أَبُو بَكْرٍ يَقْبَلُ شَهَادَةَ أَعْرَابِيٍّ وَيَرْفُضُ قَوْلَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ (عَ)!!

أُمُّ أَحْمَدَ:      مَا قِصَّةُ الأَعْرَابِيِّ الَّذِي يَتَطَهَّرُ بِبَوْلِهِ الَّذِي يُنْسَبُ أَنَّهُ شَهِدَ لِأَبِي بَكْرٍ بِالحَدِيثِ المَزْعُومِ: (نَحْنُ مَعَاشِرُ الأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرِّثُ)؟ وَمَا هِيَ حَالُهُ فِي عِلْمِ الرِّجَالِ؟ وَأَظُنُّ أَنَّهُ يُوجَدُ كَلَامٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ؟

: اللجنة العلمية

     1- هَذَا الأَعْرَابِيُّ إخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي اسْمِهِ، وَاخْتَلَفُوا تَبَعًا لِذَلِكَ فِي صُحْبَتِهِ، فَبَعْضُهَا كَرِوَايَةِ الفَضْلِ بْنِ شَاذَان ذَكَرَتْهُ بِأَنَّهُ مَالِكُ ابْنُ الحُوَيْرِثِ ابْنِ الحَدَثَانِ، وَبَعْضُهَا كَرِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَنْ بِحَارِ الأَنْوَارِ أَنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَوْسِ ابْنِ الحَدَثَانِ، وَلَعَلَّ الثَّانِي أَقْرَبُ لِلْوَاقِعِ كَوْنُهُ صَحَابِيًّا عَلَى الأَرْجَحِ، أَمَّا ابْنُ الحُوَيْرِثِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ.

     2- أَمَّا نَصُّ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الفَضْلِ بْنِ شَاذَان فِي الإِيضَاحِ 256 وَغَيْرِهِ قَالَ: وَرَوَى شُرَيْكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي حَدِيثٍ رَفَعَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَتَتَا عُثْمَانَ حِينَ نَقَصَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ مَا كَانَ يُعْطِيهِنَّ عُمَرُ فَسَأَلَتَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُمَا مَا فَرَضَ لَهُمَا عُمَرُ فَقَالَ: لَا وَاللهِ مَا ذَاكَ لَكُمَا عِنْدِي، فَقَالَتَا لَهُ: فَآتِنَا مِيرَاثَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِنْ حِيطَانِهِ، وَكَانَ عُثمَانُ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَ) جَالِسًا عِنْدَهُ فَقَالَ: سَتَعْلَمُ فَاطِمَةُ (عَ) أَنِّي ابْنُ عَمٍّ لَهَا اليَوْمَ. ثُمَّ قَالَ: أَلَسْتُمَا اللَّتَيْنِ شَهِدْتُمَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَلَفَّقْتُمَا مَعَكُمَا أَعْرَابِيًّا يَتَطَهَّرُ بِبَوْلِهِ مَالِكَ ابْنَ الحُوَيْرِثِ ابْنِ الحَدَثَانِ فَشَهِدْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَالَ: إِنَّا مَعَاشِرُ الأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةً، فَإِنْ كُنْتُمَا شَهِدْتُمَا بِحَقٍّ فَقَدْ أَجَزْتُ شَهَادَتَكُمَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا، وَإِنْ كُنْتُمَا شَهِدْتُمَا بِبَاطِلٍ فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالبَاطِلِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. فَقَالَتَا لَهُ: يَا نَعْثَلُ وَاللهِ لَقَدْ شَبَّهَكَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِنَعْثَلٍ اليَهُودِيِّ. فَقَالَ لَهُمَا: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا للَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ) فَخَرَجَتَا مِنْ عِنْدِهِ.

     أَمَّا إبْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ الشِّيعيّ فِي المُسْتَرْشدِ فَقَدْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ وَفِيهَا: أَنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ. وَأَمَّا المَجْلِسِيُّ فَنَقَلَهَا فِي البِحَارِ عَنْ كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الحَرْثِ بْنِ الحَدَثَانِ وَفِيهَا أَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ جلفٌ يَبُولُ عَلَى عقبَيْهِ يَتَطَهَّرُ بِبَوْلِهِ.

     3- رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (6 / 58) عَنْ الزُّهرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِمَّا لَمْ يُوجِفْ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خَاصَّةً يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالكِرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ.

     وَمِنْ الوَاضِحِ جِدًّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الرَّجُلَ يَرْوِي هَذَا الأَمْرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ لَا عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) وَهُوَ نَفْسُ المَعْنَى الَّذِي شَهِدَ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ (ص) لَا يُوَرِّثُ!

     4- وَبَعْدَ مَا رَأَيْنَاهُ فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ لَمَّا شَهِدَ بِهِ ضِدَّ الزَّهْرَاءِ (عَ) فَإِنَّنَا نَجِدُهُ فِي نَفْسِ الوَقْتِ أَنَّهُ كَانَ مُقَرَّبًا جِدًّا مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ كَمَا يَرْوِيهِ البُخَارِيُّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَرِوَايَتِهِ فِي صَحِيحِهِ (4 / 43) بِسَنَدِهِ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ: بَينَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتعَ النَّهَارُ إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ ادم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلْسَتُ فَقَالَ: يَا مَالُ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ لَهُمْ بِرَضْخٍ فَأَقْبِضُهُ فَأقسُمُهُ بَيْنَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي. قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا المَرْءُ. فَبَينَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرفا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا ثُمَّ جَلَسَ يَرفا يَسِيرًا ثُمَّ قَالَ: لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا فَسَلَّمَا فَجَلَسَا فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَنِي نَضِيرٍ...

     عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ النَّصرِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَعَاهُ إِذْ جَاءَهُ حَاجِبُهُ يَرفا فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ: فَقَال نَعَمْ. فَأَدْخَلَهُمْ فَلَبِثَ قَلِيلًا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ يَسْتَأْذِنَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا دَخَلَا قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ فَاسْتَبّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرْخِ أَحَدَهُمَا مِنْ الآخَرِ. فَقَالَ عُمَرُ اتئدوا أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً. يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَدْ قَالَ ذَلِكَ: قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي هَذَا الفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ... إِلَى قَوْلِهِ: قَدِيرٌ) فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، ثُمَّ وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلَا اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَقَسَّمَهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا المَالُ مِنْهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا المَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَيَاتَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَبَضَهُ أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ. فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَقَالَ: تَذْكُرَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهِ كَمَا تَقُولَانِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهِ لِصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهِ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلَاكُمَا وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي - يَعْنِي: عَبَّاسًا - فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: لَا نُوَرِّثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً. فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَبُو بَكْرٍ وَمَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلَّيْتُ وَإِلَّا فَلَا تُكَلِّمَانِي. فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ. فَدَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهِ بِقَضَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهُ فَادْفَعَا إِلَيَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهُ.

     وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (5 / 153) عَنْ مُعَمَّرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً، وَرُبَّمَا قَالَ مُعَمَّرٌ: يَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ).

     وَكَذَا رَوَى مُسْلِمٌ (5 / 43) عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَقُولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ (وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ) أَرِنَا ذَهَبَكَ ثُمَّ ائْتِنَا إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِكَ وَرَقَكَ.

     وَكَمَا نَرَى هَذَا الرَّجُلَ لَا يَرْوِي وَلَا يَرْوُونَ عَنْهُ فِي صَحِيحَيْ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَلَا يَرْوِي عَنْهُ إِلَّا الزُّهْرِيُّ العَامِلُ عِنْدَ حُكَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ، بَلْ حِينَمَا أَرْسَلَهُ هُشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ لِلمَدِينَةِ أَمَرَهُ عَمَّنْ أَخَذَ الحَدِيثَ وَعَمَّنْ يُحَدِّثُ حَصْرِيًّا فَاتَّضَحَ أَنَّ مَالِكًا هَذَا مِمَّنْ يَرْتَضِيهِ عُمَرُ وَبَنُوْ أُمَيَّةَ إِضَافَةً إلَى أَبِي بَكْرٍ كَمَا فِي رِوَايَاتِنَا الخَاصَّةِ الَّتِي أَخْفَاهَا القَوْمُ وَحَظَرُوا تَدَاوُلَهَا لِلتَّسَتُّرِ وَلِإِخْفَاءِ الحَقِيقَةِ.

     وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ وَثُبُوتِ رِوَايَتِنَا فِي شَهَادَةِ مَالِكٍ لِأَبِي بَكْرٍ مَا حَكَاهُ وَقَرَّرَهُ ابْنُ أَبِي الحَدِيدِ المُعْتَزِليُّ مَوْقِفُهُ هُوَ وَشَيْخُهُ أَبُو عَلِيٍّ حِينَمَا اعْتَرَضَا عَلَى رِوَايَةِ إِشْهَادِ عُمَرَ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالعَبَّاسِ وَإِقْرَارِهِمْ بِمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَعَارَضُوهُ بِمَا رَوَى مِنْ شَهَادَةِ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ لِأَبِي بَكْرٍ فَقَطْ بَعْدَ أَنْ نَشَدَ الصَّحَابَةَ لِلشَّهَادَةِ لَهُ حِينَمَا عَارَضَ الزَّهْرَاءَ (عَ)، فَقَالَ ابْنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرْحِهِ لِنَهْجِ البَلَاغَةِ (16 / 227): قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا مُشْكِلٌ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ هَذَا الخَبَرَ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَعْظَمُ المُحَدِّثِينَ، حَتَّى أَنَّ الفُقَهَاءَ فِي أُصُولِ الفِقْهِ أَطْبَقُوا عَلَى ذَلِكَ فِي احْتِجَاجِهِمْ فِي الخَبَرِ بِرِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ الوَاحِدِ.

     ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي الحَدِيدِ: وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَلِيٍّ: لَا تُقْبَلُ فِي الرِّوَايَةِ إِلَّا رِوَايَةُ اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَةِ، فَخَالَفَهُ المُتَكَلِّمُونَ وَالفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَبُولِ الصَّحَابَةِ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرٍ وَحْدَهُ: (نَحْنُ مَعَاشِرُ الأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرِّثُ) حَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي عَلِيٍّ تَكَلَّفَ لِذَلِكَ جَوَابًا، فَقَالَ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ حَاجَّ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) قَالَ: أنْشُدُ اللهَ امْرِأً سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي هَذَا شَيْئًا! فَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَهَذَا الحَدِيثُ يَنْطِقُ بِأَنَّ اسْتِشْهَادَ عُمَرَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٍ، فَقَالُوا: سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأَيْنَ كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ أَيَّامَ أَبِي بَكْرٍ؟! مَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ يَوْمَ خُصُومَةِ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَأَبِي بَكْرٍ رَوَى مِنْ هَذَا شَيْئًا.

     5- وَشَهَادَةُ مَالِكٍ هَذَا مَخْدُوشَةٌ حَتَّى عِنْدَهُمْ، فَهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لَهُ صُحْبَةً وَخَطَّئُوا مَنْ أَدَّعَاهَا، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْوُوا عَنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً مُبَاشَرَةً عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص).

     فَقَالُوا فِي تَرْجُمَتِهِ: قَالَ المباركفوري فِي تُحْفَةِ الأَحْوَذِي شَرْحِ التِّرْمِذِي (4 / 371) وَ (5 / 311): قَوْلُهُ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ) المَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ. وَرَوَى عَنْ عُمَرَ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ (يَقْصِدُ ابْنَ حَجَرٍ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ).

     وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ (5 / 72): يَقُولُونَ: إِنَّهُ رَكَبَ الخَيْلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ قَدِيمًا وَلَكِنَّهُ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَلَا رَوَى عَنْهُ شَيْئًا، وَقَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَمَاتَ بِالمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ.

     وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الكَبِيرِ (7/305): وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ صُحْبَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ.

     وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِي فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (8 / 203 :( مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ المدِينيُّ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ صُحْبَةٌ لِلنَّبِيِّ (ص).

     وَقَالَ ابْنُ مَاكولا فِي الإِكْمَالِ (2/401): وَقَالَ عَبْدُ الغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ: أَوْسُ بْنُ الحَدَثَانِ وَالِدُ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ، يُقَالُ: لَهُمَا صُحْبَةٌ. قُلْتُ أَنَا: وَلَا تَصِحُّ لِمَالِكٍ صُحْبَةٌ.

     فَثَبَتَ مَا يُؤَيِّدُ رِوَايَتِنَا لِهَذِهِ الحَادِثَةِ وَشَهَادَةِ مَالِكِ بْنِ الحَدَثَانِ لِأَبِي بَكْرٍ أَوْ عَلَى الأَقَلِّ احْتِمَالُهَا عِنْدَهُمْ، خُصُوصًا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شَوَاهِدَ وَقَرَائِنَ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي الحَدِيدِ وَأَبُو عَلِيٍّ وَأَتْبَاعُهُ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَجَعَلَهَا مِنْ المُسَلَّمَاتِ، خُصُوصًا مَعَ رِوَايَتِهِ لِمَوْقِفِ المُتَكَلِّمِينَ وَالأُصُولِيِّينَ وَالفُقَهَاءِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَشُهْرَةِ كَوْنِهِ انْفَرَدَ بِادِّعَاءِ ذَلِكَ.

     وَلِذَلِكَ رَوَوْا هُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنَّ الزَّهْرَاءَ كَذَّبَتْ أَبَا بَكْرٍ فِي زَعْمِهِ هَذَا، مَا يَدُلُّ عَلَى انْفِرَادِهِ بِهِ حَيْثُ إِنَّهَا (عَ) كَذَّبَتْهُ وَاتَّهَمَتْهُ بِانْفِرَادِهِ بِنَقْلِ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ الأَعْظَمِ وَهُوَ لَمْ يَدَّعِ خِلَافَ ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (2973) وَأَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ (1 / 4) فِي مُسْنَدِهِ، وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ (1/316) عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:

     لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ (ص) أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنْتَ وَرِثْتَ رَسُولَ اللهِ (ص) أَمْ أَهْلُهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: بَلْ أَهْلُهُ! قَالَتْ: فَأَيْنَ سَهْمُ رَسُولِ اللهِ (ص)؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ص) يَقُولُ: إِنَّ اللهَ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً ثُمَّ قَبَضَهُ، جَعَلَهُ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ. فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى المُسْلِمِينَ. فَقَالَتْ: فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص).

     قَالَ الأَلْبَانِيُّ فِي إِرْوَاءِ الغَلِيلِ (5 / 76 ). وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، رِجَالُهُ ثُقَاتٌ رِجَالُ مُسْلِمٍ.