لا يَتوقُّفُ دُينُ ٱللهِ على كراماتٍ تزعم لِلبُخَارِيِّ وأَمثالِهِ.

عُمرانُ محمَّد/ الكويت/: قِصَّةُ الاسْتِسقاءِ بقبرِ الإِمامِ محمَّد بنِ إِسماعيلَ البُخاريّ وهي حُجَّةٌ أَوهَى مِن بَيتِ العنكبوتِ تَمَسَّكَ بها القبوريُّونَ الأَضْفَاءُ المشروعيَّة على أَفعالِهِم وهذه القِصَّةُ باطلةٌ مِن عِدَّةِ أمورٍ:  أَوَّلاً: القِصَّةُ تُروَى على أَنَّها وقعت في القرنِ الخامسِ! فليست تُروَى عَنِ النَّبِيّ صلَّى ٱللهُ عليه وسلَّم ولا عن صَحابيٍّ بل ولا عن تابعيٍّ! ثانياً: القِصَّةُ أَوردَها الذَّهبيُّ في "سِيَرِ أَعلامِ النُّبَلاءِ". وكذلكَ السَّبكيّ في "الطَّبقاتِ" قال: وقال أَبو عَلِيٍّ الغَسَّانيّ ثُمَّ ذكرها. والذَّهبيّ متوفَّى سنة 748 هـ، والسَّبكيّ مُتوفَّى سنة 771 هـ. وأَبو عليٍّ الغَسَّانيّ، هو الحُسين بنُ محمَّدِ بنِ أَحمدَ الغَسَّانِيِّ الأَندلُسيٍّ الجيانيِّ، المتوفَّى سنة 498هـ, فكَم بينَ الذَّهبيِّ والسَّبكيِّ وبينَ أَبي عليٍّ الغَسَّانيِّ؟! فهي تُروَى عن أَبي عليٍّ الغَسَّانيِّ، وهي قِصَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ.

: اللجنة العلمية

الأَخُ الْمُحْتَرَمُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

 1. نَحنُ لا نحتاجُ في إِثباتِ العَلاقةِ الوثيقةِ بينَ الأَحياءِ والأَمواتِ وكراماتِ الأَمواتِ مِنَ الأَنبياءِ والأَولياءِ والصَّالحينَ ونَفْعِهِم وشفاعتِهِم لِلأَحياءِ وإِغاثتِهِم في قضاءِ حوائجِهِم الدُّنيويَّةِ والأُخرويَّةِ إِلى مثلِ هذه القِصَّةِ وغيرِها مِمَّا يُحكَى عن أَمثالِ البُخُارِيِّ وابْنِ تَيميَّة وعبدِ القادرِ الجَيلانيِّ وابْنِ عربي والرِّفاعي وأَبي حنيفةَ ووو.

    فالقَضيَّةُ ثابتةٌ والعَلاقةُ وثيقةٌ مِن دونِ هذه الحكاياتِ الَّتي نُشَكِّكُ بحُصولِها والَّتي تشبهُ ادِّعاءاتِ أَتباعِ الكثيرِ مِنَ الأَديانِ والمَذاهبِ والنِّحلِ لِمثلِها ولِأَكثرِ مِنها كما هو الحالُ فيما يَحكِيهِ النَّصارى مِن معجزاتٍ وظُهُوراتٍ لمَريمَ العذراء ولِلقدِّيسينَ وكذلكَ اليهودِ والبُوذا والصَّابئةِ واليِزيديِّينَ فهذه الأَديانُ ليست خاليةً عن مثلِ ما يَدَّعيهِ أَهلُ السُّنَّةِ مِن بعضِ الكراماتِ الَّتي تُحكَى هُنا وهُناكَ عن أَئِمَّتِهِم ومَن يَعتقدونَ بِصَلاحِهُم وَوِلايَتِهُم.  

 2. لا يُشْتَرَطُ في حُصولِ الكراماتِ أَن تَحصلَ في زمنِ النَّبِيّ (ص) أَوِ الصَّحابةِ أَوِ التَّابعينَ فَجَوَابُكُم بِحصرِها بتلكَ الفَتراتِ مُغالطةٌ واضحةٌ لا يُمكنُ التَّسليمُ بِها وإِلَّا فإِجماعُ الأُمَّةِ بِكَآفَّةِ طوائِفِها تُسَلِّمُ بإِمكانِ حُصولِ الكراماتِ في أُمَّةِ محمَّدٍ (ص) إِلى يومِ القيامةِ حتَّى المُتَعَصِّبِينَ مِنهُم كالوَهَّابِيَّةِ وشيخِ إِسلامِهِم ابْنِ تَيميُّة فلا داعيَ لِطرْحِ مِثلِ هذه المُغالطةِ.

    ثُمَّ لو راجعتَ بعضَ كُتُبِ وخُطَبِ ومُحاضراتِ عُلَمَائِكً الوَهَّابِيَّةِ لَوجدتَّ أَنَّهم يَنسِبُونَ الكراماتِ لِلبُخَارِيِّ وغيرِهِ والأَعجبُ مِن هذا بِكثيرٍ بَل وحتَّى لِابْنِ تَيميَّة!!

 3. ثُمَّ إِنُّ أَصلَ الاسْتِسقاءِ حَصَلَ بصَلاةِ الاسْتِسقاءِ المُستحبَّةِ شَرعاً ولكنَّ النَّاسُ بعدَ صَلاةِ الاسْتِسقاءِ لَجَأُوا إِلى القبرِ وبَكَوا واسْتَشْفَعُوا بِهِ ولم تَكُن الصَّلاةُ والإِمامُ فِيها قد ذُكِرَ البُخَارِيُّ أُو تُوِسِّلَ بِهِ فينبغي التَّدقيقُ فِيما نُقِلَ؛ لِيَفْهَمَ جَيِّدَاً ويَنْسِبَ لِسببٍ صحيحٍ:

    (... قال أَرى أَن تَخرجَ ويًخرجَ النَّاسُ معكَ إِلى قبرِ الإِمامِ محمَّدِ بْنِ إِسماعيلً البُخَارِيِّ وَنَسْتَسْقِي عندَه فعسى ٱللهُ أَن يَسقِيَنا فقال القاضي: نِعْمَ ما رأَيتَ، فخرجَ القاضي والنَّاسُ معهُ واسْتَسْقَى القاضي بالنَّاسِ). ف(نَسْتَسْقِي عندَه) تَختلفُ بالتًّأكيدِ عمَّا لو قُلنا (نَسْتَسْقِي بِهِ)! نَعَم قال فيهِ: فخرجَ القاضي والنَّاسُ معهُ واسْتَسْقَى القاضي بالنَّاسِ (وبَكَى النَّاسُ عندَ القبرِ وتَشفَّعوا بِصَاحِبِهِ). فبكاءُ النَّاسِ وتَوَسُّلُهُم بِالبُخَارِيِّ لم يكن في صَلاةِ الاسْتِسْقاءِ فلا يُمكنُ القَطعُ بِعُزْوِ السَّبَبِ في نُزُولِ المطرِ لِذلكَ السَّبَبِ!

ثُمَّ يُمكنُ أَن يَرْأَفَ ٱللهُ تعالى ويَلْطُفَ بعبادِهِ ويَرحَمَهم؛ لِتَوَجُّهِهِم لهُ واسْتِغْفَارِهم أَو؛ لِوُجودِ حِكمةٍ لله تعالى في إِغاثتِهِم وإِنزالِ المطرِ هذه المَرَّة وإِنهاءِ عقوبتِهِم؛ لِأجلِ عينِ ضعيفٍ أَو شيخٍ كبيرٍ أَو طفلٍ رضيعٍ أَو حتَّى لِأجلِ بَهيمةٍ كما ورد في كشفِ الخَفاءِ لِلعَجلُونيِّ (2/ 163): (لولا عبادٌ للهِ رُكَّعٌ وصِبيةٌ رُضَّعُ وبَهائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عليكُم البَلاءُ (العذاب) صَبَّاً. رواه الطَّيَالِسيُّ والطَّبْرَانِيُّ وغيرُهم عن أَبي هريرةَ رفعَهُ، ولِابْنِ ماجةَ عن ابْنِ عمرَ مَرفوعاً في حديثٍ أَوَّلُهُ: يا معشرَ المهاجرينَ خَمسٌ إِذا ابْتُلِيتُم بِهِنَّ وأَعوذُ باللهِ أَن تُدرِكُوهُنَّ فذكرَها، ومِنها: ولم يمنعوا زكاةَ أَموالِهِم إِلَّا منعوا القَطْرَ مِنَ السَّماءِ ولولا البهائم لم يَمطروا، ونَظَمَ بعضُهُم ذلكَ فقال:

لولا عِبادٌ لِلإله رُكَّعُ * وصِبيةُ مِنَ اليتامى رُضَّعُ

ومُهملاتٌ في الفَلاةِ رُتَّعُ * لَصُبَّ عليكم العذابُ الأَوجعُ).

وبذلكَ يَتَبَيَّنُ عدمُ حُجِّيَّةِ نُزولِ المطرِ على حُصولِ كرامةٍ لِلبُخَارِيِّ إِذ لا تَلازمَ بينَ الأَمرينِ.

 4. إِنَّ مَسألةَ التَّوَسُّلِ والاسْتِغَاثَةِ بِالنَّبِيِّ الأَعْظَمِ قد حصلت وفَعَلَهَا السَّلَفُ مِنُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ ونقلها الأَئَمَّةُ والعُلماءُ والمُحدِّثينَ في كُتُبِهِمُ المُعتبرةِ بلوصَحَّحُوهَا فلا نَدري لِماذا نَحتاجُ لِمثلِ هذا الدَّليل المُنقطَعِ والمَزعومِ والَّذي يَحْتَمِلُ الكثيرَ مِنَ الاحْتمالاتِ وجعلِهِ دليلاً مُهِمَّاً نَتَمَسَّكُ بِهِ؛ لِنُثْبِتَ التَّوَسُّلَ وَالاسْتِغَاثَةَ بقبورِ أَنبياءِ ٱللهِ وأَوليائِهِ ونَحنُ لدينا ما فَعَلَهُ الصَّحابةُ في مثلِ حديثِ عآمِّ الفَتْقِ، وحديثِ الكُوَّةِ وغيرِها مِنَ الأَحداثِ الثَّابتةِ والصَّحيحة والَّتي يُحاولُ الوَهَّابِيَّةُ نَفيها ظُلماً وجَوراً واتِّباعاً لِلهَوى؛ لِكونِ مذهبِهِم يَبْتَنِي على تكفيرِ الأُمَّةِ وتَضلِيلِها وإِباحَةِ دِمائِها الزَّكيةِ نَعوذُ بِاللهِ مِنَ الخُذلانِ وطَريقِ الشَّيطانِ والحَمدُ للهِ الَّذي هَدانا لِطريقِهِ القَوِيم وصِراطِهِ المُستقيمِ.

وَدُمْتُم سَالِمِينَ.