عُمَرُ كَانَ نَاهِيًا عَنْ المُتْعَةِ وَلَيْسَ نَاقِلًا.

المُعِزُّ عَلِيٌّ:      الإسْتِدْلَالُ بِرِوَايَةِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ.      نَقُولُ: إنَّ عُمَرَ لَمْ يُحَرِّمْ مُتْعَةَ الحَجِّ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مَوْضُوعِنَا. وَأَمَّا مُتْعَةُ النِّسَاءِ فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ (صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ) هُوَ الَّذِي أَبَاحَهَا وَهُوَ الَّذِي حَرَّمَهَا تَحْرِيمًا أَبَدِيًّا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُ أَحَادِيثِ التَّحْرِيمِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْهَا لِنَهْيِ الرَّسُولِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ) عَنْهَا مَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ: صَعِدَ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْكِحُونَ هَذِهِ المُتْعَةَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ) عَنْهَا، أَلَا وَإِنِّي لَا أُوتَى بِأَحَدٍ نَكَحَهَا إِلَّا رَجَمْتُهُ. السُّنَنُ الكُبْرَى 7/206. وَقَالَ البَيْهَقِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ مَا نَصُّهُ: "فَهَذَا إِنْ صَحَّ يُبَيِّنُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ نِكَاحِ المُتْعَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ نَهْيَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ) عَنْهُ؟

: اللجنة العلمية

     1- نَهْيُ عُمَرَ عَنْ المُتْعَتَيْنِ أَمْرٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، وَلَا يُمْكِنُ فَهْمُ نَهْيِهِ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ بِغَيْرِ التَّحْرِيمِ، وَإلَّا فَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ يَرْفُضُهُ وَيَرُدُّهُ وَيَرَى المَصْلَحَةَ فِي خِلَافِهِ رُغْمَ نُزُولِهِ فِي القُرْآنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الهَدْيِ (وَفِعْلِ رَسُولِ اللهِ (ص) لَهُ وَأَمْرِهِ لَهُمْ بِاخْتِيَارِهِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ ثُمَّ سُؤَالِ الصَّحَابَةِ لَهُ (ص) عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ التَّشْرِيعِ خَاصًّا لَهُمْ كَوْنَهُ غَرِيبًا عَنْ العَادَاتِ وَالأَعْرَافِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَجَوَابِ رَسُولِ اللهِ (ص) بِأَنَّهُ عَامٌّ وَلَيْسَ خَاصًّا، وَتَأْكِيدُهُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ (ص) لَهُمْ: دَخَلَتْ العُمْرَةُ فِي الحَجِّ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَشَبَكَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ. صَحِيحُ مُسْلِمٍ 4 / 40.

      2 -وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي البُخَارِيِّ (5 / 181) وَمُسْلِمٍ (4 / 48) نَصٌّ صَرِيحٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَهِمَهُ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ عِمْرَانُ :نَزَلَتْ آيَةُ المُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ص) وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ إِنَّهُ عُمَرُ.

     بَلْ نَصُّ مُسْلِمٍ يُصَرِّحُ بِالكَلَامِ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَالَ فِيهِ: نَزَلَتْ آيَةُ المُتْعَةِ (يَعْنِي مُتْعَةَ الحَجِّ) فِي كِتَابِ اللهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ص) وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ إِنَّهُ عُمَرُ.

     3- ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا تُقْرَنُ المُتْعَتَانِ وَتُجْمَعَا مَعًا فِي كَلَامٍ وَحُكْمٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ يُمْكِنُ التَّفْكِيكُ بَيْنَ حُكْمَيهِمَا، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَقْلُ تَحْرِيمِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) وَجَعْلُ النَّهْيِ عَنْ الأُخْرَى لِكَوْنِهَا خِلَافًا لِلأُولَى وَعَنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ وَالإجْتِهَادِ الشَّخْصِيِّ؟! مَعَ جَمْعِهِمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَحُكْمٍ وَاحِدٍ، وَلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَنَهْيٍ وَاحِدٍ، وَتَوَعُّدٍ وَاحِدٍ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (4 / 59) وَ (4 / 131) عَنْ أَبِي نَضْرةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي المُتْعَتَيْنِ. فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ص) ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا.

     أَمَّا البَيْهَقِيُّ فَقَدْ رَوَاهُ كَمَا يَلِي: عَنْ أَبِي نَضْرةَ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْ المُتْعَةِ وَإنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهَا. قَالَ: عَلَى يَدَيْ جَرَى الحَدِيثُ: تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا وَلَّى عُمَرُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا الرَّسُولُ، وَإِنَّ هَذَا القُرْآنَ هَذَا القُرْآنُ، وَإِنَّهُمَا كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا.

     فَهَا هُوَ جَابِرٌ يَنُصُّ هُنَا بِكُلِّ صَرَاحَةٍ بِأَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْهُمَا جَمِيعًا بِنَفْسِ النَّهْيِ وَتَوَعَّدَ العُقُوبَةَ عَلَيْهِمَا كِلَيْهِمَا دُونَ فَرْقٍ، وَلَا يُعْقَلُ تَوَعُّدُ العُقُوبَةِ عَلَى تَرْكِ الأُولَى!

     4- أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمُتْعَةِ النِّسَاءِ فَإنَّ أَحَادِيثَ التَّحْرِيمِ بَعْضُهَا يَنْقُضُ بَعْضًا، وَأَحَدُهَا يُنَاقِضُ الآخَرَ، وَلَا يُمْكِنُ تَصَوُّرُ مَوْضُوعٍ حُرِّمَ سِتَّ أَوْ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَهَذَا الأَمْرُ لَمْ يَحْصُلْ فِي أَيِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، حَاشَا مَا أَدْعُوهُ فِي تَحْرِيمِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ !

     وَقَدْ أَكَّدَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ البَاريِ (9 / 146) عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَقَعَ فِي لِسَانِ الرِّوَايَاتِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ فَقَالَ: فَتَحَصَّلَ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ سِتَّةُ مُوَاطِنَ: خَيْبَرُ، ثُمَّ عُمْرَةُ القَضَاءِ، ثُمَّ الفَتْحُ، ثُمَّ أَوطَاس، ثُمَّ تَبُوكُ، ثُمَّ حُجَّةُ الوَدَاعِ، وَبَقَى عَلَيْهِ حُنَيْنٌ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي رِوَايَةٍ قَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهَا قَبْلُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذُهِلَ عَنْهَا، أَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا لِخَطَأِ رُوَاتِهَا، أَوْ لِكَوْنِ غَزْوَةِ أَوطَاس وَحُنَيْنٍ وَاحِدَةً. أَه 

     أَمَّا رِوَايَةُ البَيْهَقِيُّ فَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَغَيْرُ ثَابِتَةٍ بِحَيْثُ إِنَّ مَنْ رَوَاهَا وَجَاءَ بِهَا لِيَسْتَدِلَّ بِهَا لَمْ يَسْتَطِعْ تَصْحِيحَهَا وَإِنَّمَا جَعَلَهَا مُحْتَمَلًا وَمُفْتَرَضًا، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ جَيِّدًا عَدَمَ نَظَافَةِ السَّنَدِ وَهُوَ عَلَى الأَقَلِّ فِيهِ مَنْصُورُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ معِينٍ: ضَعِيفُ الحَدِيثِ. وَقَالَ النِّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ البُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ. وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ (تَرْجُمَةُ مَنْصُورِ بْنِ دِينَارٍ فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ للرَّازِي 4 / قِ / 171 وَمِيزَانِ الإعْتِدَالِ 6 / 184 وَلِسَانِ المِيزَانِ 4 / 95). وَمِنْ المَعْلُومِ أَنَّ قَوْلَ البُخَارِيِّ عَنْ رَاوٍ: "فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ". أَنَّهُ مِنْ أَقْوَى أَلْفَاظِ التَّجْرِيحِ عِنْدَهُ.

      5- وَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ كَمَا فِي جَامِعِ البَيَانِ للطَّبَرِيِّ (5 / 19)، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ (7 / 497): لَوْلَا نَهْيُ عُمَرَ عَنْ المُتْعَةِ مَا زَنَى إِلَا شَقِيٌّ. فَلَوْ كَانَ عُمَرُ نَاقِلًا عَنْ النَّبِيِّ (ص) هَذَا النَّهْيَ لَمَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ وَعَابَهُ عَلَيْهِ مِثْلُ عَلِيٍّ (عَ) وَابْنِ عَبَّاسٍ!!

      6- وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ اسْتَنْكَرَ عَدَمَ الإِشْهَادِ وَلَمْ يَسْتَنْكِرْ أَصْلَ التَّمَتُّعِ ،كَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ (7/497) عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لِأَوَّلِ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ المُتْعَةَ صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْ يَعْلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ بِالطَّائِفِ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَدَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ لَهُ بَعْضُنَا، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ (يَعْنِي هِيَ حَلَالٌ). فَلَمْ يُقِرَّ فِي نَفْسِي، حَتَّى قَدِمَ جَابِرُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ القَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمَّ ذَكَرُوا لَهُ المُتْعَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ (وَيَقْصِدُ أَنَّهَا حَلَالٌ) اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (ص)، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ اسْتَمْتَعَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ بِامْرَأَةٍ - سَمَّاهَا جَابِرٌ فَنَسِيتُهَا - فَحَمَلَتْ المَرْأَةُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا قَالَتْ: نَعَمْ (يَعْنِي اعْتَرَفَتْ بِتَمَتُّعِهَا مَعَ عَمْرٍو) قَالَ (عُمَرُ): مَنْ أَشْهَدَ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا أَدْرِي قَالَتْ: أُمِّي، أَمْ وَلِيُّهَا. قَالَ (عُمَرُ): فَهَلَّا غَيْرُهُمَا!؟ قَالَ: خُشِيَ أَنْ يَكُونَ دغّلا الآخَرَ.

     وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَاضِحَةٌ فِي إِثْبَاتِ سَمَاعِ عُمَرَ بِالمُتْعَةِ دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهَا حَرَامٌ، وَلَكِنَّهُ اسْتَنْكَرَ قَرَابَةَ الشُّهُودِ عَلَى المَرْأَةِ وَاكْتِفَاءَهُمْ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَقَطْ فَلَا تَتمُّ الشَّهَادَةُ فَتَضِيعُ الحُقُوقُ وَتَسْتَحْكِمُ المَشَاكِلُ.

     وَوَاضِحٌ جِدًّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَنْسِبُ النَّهْيَ لِعُمَرَ وَأَنَّ نَهْيَهُ كَانَ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً جَرَّتْ الوَيْلَاتَ وَتَسَبَّبَتْ فِي وُقُوعِ الأُمَّةِ فِي الزِّنَا.

     أَمَّا القِصَّةُ الثَّانِيَةُ المُصَرِّحَةُ بِسَبَبِ نَهْيِ عُمَرَ عَنْ المُتْعَةِ وَيَرْوِيهَا أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ (7 / 499) بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ جِدًّا كَسَابِقِهِ، فَهِيَ مَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَرْعَ عُمَرُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ إِلَّا أُمَّ أَرَاكَةَ قَدْ خَرَجَتْ حُبْلَى، فَسَأَلَهَا عُمَرُ عَنْ حَمْلِهَا، فَقَالَتْ: اسْتَمْتَعَ بِي سَلْمَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ. فَلَمَّا أَنْكَرَ صَفْوَانُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْضَ مَا يَقُولُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَسَلْ عَمَّكَ هَلْ اسْتَمْتَعَ؟

     أَمَّا قِصَّةُ تَمَتُّعِ رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فَرَوَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ كَامِلَةً (7/503)،  وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي مَوْطأِهِ أَيْضًا، وَعَنْهُ البَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ تَزَوَّجَ مُوَلِّدَةً مِنْ مُوَلِّدَاتِ المَدِينَةِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، وَكَانَتْ امْرَأَةً صَالِحَةً، فَلَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا الوَلِيدَةُ قَدْ حَمَلَتْ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ خَوْلَةُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَامَ يَجُرُّ صنفَةَ رِدَائِهِ مِنْ الغَضَبِ، حَتَّى صَعِدَ المِنْبَرَ فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ تَزَوَّجَ مُوَلِّدَةً مِنْ مُوَلِّدَاتِ المَدِينَةِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَإِنِّي لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِي هَذَا لَرُجِمْتُ.

      وَوَاضِحٌ مِنْهُ أَيْضًا عَدَمُ اكْتِفَاءِ عُمَرَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى المُتْعَةِ.

     وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَسَبَبَ نَهْيِ عُمَرَ عَنْهَا لِأَجْلِ عَدَمِ الإِهْتِمَامِ بالإشْهَادِ عَلَيْهَا فَقَالَ فِي مُصَنَّفِهِ (7 / 500) عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَدِمَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ مِنْ الْكُوفَةِ فَاسْتَمْتَعَ بمولاة، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ وَهِيَ حُبْلَى، فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: اسْتَمْتَعَ بِي عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ أَمْرًا ظَاهِرًا، قَالَ: فَهَلَّا غَيْرُهُمَا؟ فَذَلِكَ حِينَ نَهَى عَنْهَا.

     فَهَا هُوَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَمِنْ قَبْلِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّ عُمَرَ هُوَ مَنْ نَهَى عَنْ المُتْعَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ سَبَّبَ ضَرَرًا وَمَفْسَدَةً لِلأُمَّةِ وَكَفَى بِهِمَا حَكَمَيْنِ وَفَقِيهَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنْ فُقَهَاءِ وَعُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ البَيْتِ (عَ) نَاهِيكَ عَنْ كُلِّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَالَّتِي تُثْبِتُ أَنَّ مَنْ نَهَى النَّاسَ عَنْهَا إِنَّمَا هُوَ عُمَرُ وَلَمْ يَكُنْ نَاقِلًا لِلنَّهْيِ، بَلْ كَمَا نَرَاهُ لَمْ يَسْتَنْكِرْ المُتْعَةَ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ وَانْتَقَدَ طَرِيقَةَ الإِشْهَادِ، وَمِنْ ثَمَّ نَهَاهُمْ فَانْتَهَوْا كَمَا قَالَ جَابِرٌ: اسْتَمْتَعْنَا أَصْحَابَ النَّبِيِّ (ص) حَتَّى نُهِيَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ.