تَفْسِيرُ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾.

يُوسُفُ غالب/الأُرْدُن: كنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ، مَا هُوَ قَولُ الشِّيعَةِ فِي الآيَةِ: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾؟. سُورَةُ الصَّافَّات: الآيَةُ: ٦٥

: اللجنة العلمية

الأَخُ يُوسُفُ المُحْتَرَمُ:

السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ:-

 جَاءَ فِي "مَجْمَعِ البَيَانِ" لِلشَّيخِ الطَّبَرْسيِّ: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينَ ﴾، يَسْأَلُ عَنْ هَذَا فَيُقَالُ: كَيفَ شَبَّهَ طَلْعَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ بِرُؤُوسِ الشَّيَاطِينَ، وَهِيَ لَا تَعْرِفُ، وَإِنَّمَا يُشَبَّهُ الشَّيءُ بِمَا يُعْرَفُ؟!

وَأُجِيبُ عَنْهُ بأَجْوِبَةٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا: إِنَّ رُؤُوسَ الشَّيَاطِينَ ثَمَرَةٌ يُقَالُ لَهَا، وَإِيَّاهُ عَنَى النَّابِغَةُ بَقَولِهِ:

تَحِيدُ عَن أَسْتَنِ سُودٍ أَسْافَلَه* مِثْلَ الإٍمَاءِ اللَّوَاتِي تَحْمِلُ الحُزُمَا

وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ تَشْبَهُ بَنِي آدَمَ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: وَيُقَالُ لَهُ الصَّومُ، وَأَنْشَدَ:

مُوْكِلٌ بِشُدُوفِ الصَّومِ يَرْقُبُهُ* مِنَ المَعَارِمِ مَهْضُومُ الحَشَازَرِمِ

يَصُفُ وَعَلا يَظُنُّ هَذَا الشَّجَرَ قَنَاصِينَ، فَهُوَ يَرْقُبُهُ. والشُّدُوفُ: الشُّخُوصُ، وَاحِدُهَا شَدَف. وَثَانِيَاً: إِنَّ الشَّيطَانَ جِنْسٌ مِنَ الحَيَّاتِ، فَشَبَّهَ سُبْحَانُهُ طَلْعَ تِلْكَ الشَّجَرِةِ بِرُؤُوسِ تِلْكَ الحَيَّاتِ. وَأَنْشَدَ الفَرَّآءُ:

عَنْجَرِدُ تُحْلَفُ حِينَ أَحْلِفُ* كَمِثلِ شَيطَانِ الحَمَاطِ أَعْرَفُ

أَيْ: لَهُ عُرْفٌ،

وَأَنْشَدَ المُبَرُّدُ:

وَفِي البَقْلِ إِنْ لَمْ يَدْفَعِ ٱللهُ شَرَّهُ، * شَيَاطِينٌ يَعْدُو بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضِ.

وَثَالِثُهَا: إِنَّ قُبْحَ صُوَرِ الشَّيَاطِينِ مُتَصَوَّرٌ فِي النُّفُوسِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ لِمَا يَسْتَقْبِحُونَهُ جِدَّاً: كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ، فَشَبَّهَ سُبْحَانَهُ طَلْعَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ بِمَا ٱسْتَقَرَّتْ بَشَاعَتُهُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، قَالَ الرَّاجِزُ:

أَبْصَرْتُهَا تَلْتَهِمُ الثُّعْبَانَا * شَيْطَانَةٌ تَزَوَّجَتْ شَيْطَانَا

وَقَالَ أَبُو النَّجْمِ:

الرَّأْسُ قَمْلٌ كُلُّهُ، وَصِئْبَان، * وَلَيسَ فِي الرِّجْلَينِ إِلَّا خَيْطَانِ

وَهِيَ الَّتِي يَفْزَعُ مِنْهَا الشَّيطَانُ وَقَالَ ٱمْرُؤ القَيسِ:

أَتَقْتُلُنِي وَالمَشْرِفِي مُضَاجِعِي، * وَمَسْنُونَةٌ زَرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ

فَشَبَّهَ أَسِنَّتَهُ بأَنْيَابِ الأَغْوَالِ، وَلًم يَقُلْ أَحْدٌ إِنَّهُ رَأَى الغُولً. وَهَذًا قَولُ ٱبْنِ عَبَّاس، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القَرَظِي. وَقَالَ الجَبَّائِيُّ: إِنَّ ٱللهَ تَعَالَى يُشَوِّهُ خَلْقَ الشَّيَاطِينِ فِي النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَو رَآهُم رَآءٍ مِنَ العِبَادِ لاستوحش منهم، فلذلك شبه برؤوسهم. إِنْتَهَى [مَجْمَعُ البَيَانِ، لِلطَّبَرْسِيّ ج8 ص 311].

وَعَنِ السَّيِّدِ الطَّبَأْطَبَائِيّ فِي "المِيزَانِ": (قَولِهِ: "طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ" الطَّلْعُ حِمْلُ النَّخْلَةِ أَو مُطْلَقُ الشًّجَرَةِ أَوَّلُ مَا يَبْدُو، وَتَشْبِيهُ ثَمَرَةِ الزَّقُّومِ بِرُؤُوسِ الشَّيَاطِينِ بِعِنَايَةِ أَنَّ الأَوهَامَ العَامِّيَّةَ تُصَوِّرُ الشَّيطَانَ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ كَمَا تُصَوِّرُ المَلَكَ فِي أَحْسَنِ صورة وأجملها قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا هَذَا بَشَرَا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ يُوسُفُ: 31، وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إِنَّ الشَّيءَ إِنَّمَا يُشَبَّهُ بِمَا يُعْرَفُ وَلا مَعْرِفَةٌ لِأَحَدٍ بِرُؤُوسِ الشَّيَاطِينِ). إِنْتَهَى [المِيزَانُ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ، لِلسَّيِّدِ الطَّبَأْطَبَائِيّ، ج17 ص 140].

وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ "الأَمْثَلِ" لِلشَّيخِ آيَةِ ٱللهِ نَاصِرِ مَكَارِمِ الشِّيرَازيِّ: (الطَّلْعُ) يُقَالُ لِأَوِّلِ مَا يَبْدُو مِن حِمْلِ النَّخْلَةِ، وَلَهُ قِشْرٌ أَخْضَرُ اللًّونِ، وَفِي دَاخِلِهِ فُرُوعٌ بَيْضَاءُ اللَّونِ تَتَحَوَّلُ فِيمَا بَعْدُ إِلَى عُنْقُودٍ يَحْمِلُ التَّمْرَ.

وَكَلِمَةُ (طَلْعٍ) مِن مَادَّة مَادَّةِ (طُلُوعٍ) وَبِهَذِهِ المُنَاسَبَةِ أُطْلِقَ عَلَى الثَّمَرِ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ.

وَهُنَا يُطْرَحُ هَذَا السُّؤَالُ: هَلْ إِنَّ النَّاسَ شَاهَدُوا رُؤُوسَ الشَّيَاطِينِ حَتَّى يُشَبِّهُ القُرْآنُ ثِمَارَ الزَّقُّومِ بِهَا؟

المُفَسِّرُونَ أَعْطَوا أَجْوِبَةً مُتَعَدِّدَةً لِهَذَا السُّؤَالُ:

فَقَالَ البَعْضُ: إِنَّ أَحَدَ مَعَانِي كَلِمَةِ (الشَّيطَانِ) هِيَ حَيَّةٌ كَرِيهَةُ المَنْظَرِ، شُبِّهَت بِهَا ثِمَارُ الزَّقُّومِ.

وَذَهَبَ البَعْضُ الآخَرُ إِلَى أَنَّهُ نَوعٌ مِنَ النًّبَاتِ ذُو شَكْلٍ قَبِيحٍ، كَمَا جَاءَ فِي كِتَابِ (مُنْتَهُى الإِربِ) أَنَّ (رَأْسَ الشَّيطَانِ) أَو (رُؤُوسَ الشَّيَاطِينِ) نَبَاتٌ.

إِلَّا أَنَّ الرَّأْيَ الأَصَحَ، هُوَ أَنَّ التَّشْبِيهَ هُنَا ٱسْتُخْدِمَ لِبَيَانِ شِدَّةِ قَبَاحَةِ ثِمَارِ الزَّقُّومِ وَشَكْلِهَا البَاعِثِ عَلَى النُّفُورِ والإِشْمِئزَاِز؛ لَأَنَّ الإِنْسَانَ عِندَمَا يَشْمَئِزُّ مِن شيءٍ تَرْتَسِمُ صُورَةُ ذَلِكَ الشَّيءِ فِي مُخَيَّلَتِهِ بِشَكْلٍ قَبِيحٍ وَرَهِيبٍ، فِيمَا تَرْتَسِمُ صُورَةُ الشَّيءِ المَحْبُوبِ بِشَكْلٍ جَمِيلٍ وَوَدِيعٍ فِي مُخَيَّلَتِهِ.

لِهَذا فَإِنَّ النَّاسَ يَرْسِمُونَ صُورَةَ المَلَائِكَةِ بِشَكْلٍ جَمِيلٍ، فِيمَا يَرسِمُونَ صُورَةَ الشَّيَاطِينِ وَالعَفَارِيتِ بِأَقْبَحِ صُورَةٍ، فِي الوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَرَ أَحَدٌ مِنْهُم المَلَائِكَةَ وَلَا الشَّيَاطِينَ. كَمَا يُشَاهَدُ ٱسْتِخْدَامُ هَذَا الأَمْرِ كَثِيرَاً فِي المُصْطَلَحَاتِ اليَومِيَّةِ، عِندَمَا يُقَالُ: الشَّخْصُ الفُلَانِيُّ كَالعِفْرِيتِ، أَو أَنَّهُ يَشْبَهُ الشَّيطَانَ.

هَذِهِ كُلُّهَا تَشْبِيهَاتٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَسَاسِ الٱنْعِكَاسَاتِ الذِّهْنِيَّةِ لِلنَّاسِ عَن مَفَاهِيمَ مُخْتَلِفَةٍ، وَهِيَ تَشْبِيهَاتٌ لَطِيفَةٌ وَحَيَّةٌ). إِنْتَهَى [الأَمْثَلُ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِ ٱللهِ المُنْزَلِ 14: 333].

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ