اسْتِغْلَالُ تَقْسِيمِ الوَهَّابِيَّةِ لِلتَّوْحِيدِ لِتَكْفيرِ المُسْلِمِينَ.

أَحْمَدُ/: إِنَّ تَقْسِيمَ التَّوْحِيدِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، مِنْ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ وَالأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ تَقْسِيمٌ اصْطِلَاحِيٌّ عِلْمِيٌّ، كَمَا نُقَسِّمُ العُلُومَ وَالمَعَارِفَ إِلَى أَقْسَامٍ وَتَفْرِيعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لِتَسْهِيلِ العِلْمِ بِهَا، فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ عِلْمِ النَّحْوِ وَالحِسَابِ وَالفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَسَائِرِ العُلُومِ، فَمَا الضَّيْرُ إذًا مِنْ تَقْسِيمِ عِلْمِ التَّوْحِيدِ وَالعَقِيدَةِ، وَقَدْ جَاءَ القُرْآنُ بِهَا كُلِّهَا.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ احمد المُحْتَرَمُ .. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     1- إِنَّ تَصْنِيفَ العُلُومِ وَتَطْوِيرِهَا لِتَسْهِيلِ التَّعَلُّمِ وَلِلْمُسَاهَمَةِ بإِيضَاحِ المَطَالِبِ وَتَدَاوُلِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَفْرُوغٌ عَنْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا نَعْتَقِدُ وُجُودَ مَنْ يُشَكِّكُ فِيهِ أَوْ جِدِّيَّتِهِ، وَلَكِنَّ الإِشْكَالَ يَتَوَجَّهُ عَلَى تِلْكَ القِسْمَةِ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ عِلْمِيَّةٍ وَلَا مُبْتَنِيَةٍ عَلَى أُسُسٍ مِنْطَقِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ تَهْدِفُ لِابْتِدَاعِ مَفَاهِيمَ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ لِتَدْلِيسِ الأُمُورِ وَتَضْلِيلِ الخُصُومِ وَخِدْمَةِ أَهْدَافٍ وَقَنَاعَاتٍ شَخْصِيَّةٍ شِرِّيرَةٍ، كَتَكْفِيرِ الأُمَّةِ وَرَمْيِهَا بِالشِّرْكِ مَثَلًا.

     2- مِنْ أَوْضَحِ مَا قِيلَ لِبَيَانِ فَسَادِ تَعْدِيدِ التَّوْحِيدِ عَدُّ الوَهَّابِيَّةِ وَغَايَاتُهُ وَأَهْدَافُهُمْ مِنْهُ مَا قَالَهُ حَسَنٌ السَّقَّافُ فِي كِتَابِهِ التَّنْدِيدِ بِمَنْ عَدَّدَ التَّوْحِيدَ ص 35-37 قَائِلًا:

"     وَقَدْ اسْتَقَرَّ فِي عُقُولِ بَنِي آدَمَ مَا دَامُوا عَلَى سَلَامَةِ الفِطْرَةِ أَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الرُّبُوبِيَّةُ فَهُوَ لِلْعِبَادَةِ مُسْتَحِقٌّ، وَمَنِ انْتَفَتْ عَنْهُ الرُّبُوبِيَّةُ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْعِبَادَةِ، فَثُبُوتُ الرُّبُوبِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقُ العِبَادَةِ مُتَلَازِمَانِ فِيمَا شَرَّعَ اللهُ فِي شَرَائِعِهِ وَفِيمَا وَضَعَ فِي عُقُولِ النَّاسِ، وَعَلَى أَسَاسِ اعْتِقَادِ الشِّرْكَةِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ بَنَى المُشْرِكُونَ اسْتِحْقَاقَ العِبَادَةِ لِمَنِ اعْتَقَدُوهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى، وَمَتَى انْهَدَمَ هَذَا الأَسَاسُ مِنْ نُفُوسِهِمْ تَبِعَهُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ غَيْرِ اللهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَا يُسَلِّمُ المُشْرِكُ بِانْفِرَادِ اللهِ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِ العِبَادَةِ حَتَّى يُسَلِّمَ بِاِنْفِرَادِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَمَا دَامَ فِي نَفْسِهِ اعْتِقَادُ الرُّبُوبِيَّةِ لِغَيْرِهِ (عَزَّ وَجَلَّ) اسْتَتْبَعَ ذَلِكَ الإِعْتِقَادُ فِي هَذَا الغَيْرِ الإِسْتِحْقَاقَ لِلْعِبَادَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ الوَاضِحِ عِنْدَ أُولِي الأَلْبَابِ أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوْحِيدَ الأُلُوهِيَّةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ فِي الوُجُودِ وَفِي الإِعْتِقَادِ، وَتَقْسِيمُ التَّوْحِيدِ إِلَى تَوْحِيدِ أُلُوهِيَّةٍ وَرُبُوبِيَّةٍ بَاطِلٌ...(إِلَى أَنْ قَالَ السَّقَّافُ):

     وَبِالجُمْلَةِ فَقَدْ أَوْمَأَ القُرْآنُ الكَرِيمُ وَالسُّنَّةُ المُسْتَفِيضَةُ إِلَى تَلَازُمِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قَرَّرَهُ رَبُّ العَالَمِينَ، وَاكْتَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ عَبْدِهِ بِأَحَدِهِمَا عَنْ صَاحِبِهِ، لِوُجُودِ هَذَا التَّلَازُمِ، وَكَذَلِكَ اكْتَفَى بِهِ المَلَاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ عِنْدَ السُّؤَالِ، وَفَهِمَ النَّاسُ هَذَا التَّلَازُمَ حَتَّى الفَرَاعِنَةِ الكَافِرِينَ بَدَاهَةً، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ وَلَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ بِالفَرْقِ، وَأَنَّ هُنَاكَ تَوْحِيدَ أُلُوهِيَّةِ يُغَايِرُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ التَّفْرِيقُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَضْلًا عَنْ نَقْلِهِ مِنَ الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، حَتَّى ابْتَدَعَ وَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ القَرْنِ الثَّامِنِ الهِجْرِيِّ، وَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ قَطْعًا، فَمَا هَذَا الهَذَيَانُ بِهَذَا التَّقْسِيمِ الَّذِي يَفْتَرِيهِ أُولَئِكَ المُبْتَدِعَةُ الخَرَّاصُونَ، فَيَرْمُونَ المُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ دُونَ تَوْحِيدِ العِبَادَةِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي المُسْلِمِينَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ فِي إِخْرَاجِهِمْ مِنَ الكُفْرِ وَإدْخَالِهِمْ فِي الإِسْلَامِ". أه

     وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّقْسِيمَ الثَّالُوثِيَّ مِنْ قِبَلِ الوَهَّابِيَّةِ لِلتَّوْحِيدِ بَاطِلٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ، وَابْتَدَعَهُ ابْنُ تِيمِيَّةَ وَالوَهَّابِيَّةُ لِيُوَزِّعُوا الكُفْرَ وَالشِّرْكَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (ص) مِنَ المُوَحِّدِينَ وَأَتْبَاعِ دِينِ التَّوْحِيدِ الخَاتَمِ لِلأَدْيَانِ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

     3- تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ تَقْسِيمَ التَّوْحِيدِ إِلَى تَوْحِيدِ أُلُوهِيَّةٍ وَرُبُوبِيَّةٍ بَاطِلٌ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَا مِنْ خِلَالِ الأَدِلَّةِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِذَلِكَ نَرَى القُرْآنَ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَوَاضِعِ يَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا عَنِ الآخَرِ، وَيُرَتِّبُ اللَّوَازِمَ مِنْهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا) الأَنْبِيَاءُ/22، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) المُؤْمِنُونَ/91، حَيْثُ عَبَّرَ بِالإِلَهِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالرَّبِّ مَعَ إِرَادَةِ الرَّبِّ هُنَا دُونَ المَعْبُودِ قَطْعًا.

     وَكَذَلِكَ فِي المِيثَاقِ الأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) الأَعْرَافُ /172، وَلَمْ يَقُلْ: "أَلَسْتُ بِإلَهِكُمْ"، وَكَذَلِكَ تَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) :أَنَّ المَلَكَيْنِ يَقُولَانِ لِلْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ: (مَنْ رَبُّكَ)؟ وَيَكْتَفِيَانِ بِالسُّؤَالِ عَنْ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَيَكُونُ جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ: (اللهُ رَبِّي) كَافِيًا، وَلَا يَقُولَانِ لَهُ: إِنَّمَا عَرَّفْتَ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ وَاعْتَرَفْتَ بِهِ فَقَطْ، وَلَمْ تَعْتَرِفْ بِتَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ. وَلَا يَقُولَانِ لَهُ: لَيْسَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ كَافِيًا فِي الإيمَانِ.

     وَيَثْبُتُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَكَى عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) القَصَصُ /38، وَمَرَّةً أُخْرَى: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى) النَّازِعَاتُ/24، فَاتَّضَحَ أَنَّ الإِلَهَ هُوَ الرَّبُّ، وَالرَّبُّ هُوَ الإِلَهُ بِلَا فَرْقٍ، لَا كَمَا يَدَّعِي الوَهَّابِيَّةُ وَيَرْمُونَ بِهِ المُسْلِمِينَ بِالشِّرْكِ وَجَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِي يَدَّعُونَ مَعْرِفَتَهُ دُونَ سَائِرِ المُسْلِمِينَ كَذِبًا وَزُورًا.

     فَتَبَيَّنَ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ القُرْآنَ الكَرِيمَ لَمْ يَأْتِ بِهَكَذَا مَفَاهِيمَ مَغْلُوطَةٍ سَبَّبَتْ فِي تَكْفِيرِ المُوَحِّدِينَ، بَلْ هَذِهِ الفِئَةُ قَدْ ابْتَدَعَتْهَا لِجَهْلِهَا أَوْ لِحُبِّهَا بِالغُلُوِّ وَالتَّطَرُّفِ وَالتَّكْفيرِ أَوْ لِغَاِيَاتٍ أُخْرَى يَعْلَمُهَا اللهُ تَعَالَى قَامُوا بِتَقْسِيمِ التَّوْحِيدِ لِهَذِهِ المُصْطَلَحَاتِ المُتَّحِدَةِ فَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ تَلَازُمِهَا وَمِنْ ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا كَسُيوفٍ سَلُّوهَا عَلَى رِقَابِ المُسْلِمِينَ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.