غَضَبُ عَائِشَةَ وَإِنْكَارُهَا عَلَى مُعَاوِيَةَ وَالدُّعَاءُ عَلَيْهِ.

جَلِيلٌ:.      أَتَبْكِي عَلَى امْرَأَةٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا يَبْكِي عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ بَنُوهَا، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهَا بِابْنٍ فَلَا..      قَالَ ابْنُ خلكان: "أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَعَنْ وَالِدِهَا; تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِمَكَّةَ، شَرَّفَهَا اللهُ تَعَالَى، قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ.......... وَلَمَّا مَاتَتْ بَكَى عَلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: أَتَبْكِي عَلَى امْرَأَةٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا يَبْكِي عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ بَنُوهَا، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهَا بِابْنٍ فَلَا" أه. [1].      لَقَدْ اسْتَشْهَدَ الرَّافِضِيُّ الكَذَّابُ عَلِيٌّ الكَوْرَانيُّ بِهَذَا الأَثَرِ وَجَعَلَهُ مِنْ المُسَلَّمَاتِ، وَحَكَمَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِأَنَّهَا مَاتَتْ غَاضِبَةً عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَأَنَّهَا مَاتَتْ وَلَيْسَ لَهَا إِمَامٌ!!!      أَقُولُ:      مِنْ العَيْبِ عَلَى شَخْصٍ يَدَّعِي أَنَّهُ عَلَى مَنْهَجِ أَهْلِ البَيْتِ، وَيَصِلُ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ المَرْحَلَةِ مِنْ الكَذِبِ وَالتَّدْلِيسِ عَلَى النَّاسِ، فَهَذَا الكَوْرَانيُّ الكَذَّابُ يَعْلَمُ جَيِّدًا بِأَنَّ بَيْنَ مَوْتِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَوِلَادَةِ ابْنِ خلكان رَحِمَهُ اللهُ مِئَاتِ السِّنِينَ، وَأَنَّ ابْنَ خلكان لَمْ يَذْكُرْ أَيَّ سَنَدٍ لِهَذَا الأَثَرِ، فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى المُدَلِّسِ عَلِيٍّ الكَوْرَانيِّ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّنَدِ لِهَذَا الأَثَرِ، وَيَتَأَكَّدَ هَلْ صَحَّ أَمْ لَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُلْزِمُ المُخَالِفِينَ لَهُ، فَيَكْفِي فِي إِسْقَاطِ الأَثَرِ عَدَمُ وُجُودِ سَنَدٍ لَهُ مِنْ المُصْدَرِ الَّذِي نَقَلَ مِنْهُ الكَذَّابُ الكَوْرَانيُّ. 1218 - وَفِيَّاتُ الأَعْيَانِ - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خلكان - ج 3 ص 16. 

: اللجنة العلمية

     1- مَا دُمْنَا نَحْتَرِمُكَ وَنَقُومُ بِخِدْمَتِكَ وَخِدْمَةِ الحَقِيقَةِ قُرْبَةً إِلَى اللهِ تَعَالَى بِاسْتِمْرَارٍ مِنْ خِلَالِ الإِجَابَةِ عَلَى كُلِّ أَسْئِلَتِكَ فَنَرْجُو أَخَانَا العَزِيزَ أَنْ لَا تُكَشِّرَ عَنْ أَنْيَابِكَ عِنْدَنَا وَتَتَكَلَّمَ هُنَا بِهَذَا الأُسْلُوبِ المُسِيءِ، فَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ.

     2- أَمَّا مَسْأَلَةُ غَضَبِ عَائِشَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَهِيَ مَسْالَةٌ مَفْرُوغٌ مِنْهَا وَلَا نَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِهَا مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الحَادِثَةِ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ جَزَمَ الشَّيْخُ الكَوْرَانيُّ أَعَزَّهُ اللهُ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ نَقْلُكَ عَنْهُ صَحِيحًا وَدَقِيقًا، وَإِلَّا فَنَحْنُ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَصْلًا.

     3- إِنْ أَغْضَبَكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لِمُعَاوِيَةَ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ: (لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ) فَنَقُولُ لَكَ:

     قَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ لِعَمَّارٍ: (لَسْتَ لَكَ بِأُمٍّ) فَمَا تَأْثِيرُ قَوْلِهَا هَذَا عَلَى مَقَامِ وَمَنْزِلَةِ عَمَّارٍ؟! لَا شَيْءَ أَبَدًا، فَلِمَاذَا هَذَا التَّعَصُّبُ وَالْغُلُوُّ غَيْرُ المُبَرَّرِ بِمِثْلِ مُعَاوِيَةَ؟!

     فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (6 / 205) قَالَ: جَاءَ عَمَّارٌ وَمَعَهُ الأَشْتَرُ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عَائِشَةَ قَالَ: يَا أُمَّاهُ. فَقَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ. قَالَ: بَلَى وَإِنْ كَرِهْتِ. قَالَتْ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: هَذَا الأَشْتَرُ. قَالَتْ: أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ قَتْلَ ابْنِ أُخْتِي؟ قَالَ: قَدْ أَرَدْتُ قَتْلَهُ وَأَرَادَ قَتْلِي.

     وَقَالَ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ (4 / 353): دَخَلَ عَمَّارٌ عَلَى عَائِشَةَ يَوْمَ الجَمَلِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أُمَّاهُ. قَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ: قَالَ بَلَى إِنَّكِ أُمِّي وَإِنْ كَرِهْتِ. قَالَتْ: مَنْ ذَا الَّذِي أَسْمَعُ صَوْتَهُ مَعَكَ؟ قَالَ: الأَشْتَرُ. قَالَتْ يَا أَشْتَرُ أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ أَنْ تَقْتُلَ ابْنَ أُخْتِي؟ قَالَ: لَقَدْ حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِهِ وَحَرَصَ عَلَى قَتْلِي فَلَمْ يَقْدِرْ... قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.

     4- أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَسْأَلَةِ غَضَبِهَا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَسْبَابُهُ كَثِيرَةٌ نَذْكُرُ لَكَ مِنْهَا:

     أ- قَتْلُهُ لِأَخِيهَا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَوَضْعُهُ فِي بَطْنِ حِمَارٍ وَحَرْقِهِ: قَالَ الضَّحَّاكُ فِي الآحَادِ وَالمَثَانِيِّ (1 / 475): أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعَمَّرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ القَاسِمِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ المُدِينَةَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ فَأَذِنَتْ لَهُ وَحْدَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَتْ عَائِشَةُ: أَكُنْتَ تَأْمَنُ أَنْ أُقْعِدَ لَكَ رَجُلًا فَيَقْتُلَكَ كَمَا قَتَلْتَ أَخِي مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: مَا كُنْتِ تَفْعَلِينَ ذَلِكَ. قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: إِنِّي فِي بَيْتِ آمِنٍ. قَالَتْ: أَجَلٌ.

     ب- وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ (4 / 79):... فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ (ابْنُ حديجٍ النَّاصِبِيُّ) فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي جِيفَةِ حِمَارٍ ثُمَّ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ جَزَعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا وَقَنَتَتْ عَلَيْهِ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ تَدْعُو عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو.

     ت- قَتْلُهُ حِجْرَ بْنَ عَدِيٍّ رَاهِبَ الصَّحَابَةِ وَكَبِيرَ عُبَّادِهِمْ وَصَالِحِيْهِمْ. قَالَ البلاذري فِي أَنْسَابِ الأَشْرَافِ (5 / 41): حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ العَجْلِيُّ عَنْ شُرَيْكٍ قَالَ: كَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي قَتْلِ حِجْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: أَمَّا بَعْدُ فَلَا يَغُرَّنَّكَ يَا مُعَاوِيَةُ حُلُمُ اللهِ عَنْكَ فَيَزِيدُكَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا، فَإِنَّهُ بِالمِرْصَادِ، وَإِنَّمَا يَعْجَلُ مَنْ يَخَافُ الفَوْتَ.

     ث- وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ (3 /470) عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: يَا مُعَاوِيَةُ قَتَلْتَ حِجْرًا وَأَصْحَابَهُ وَفَعَلْتَ الَّذِي فَعَلْتَ وَذَكَرَ الحِكَايَةَ بِطُولِهَا.

     وَذَكَرَهُ فِي (4 / 353): عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: يَا مُعَاوِيَةُ قَتَلْتَ حِجْرًا وَأَصْحَابَهُ وَفَعَلْتَ الَّذِي فَعَلْتَ (وَتَقْصِدُ قَتْلَهُ أَخَاهَا وَحَرْقَهُ) مَا تَخْشَى أَنْ أُخَبِّئَ لَكَ رَجُلًا فَيَقْتُلَكَ؟ قَالَ: لَا، إِنِّي فِي بَيْتِ أَمَانٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: الإِيمَانُ قَيْدُ الفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ.

     فَتَبَيَّنَ لَكَ يَا جَلِيلُ أَنَّ الأَمْرَ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى ابْنِ خلكان، وَلَا رِوَايَةِ ابْنِ خلكان كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. وَالحَمْدُ للهِ أَوَّلًا وَآخِرًا.