وَتَكَلَّمُوا فِيهِ خَاصَّةً فِي هَذَا الحَدِيثِ، وَبيَّنُوا أَنَّهُ لَيسَ مِنْ حَدِيثِ ثَورِ بْنِ يَزِيدً، فَقَدْ قَالَ البُخَارِيّ: كَانَ عَبْدُ الوهّاب بْنُ عَطَاء يُدَلِّسُ عَنْ ثَورٍ وَأَقْوَامٍ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَقَالَ: أَبُو زَرعَة: رَوَى عَنْ ثَورِ بْنِ يَزِيدَ حَدِيثَينِ لَيسَا مِنْ حَدِيثِ ثَورٍ، وُقَالَ صَالِحٌ جَزْرَة: أَنْكَرُوا عَلَيهِ حديثاً رَوَاهُ عَنْ ثَورٍ عَنْ مَكحُولٍ عَنْ كَرِيب عَنْ ٱبْنِ عَبَّاس، فِي فَضْلِ العَبَّاسِ، وَمَا أَنكَرُوا ﴿َلَيهِ غَيرَهُ، وَكَانَ ٱبْنُ مُعِينٍ يَقُولُ: هَذَا الحَدِيثُ مَوضُوعٌ، وَقَالَ صَالِحٌ جَزْرًة: وَعَبدُ الوَهَّابِ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: حَدَّثَنا ثَورٌ، وَلَعَلَّهُ دلَّسَ فِيهِ وَهُوَ ثِقَةٌ. (يُنظَرُ تَرجَمَتُهُ فِي تَهذِيبِ التَّهْذِيبِ لِٱبْنِ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيّ)، وَتَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ لِٱبْنِ حَجَرٍ أَيضَاً رَقمُ التًّرجَمَةِ (4262). وَمِمَّا تَقَدَّمَ تَعلَمُ أَنَّ قَولَ الأَلبَانِيّ: هَذَا إِسْنَادٌ جًيِّدٌ لَيسَ بِجَيِّدٍ، بلْ هُوَ مِنهُ غَلَطٌ وًاضِحٌ وًوَهْمٌ فَاضِحٌ كَمَا لَا يَخْفَىٰ.

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.