الإِمَامُ عَلِيٌّ (عَ) لَمْ يُفَرِّطْ بِحَقِّ أَبْنَائِهِ مِنْ فَدَكٍ بِعَدَمِ إِرْجَاعِهَا.

عَادِلٌ الحَسْنَاوِي:      هَلِ الإِمَامُ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عِنْدَمَا لَمْ يُرْجِعْ أَرْضَ فَدَكٍ فَرَّطَ بِحَقِّ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَزَيْنَبَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامَ) بِاعْتِبَارِهَا ارْثَهُمْ مِنْ أُمِّهِمْ، وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ شَرْعًا؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ عادل المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

    1- كُلُّ مُسْلِمٍ يَعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهُ (ص) يَمْتَلِكُ حَقَّ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ شُؤُونِ المُؤْمِنِ حَتَّى فِي نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ) الأَحْزَابُ / 6.

      أ- وَقَال رَسُولُ اللهِ (ص) فِي غَدِيرِ خُمٍّ وَبَعْدَ حِجَّةِ الوَدَاعِ مِصْدَاقًا لِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ وَإِثْبَاتِهَا لِعَلِيٍّ (عَ) مِنْ بَعْدِهِ مُخَاطِبًا جَمِيعَ الحُضُورِ كَمَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ لِلهَيْثَمِيِّ (9 / 107): "وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: أَلَسْتُ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ. رَوْاهُ البَزَّارُ وَرِجَالُهُ ثُقَاتٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ يثيغ قَالَ: نَشَدَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ لَمَّا قَامَ، قَالَ: فَقَامَ مِنْ قِبَلِ سَعِيدٍ سِتَّةٌ وَمِنْ قِبَلِ زَيْدٍ سَبْعَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ لِعَلِيٍّ: أَلَيْسَ أَنَا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ. رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ وَالبَزَّارُ بِنَحْوِهِ أَتَمُّ مِنْهُ، وَقَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهَبٍ لَا عَنْ زَيْدِ بْنِ يثيغ كَمَا هُنَا. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهَبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يثيغ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الوَاوَ سَقَطَتْ، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ".

     فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ كَرَسُولِ اللهِ (ص) فِي وِلَايَتِهِ عَلَى المُؤْمِنِينَ كَوْنُهُ سَيِّدَهُمْ وَمَوْلَاهُمْ وَأَوْلَى بِالتَّصَرُّفِ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ آلَاتِي.

     ب- وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ زَوَائِدِهِ (9 / 103): عَنْ ربَاحٍ الحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَهْطٌ إِلَى عَلِيٍّ بِالرَّحْبَةِ قَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَانَا. فَقَالَ: كَيْفَ أَكُونُ مَوْلَاكُمْ وَأَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ! قَالُوا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ. قَالَ ربَاحٌ: فَلَمَّا مَضَوْا تَبِعْتُهُمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟! قَالُوا: نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ ثُقَاتٌ.

     فَتَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الأَنْصَارَ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَعْنَى مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ هُوَ مَنْ كُنْتُ مَالِكَهُ، حَيْثُ اسْتَعْمَلُوا هَذَا الحَدِيثَ بِتَفْسِيرِهِمْ الوِلَايَةَ بِالمُلْكِ وَمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ. 

     ج- وَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) أَيْضًا كَمَا يَرْوِيهِ البُخَارِيُّ (1 / 9) وَمُسْلِمٌ (1 / 49): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَال: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوُلْدِهِ. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوُلْدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

     2- تَصَرُّفُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) بِجَمِيعِ إِرْثِ الزَّهْرَاءِ (عَ) مَعَ الغَاصِبِينَ مِنْ عَدَمِ مُطَالَبَتِهِ بِهِ مِنْهُمْ، وَكَذَا عَدَمُ إِرْجَاعِهِ (ع) لِهَذَا الحَقِّ حَالَ تَوَلِّيهِ الخِلَافَةَ لَيْسَ تَفْرِيطًا مِنْهُ (عَ) فِيهِ لِكَوْنِهِ (ع) يَعْلَمُ المَصْلَحَةَ فِي الأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ، فَلَا أَقَلَّ أَنَّ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً مُهِمَّةً لَابُدَّ مِنْ إِيصَالِهَا فِي كَوْنِ أَهْلِ البَيْتِ (عَ) لَا طَمَعَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِحُقُوقِهِمْ الثَّابِتَةِ لَهُمْ، حَتَّى رَوَى الصَّدُوقُ فِي عِلَلِ الشَّرَائِعِ 1  /154 عَنِ الإِمَامِ الكَاظِمِ (عَ) أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) لِمَ لَمْ يَسْتَرْجِعْ فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لأَنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَأْخُذُ حُقُوقَنَا مِمَّنْ ظَلَمَنَا إِلَّا هُوَ (اللهُ) وَنَحْنُ أَوْلِيَاءُ المُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا نَحْكُمُ لَهُمْ، وَنَأْخُذُ حُقُوقَهُمْ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ، وَلَا نَأْخُذُ لِأَنْفُسِنَا.

     3- لَوْ كَانَ تَرْكُ اسْتِرْجَاعِ المَغْصُوبِ عَيْبًا وَتَفْرِيطًا لَمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ (ص) مَعَ بُيُوتِهِ فِي مَكَّةَ حِينَمَا تَصَرَّفَ فِيهَا عَقِيلٌ وَبَاعَهَا وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدُوقُ فِي عِلَلِ الشَّرَائِعِ1 / 154: العِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا تَرَكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ: عَنْ إِبْرَاهِيمَ الكَرْخِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عَ) فَقُلْتُ لَهُ: لِأَيِّ عِلَّةٍ تَرَكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لِلإِقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ، وَقَدْ بَاعَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دَارَهُ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَرْجِعُ إِلَى دَارِكَ؟ فَقَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ لَنَا دَارًا، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَسْتَرْجِعُ شَيْئًا يُؤْخَذُ مِنَّا ظُلْمًا. فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَرْجِعْ فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.