تَرَكُوا التَّمَسُّكَ بِالعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ فَلَجَأُوْا لِلْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَالإِسْتِحْسَانِ وَغَيْرِهِ.

كَاروَان كَرْكُوكي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ .. مَا هُوَ القِيَاسُ وَالإِسْتِحْسَانُ مَعَ إعْطَاءِ الأَمْثِلَةِ عَلَيْهِ لِكَيْ يَكُونَ وَاضِحًا؟ وَأَيُّ المَذَاهِبِ تَعْمَلُ بِهِ؟ وَشُكْرًا.

: اللجنة العلمية

      الْأَخُ الْمُحْتَرَمُ، السَّلَاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

     1- القِيَاسُ :قَالَ الغَزَّالِيُّ فِي المُسْتَصْفَى ص 280:  إِنَّهُ حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا عَنْهُمَا، ثُمَّ إِنْ كَانَ الجَامِعُ مُوجِبًا لِلْإِجْتِمَاعِ عَلَى الحُكْمِ كَانَ قِيَاسًا صَحِيحًا، وَإِلَّا كَانَ فَاسِدًا، وَاسْمُ القِيَاسِ يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالفَاسِدِ فِي اللُّغَةِ، وَلَابُدَّ فِي كُلِّ قِيَاسٍ مِنْ فَرْعٍ وَأَصْلٍ وَعِلَّةٍ وَحُكْمٍ.

     وَقَالَ الآمُدِيُّ فِي الأَحْكَامِ (3/186): 

القِيَاسُ هُوَ اشْتِبَاهُ الفَرْعِ وَالأَصْلِ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي نَظَرِ المُجْتَهِدِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَلْزِمُ تَحْصِيلَ الحُكْمِ فِي الفَرْعِ.

     ثُمَّ نَقَلَ الآمُدِيُّ عَنِ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ (البَاقِلَّانِيِّ) تَعْرِيفَهُ بِنَفْسِ التَّعْرِيفِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَنَقَلْنَاهُ عَنِ الغَزَّالِيِّ بِلَفْظِهِ تَمَامًا .وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا.

     وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ الحَنْبَلِيُّ فِي الكَوْكَبِ المُنِيرِ ص 211:

     وَيَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِالقِيَاسِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ "عَقْلًا" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ.

    " وَ"  عَلَى القَوْلِ بِالْجَوَازِ " وَقَعَ شَرْعًا"  عِنْدَ المُعْظَمِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَمَنَعَهُ دَاوُدُ (إمَامُ المَذْهَبِ الظَّاهِرِيِّ) وَابْنُهُ وَالقَاشَانِيُّ وَالنَّهْرَوانِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا (الحَنَابِلَةِ) وَجَمْعٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (فِي رَفْضِ القِيَاسِ). وَحَمَلَهَا القاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى قِيَاسٍ خَالَفَ نَصًّا. وَابْنُ رَجَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْحَثْ عَنِ الدَّليلِ، أَوْ لَمْ يُحَصِّلْ شُرُوطَهُ. أه

"وَهُوَ"  أَي القِيَاسُ "حُجَّةٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ.

     وَقَدْ احْتَجَّ القَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى العَمَلِ بِالقِيَاسِ بِقَوْلِ أَحَمْدَ: لَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنِ القِيَاسِ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ :سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: ضَرُورَةٌ. وَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ.

     وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا :أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ :يَجْتَنِبُ المُتَكَلِّمُ هَذَيْنِ الأَصْلَيْنِ :المُجْمَلَ، وَالقِيَاسَ. وَحَمَلَهُ القَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى قِيَاسٍ عَارَضَهُ سُنَّةً.

     قَالَ ابْنُ رَجَبَ: فَتَنَازَعَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُ المُتَقَدِّمِينَ وَالمُتَأَخِّرِينَ :هَذَا يَدُلُّ عَلَى المَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ القِيَاسِ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ .وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَمْ يُثْبِتُوا عَنْ أَحْمَدَ فِي العَمَلِ بِالقِيَاسِ خِلَافًا كَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الصَّوَابُ .انْتَهَى.

     وَقَالَ السَّيِّدُ مُحَمَّد تَقِيٌّ الحَكِيمُ فِي الأُصُولِ العَامَّةِ لِلْفِقْهِ المُقَارَنِ ص 321:

     وَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ المَذَاهِبِ السُّنِّيَّةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَعْلَاَمِ السُّنَّةِ (نَقْلًا عَنِ الآمُدِيِّ) هُوَ الجَوَازُ العَقْلِيُّ وَوُقُوعُ التَّعَبُّدِ الشَّرْعِيِّ بِهِ كَمَا هُوَ فَحْوَى أَدِلَّتِهِمِ الَّتِي سَنَعْرِضُهَا، وَإِنْ كَانَ فِي اسْتِدْلَالِ بَعْضِهِمْ مَا يُوجِبُهُ عَقْلًا لَوْ تَمَّتْ أَدِلَّتُهُ العَقْلِيَّةُ.

     وَمِنْ هَذَا العَرْضِ المُوجَزِ تُدْرِكُونَ مَدَى اخْتِلَافِ العُلَمَاءِ فِي نِسْبَةِ بَعْضِ الْآرَاءِ إِلَى أَصْحَابِهَا، فَالمَقْدِسِيُّ يَعْتَبِرُ أَهْلَ الظَّاهِرِ مِنْ مُحِيلِي القِيَاسِ عَقْلًا، بَيْنَمَا يَعْتَبِرُهُمْ الْغَزَّالِيُّ مِنْ مُجَوِّزِيهِ عَقْلًا وَمَانِعِيهِ شَرْعًا .أه

     وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ مُلَخَّصِ إِبْطَالِ القِيَاسِ وَالرَّأْيِ وَالإِسْتِحْسَانِ وَالتَّعْلِيلِ وَالتَّقْليدِ (ص5) أَمِثْلَةً مِنَ الكِتَابِ الكَرِيمِ، عَمِلَ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فِيهَا بِالقِيَاسِ، مِنْهَا:

     قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) قَالُوا: فَمَا عَدَا (الأُفِّ) مِنْ أَنْوَاعِ الأَذَى مَقِيسٌ عَلَيْهِ.

     وَمِنْهَا: قَوْلُهُ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ) فَمَا عَدَا خَشْيَةِ الإِمْلَاقِ مَقِيسٌ عَلَيْهَا.

     وَقَالُوا :إِنَّ اللهَ حَرَّمَ لَحْمَ الخِنْزِيرِ فِي كِتَابِهِ، فَحُرِّمَ شَحْمُهُ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِهِ، وَالأُنْثَى مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى الذَّكَرِ.

     وَقَالُوا :إِنَّمَا أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْديمِ أَبِي بَكْرٍ فِي الخِلَافَةِ، قِيَاسًا عَلَى تَقْديمِ النَّبِيِّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ، قِيَاسًا لِلزَّكَاةِ عَلَى الصَّلَاةِ. أهـ

     2- أَمَّا الإِسْتِحْسَانُ: فَقَدْ قَالَ الشَّوْكَانيُّ فِي إِرْشَادِ الفُحُولِ ص240: وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَتِهِ فَقِيلَ: هُوَ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ المُجْتَهِدِ وَيَعْسُرُ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ عَنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ العُدُولُ عَنْ قِيَاسٍ إِلَى قِيَاسٍ أَقْوَى. وَقِيلَ: هُوَ العُدُولُ عَنْ حُكْمِ الدَّليلِ إِلَى العَادَةِ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ. وَقِيلَ: تَخْصِيصُ قِيَاسٍ بِأَقْوَى مِنْهُ. وَنُسِبَ القَوْلُ بِهِ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ. وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِهِ وَنَسَبَهُ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ إِلَى مَالِكٍ، وَأَنْكَرَهُ القُرْطُبِيُّ فَقَالَ: لَيْسَ مَعْرُوفًا مِنْ مَذْهَبِهِ. وَكَذَلِكَ أَنْكَرَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ القَوْلِ بِهِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الحَنَابِلَةِ قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ فِي المُخْتَصَرِ: قَالَتْ بِهِ الحَنَفِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُمْ. انْتَهَى. وَقَدْ أَنْكَرَهُ الجُمْهُورُ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنِ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ. قَالُ الرُّويَانِيُّ: مَعْنَاهُ إِنَّهُ يُنَصِّبُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ شَرْعًا غَيْرَ الشَّرْعِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: القَوْلُ بِالإِسْتِحْسَانِ بَاطِلٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ: الإِسْتِحْسَانُ تَلَذُّذٌ، وَلَوْ جَازَ لِأَحَدٍ الإِسْتِحْسَانُ فِي الدِّينِ لَجَازَ ذَلِكَ لِأَهْلِ العُقُولِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ العِلْمِ، وَلَجَازَ أَنْ يُشَرَّعَ فِي الدِّينِ فِي كُلِّ بَابٍ، وَأَنْ يُخْرِجَ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ شَرْعًا.

     وَنُقِلَ عَنْ البُخَارِيِّ رَفْضُهُ لِلْقِيَاسِ وَالإِسْتِحْسَانِ وَغَيْرِهَا مِمَّا أَسَّسُوا لِحُجِّيَّتِهِ حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِيهِمَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فَقْدُ النَّصِّ، لِيَسُوغَ لَنَا الرُّجُوعُ إِلَى القِيَاسِ وَأَمْثَالِهِ .نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ إِبْطَالِ القِيَاسِ.

     وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى الإِسْتِحْسَانِ وَكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الرَّأْيِ سَعِيدُ بْنُ نَاصِرٍ الغَامِدِيُّ فِي كِتَابِهِ "حَقِيقَةِ البِدْعَةِ وَأَحْكَامِهَا" (2/80) فَقَالَ: وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا القِسْمِ (الإِسْتِحْسَانُ) الَّذِي يَعْنِي الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَالمَيْلِ النَّفْسِيِّ، وَاتِّبَاعِ الرَّأْيِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.

     وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ تَقْدِيمُ المَصْلَحَةِ المُرْسَلَةِ عَلَى النَّصِّ، كَمَا يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ الحَنَابِلَةِ حِينَ قَرَّرَ أَنَّ المَصْلَحَةَ وَبَاقِي الأَدِلَّةِ إِمَّا أَنْ تَتَّفِقَا أَوْ تَخْتَلِفَا، فَإِنْ اتَّفَقَتْ فَبِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَإِنْ أَمْكَنَ الجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ مَا جُمِعَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الجَمْعُ بَيْنَهَا قُدِّمَتِ المَصْلَحَةُ .وَلَا شَكَّ أَنَّ الإِسْتِحْسَانَ بِالمَعْنَى المَذْكُورِ سَلَفًا، وَالمَصْلَحَةُ المُرْسَلَةُ بِهَذَا المَعْنَى المَذْكُورِ هُنَا مِنَ الإِبْتِدَاعِ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ عَمَلِ إِمَامٍ مُتَّبَعٍ.

     وَقَالَ السَّيِّدُ مُحَمَّد تَقِيٌّ الحَكِيمُ فِي أُصُولِ فِقْهِهِ ص 371: 

     إِنْ كَانَ الدَّليلَانِ فِي رُتْبَتَيْنِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الإِسْتِصْحَابِ وَأَصْلِ البَرَاءَةِ قُدِّمَ السَّابِقُ رُتْبَةً وَاعْتُبِرَ أَقْوَى مِنْ لَاحِقِهِ – إِنْ صَحَّ هَذَا التَّعْبِيرُ- وَانْ كَانَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنَ الآخَرِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْتِمَاسِ عِلَلِ الأَحْكَامِ فِي القِيَاسِ إِذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً قُدِّمَ القِيَاسُ ذُو العِلَّةِ الأَقْوَى بِنَاءً عَلَى حُجِّيَّةِ أَصْلِ القِيَاسِ، وَقَدْ قَصُرَ تَعْرِيفُ الإِسْتِحْسَانِ فِي بَعْضِ الأَلْسَنَةِ عَلَى تَقْديمِ قِيَاسٍ أَقْوَى عَلَى قِيَاسٍ، وَلَكِنَّ عَدَّهُ- لَوْ صَحَّ التَّعْرِيفُ- أَصْلًا فِي مُقَابِلِ القِيَاسِ لَا يَتَّضِحُ لَهُ وَجْهٌ، إِذْ تَعْيِينُ أَقْوَى القِيَاسَيْنِ لَا يَعْدُو عَنْ تَشْخِيصِ القِيَاسِ الحُجَّةِ مِنْهُمَا، فَمَا المُوجِبِ لِعَدِّهِ فِي عَرْضِهِ؟

     وَقَدْ ذَكَرُوا كَمِثَالٍ وَتَطْبِيقٍ لِلإِسْتِحْسَانِ أَمِثْلَةَ تَطْبِيقِهِ عَلَى مَسَائِلَ لُغَوِيَّةٍ قَامَ بِهَا ابْنُ جِنِّيٍّ، وَذَكَرُوا عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ :دُخُولُ المَسْجِدِ بِالنَّعْلَيْنِ وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِمَا حَيْثُ قَالَ جَمَاعَةٌ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِحَديثِ "مَا لَكُمْ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ"، فَظَاهِرُ هَذَا اسْتِحْبَابُ التَّنَعُّلِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، لَكِنَّ تَرْكَ هَذَا فِي المَسَاجِدِ المَفْرُوشَةِ أَخْذًا مِنْ أَحَادِيثِ تَنْظِيفِ المَسْجِدِ.

 (كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ 1/657).

     وَكَمَا نَرَى هَذَا الخِلَافَ وَالإِخْتِلَافَ عِنْدَهُمْ، بَيْنَ مُثْبِتٍ وَنَافٍ لِهَذِهِ الأُصُولِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا وَلَمْ يُنَزِّلِ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ بِاعْتِرَافِهِمْ، فَإِنَّهَا كَانَتْ نَتِيجَةً حَتْمِيَّةً لِحَاجَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَضَرُورِيَّةٍ لِمَذَاهِبِهِمِ الَّتِي ابْتُكِرَتْ مِنْ عُقُولِ البَشَرِ، وَلَمْ تَكُنْ بِشَرْعٍ وَأَمْرٍ مِنَ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) لِابْتِعَادِهِمْ عَنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ وَالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ المُتَمَثِّلِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ.

وَدُمْتُم سَالِمِينَ.