الأَوَّلُ مِنْ رَجَبَ وِلَادَةُ إِمَامِنَا البَاقِرِ (ع).

أَحْمَدُ العِرَاقِيُّ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.       مَعَ قُرْبِ حُلُولِ ذِكْرَى وِلَادَةِ الإِمَامِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ رَجَبَ الأَصَبِّ يَا حَبَّذَا لَوْ تَزَوَّدْنَا بِمَعْلُومَاتٍ قَيِّمَةٍ وَافِيَةٍ عَنْ حَيَاةِ هَذَا الإِمَامِ الهُمَامِ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ أَحْمَدُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     الإِمَامُ البَاقِرُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هُوَ الإِمَامُ الخَامِسُ مِنْ أَئِمَّةِ الهُدَى (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، وُلِدَ فِي المَدِينَة المُنَوَّرَةِ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ المُصَادِفِ لِلأَوَّلِ مِنْ رَجَبَ سَنَةَ 57 ه، أَبُوهُ الإِمَامُ السَّجَّادُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَأُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الإِمَامِ الحَسَنِ المُجْتَبَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَكَانَ أَوَّلَ عَلَوِيٍّ يُولَدُ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَوِيَّيْنِ، لُقِّبَ بِالبَاقِرِ لِأَنَّهُ بَقَرَ العِلْمَ بَقْرًا، فَقَدْ ازْدَهَرَتِ الثَّوْرَةُ العِلْمِيَّةُ الَّتِي قَادَهَا فِي زَمَانِهِ حَتَّى بَلَغَتْ أَوُجَّهَا فِي زَمَنِ وَلَدِهِ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ).

     رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَوْمًا قَائِلًا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنِ الأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: "الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ سَيِّدُ العَابِدِينَ فِي زَمَانِهِ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، ثُمَّ البَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَسَتُدْرِكُهُ يَا جَابِرُ. [كِفَايَةُ الأَثَرِ - لِلقُمِّيِّ الرَّازِي -: 144]. 

     فِي فَتْرَةِ إِمَامَتِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) المُمْتَدَّةِ مِنْ 95 ه إِلَى 114 ه، وَهِيَ الفَتْرَةُ الَّتِي ضَعُفَتْ فِيهَا السُّلْطَةُ الأُمَوِيَّةُ، وَبَدَأَ نَشْرُ الحَدِيثِ وَظَهَرَتِ المَدَارِسُ الفِقْهِيَّةُ، كَانَ لِلإِمَامِ البَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) دَوْرُ الرِّيَادَةِ فِي العُلُومِ كُلِّهَا مِنْ: التَّفْسِيرِ، وَالحَدِيثِ، وَالفِقْهِ، وَعِلْمِ الكَلَامِ، وَكَذَلِكَ دَوْرُ التَّرْبِيَةِ وَالإِعْدَادِ لِفُقَهَاءِ الشِّيعَةِ وَرُوَاتِهِمْ.

     فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الطُّوسِيُّ فِي كِتَابِهِ "الرِّجَالِ" بِأَنَّ أَصْحَابَ وَتَلَامِيذَ الإِمَامِ البَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الَّذِينَ كَانُوا يَرْوُونَ الحَدِيثَ عَنْهُ بَلَغُوا 462 رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ.

     وَذَكَرَ أَهْلُ الحَدِيثِ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَوَى لِوَحْدِهِ عَنِ الإِمَامِ البَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) 30000 حَدِيثًا، وَرَوَى جَابِرٌ الجَعْفِيُّ عَنْهُ 70000 حَدِيثًا.

     وَكَانَ لِجَلَالَتِهِ وَعَظَمَتِهِ تَجِدُ العُلَمَاءَ وَالفُقَهَاءَ يَتَصَاغَرُونَ فِي سَاحَتِهِ، يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَطَاءٍ المَكِّيُّ قَالَ:" مَا رَأَيْتُ العُلَمَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ قَطُّ أَصْغَرَ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَقَدْ رَأَيْتُ الحَكَمَ بْنَ عيينَةَ مَعَ جَلَالَتِهِ فِي القَوْمِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُ صَبِيٌّ بَيْنَ يَدَيْ مُعَلِّمِهِ". [كَشْفُ الغُمَّةِ لِلأَربلي 2: 329، وَتَذْكِرَةُ الخَوَاصِّ لِابْنِ الجَوْزِيِّ: 337].   

     وَجَاءَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ:

     (أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ البَاقِرُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ بَقَرَ الأَرْضِ أَيْ شَقَّها، وَأَثَارَ مُخَبَّآتِها وَمَكَامِنِهَا، فَلِذَلِكَ هُوَ أَظْهَرَ مِنْ مُخَبَّآتِ كُنُوزِ المَعَارِفِ، وَحَقَائِقِ الأَحْكَامِ وَالحِكَمِ وَاللَّطَائِفِ مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مُنْطَمِسِ البَصِيرَةِ، أَوْ فَاسِدِ الطَّويَّةِ وَالسَّرِيرَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِيهِ هُوَ بَاقِرُ العِلْمِ وَجَامِعُهُ، وَشَاهِرُ عِلْمِهِ وَرَافِعُهُ... عُمِّرَتْ أَوْقَاتُهُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَلَهُ مِنَ الرُّسُومِ فِي مَقَامَاتِ العَارِفِين مَا تَكِلُّ عَنْهُ أَلْسِنَةُ الوَاصِفِينَ، وَلَهُ كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي السُّلُوكِ وَالمَعَارِفِ لَا تَحْتَمِلُهَا هَذِهِ العُجَالَةُ...). [الصَّوَاعِقُ المُحْرِقَةُ: 201].

     وَعَنِ الذَّهَبِيِّ فِي "سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ" فِي الجُزْءِ الثَّالِثِ عَشَرَ: (أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، سَيِّدٌ، إِمَامٌ، فَقِيهٌ يَصْلُحُ لِلخِلَافَةِ). [سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ 13: 120].

     وَجَاءَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِي "البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ": (وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، وَأُمُّهُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بِنْتُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، كَبِيرُ القَدْرِ كَثِيرًا، أَحَدُ أَعْلَامِ هَذِهِ الأُمَّةِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَسِيَادَةً وَشَرَفًا... حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ). انْتَهَى [البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ 9: 338].

     وَعَنْ النَّوَوِيِّ فِي "تَهْذِيبِ الأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ": (سُمِّيَ بِذَلِكَ; لِأَنَّهُ بَقَرَ العِلْمَ أَيْ شَقَّهُ وَعَرَفَ أَصْلَهُ وَعَرَفَ خَفِيَّهُ... وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، إِمَامٌ بَارِعٌ، مُجْمَعٌ عَلَى جَلَالَتِهِ، مَعْدُودٌ فِي فُقَهَاءِ المَدِينَةِ وَأَئِمَّتِهِمْ). انْتَهَى [تَهْذِيبُ الأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ 1: 103]. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.