مَنْ سَنَّ شَتْمَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ الإِمَامِ عَلِيٍّ (ع)؟

 أَحْمَدُ/ العِرَاقُ/: قُلْتُمْ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ هُوَ مَنْ سَنَّ شَتْمَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى المَنَابِرِ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تُثْبِتُ هَذَا المُدَّعَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ أَحْمَدُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     يَبْدُو مِنْ سُؤَالِ الأَخِ أَحْمَدَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّلِعٍ عَلَى حَقِيقَةِ هَذِهِ القَضِيَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَمْ يُشَكِّكْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، لِأَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ فِي أَصَحِّ الكُتُبِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، كَصَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ، وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَيْكَ رِوَايَةُ هَذَا الحَدِيثِ كَمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فِي بَابِ فَضَائِلِ الإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَ)، حَيْثُ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ؟ فَقَالَ: أَمَا ما ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ (ص)، فَلَنْ أَسُبَّهُ... إِلخ.

     وَفِي كِتَابِ (الكَوْكَبِ الوَهَّاجِ وَالرَّوْضِ البَهَّاجِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمِ بْنِ الحَجَّاجِ) (ج23 / ص446)، قَالَ الشَّارِحُ مُعَلِّقًا عَلَى هَذَا الحَدِيثِ: قَالَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الأُمَوِيُّ الشَّامِيُّ، الخَلِيفَةُ المَشْهُورُ (سَعْدَ) بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ بِسَبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَبَى سَعْدٌ أَنْ يَسُبَّ عَلِيًّا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ لِسَعْدٍ: مَا مَنَعَكَ يَا سَعْدُ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ حِينَ أَمَرْتُكَ أَنْ تَسُبَّهُ.

     وَهُنَاكَ طَرِيقٌ آخَرُ يُؤَيِّدُ هَذِهِ القَضِيَّةَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَةَ فِي سُنَنِهِ (45/1)، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابطٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فِي بَعْضِ حَجَّاتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدٌ، فَذَكَرُوا عَلِيًّا، فَنَالَ مِنْهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ، وَقَالَ: تَقُولُ هَذَا لِرَجُلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ص) يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ.. إلَخ.

     وَفِي كِتَابِ (حَاشِيَةِ السِّنْدِيِّ عَلَى سُنَنِ ابْنِ مَاجَةَ)، (ج1 / ص58) قَالَ السِّنْدِيُّ مُعَلِّقًا عَلَى عِبَارَةِ (فَنَالَ مِنْهُ) فِي هَذَا الحَدِيثِ: أَيْ نَالَ مُعَاوِيَةُ مِنْ عَلِيٍّ وَوَقَعَ فِيهِ وَسَبَّهُ، بَلْ أَمَرَ سَعْدًا بِالسَّبِّ كَمَا قِيلَ فِي مُسْلِمٍ وَالتَّرْمِذِي.

     فَكَانَتْ هَذِهِ القَضِيَّةُ مِنَ الأُمُورِ الثَّابِتَةِ عَنْ بَنِي أُمَيَّةَ كَمَا قَالَ أَبُو العَبَّاسِ القُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ (المُفْهِمِ لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تَلْخِيصِ كِتَابِ مُسْلِمٍ) (ج6 / ص272)، فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى حَدِيثِ السَّبِّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُعْظَمَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا يَسُبُّونَ عَلِيًّا وَيَنْتَقِصُونَهُ.

     وَفِي الخِتَامِ أَرْجُو مِنَ الأَخِ أَحْمَدَ أَلَّا يَتَسَرَّعَ فِي الحُكْمِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ القَضَايَا، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَثَبَّتَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ، وَأَنْ يَكُونَ مُنْصِفًا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ لِلحَقِيقَةِ، وَأَنْ يَتَّخِذَ مَوْقِفًا صَحِيحًا مِنْ هَؤُلَاءِ المَخْذُولِينَ (أَعْنِي: مُعَاوِيَةَ وَأَتْبَاعِهِ، عَامِلْهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ).

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.