رِوَايَاتُ العِلَّةِ فِي عَدَمِ إِرْجَاعِ فَدَكٍ مِنْ قِبَلِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) مُعْتَبَرَةٌ سَنَدًا.

أُمُّ أَحْمَدَ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ.      1 - وَرَدَ فِي الأَسْئِلَةِ العَقَائِدِيَّةِ سُؤَالٌ وَهُوَ: لِمَاذَا لَمْ يَتمَّ إِرْجَاعُ فَدَكٍ فِي عَهْدِ الإمَامِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ). فَكَانَ جَوَابُكُمْ مُسْتَشْهِدًا بِالرِّوَايَاتِ التَّالِيَةِ: - مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الصَّدُوقُ فِي كِتَابِ (عِلَل الشَّرَائِعِ 1 / 154, فِي بَابِ 124): العِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا تَرَكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ:      بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ عَنْ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ), قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَأْخُذْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ, وَلِأَيِّ عِلَّةٍ تَرَكَهَا؟      فَقَالَ: لِأَنَّ الظَّالِمَ وَالمَظْلُومَةَ قَدْ كَانَا قَدِمَا عَلَى اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ), وَأَثَابَ اللهُ المَظْلُومَةَ وَعَاقَبَ الظَّالِمَ, فَكَرِهَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ شَيْئًا قَدْ عَاقَبَ اللهُ عَلَيْهِ غَاصِبَهُ وَأَثَابَ عَلَيْهِ المَغْصُوبَةَ.      2 - وَذَكَرَ أَيْضًا فِي البَابِ المَذْكُورِ جَوَابًا آخَرَ, وَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ الكَرْخِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقُلْتُ لَهُ: لِأَيِّ عِلَّةٍ تَرَكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لِلإقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ, وَقَدْ بَاعَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دَارَهُ, فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ, أَلَا تَرْجِعُ إِلَى دَارِكَ؟ فَقَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟ وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ لَنَا دَارًا, إنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَسْتَرْجِعُ شَيْئًا يُؤْخَذُ مِنَّا ظُلْمًا, فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَرْجِعْ فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ؟      3- وَذَكَرَ أَيْضًا فِي البَابِ المَذْكُورِ جَوَابًا ثَالِثًا, بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ الإِمَامِ الكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِمَ لَمْ يَسْتَرْجِعْ فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لأَنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَأْخُذُ حُقُوقَنَا مِمَّنْ ظَلَمَنَا إِلَّا هُوَ (يَعْنِي إِلَّا اللهُ), وَنَحْنُ أَوْلِيَاءُ المُؤْمِنِينَ إِنَّمَا نَحْكُمُ لَهُمْ, وَنَأْخُذُ حُقُوقَهُمْ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ, وَلَا نَأْخُذُ لِأَنْفُسِنَا.      فَسُؤَالِي:      هَلْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَحِيحَةٌ؟؟ فَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ مَنْ يُشَكِّكُ بِسَنَدِ الرِّوَايَاتِ.

: اللجنة العلمية

   الأُخْتُ أُمُّ أَحْمَدَ المُحْتَرَمَةُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي نَقَلْتُمُوهَا فِي بَيَانِ العِلَّةِ مِنْ عَدَمِ إِرْجَاعِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِفَدَكٍ أَيَّامَ حُكْمِهِ كُلُّهَا مُعْتَبَرَةُ السَّنَدِ.

      فَالرِّوَايَةُ الأُولَى الَّتِي وَرَدَ فِي سَنَدِهَا: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّقَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْكُوفِيُّ, عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ, عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ, عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالَمٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي بَصِيرٍ, عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَ) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لَمْ يَأْخُذْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَ) فَدَكًا لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ؟.. إلخ.

     فَالثَّلَاثَةُ الأَوَائِلُ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الحَدِيثِ وَهُمْ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الدِّقَّاقُ, وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْكُوفِيُّ, وَمُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّخَعِيُّ, وَثَّقَهُمْ العَلَّامَةُ المَجْلِسِيُّ فِي بِحَارِهِ عِنْدَمَا صَرَّحَ فِي حَقِّ الزِّيَارَةِ الجَامِعَةِ الَّتِي نَقَلَهَا الشَّيْخُ الصَّدُوقُ (قُدِّسَ سِرُّهُ) فِي عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَا (عَ) عَنْ طَرِيقِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّهَا أَصَحُّ الزِّيَارَاتِ سَنَدًا [انْظُرْ بِحَارَ الأَنْوَارِ 99: 144].

     وَأَمَّا الحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ النَّوْفَلِيُّ فَيُمْكِنُ القَوْلُ بِوَثَاقَتِهِ لِمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ الطُّوسِيُّ (قُدِّسَ سِرُّهُ) فِي "العِدَّةِ" مِنْ عَمَلِ الطَّائِفَةِ بِرِوَايَاتِ السُّكُونِيِّ [نَقَلَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ الخُوئِيُّ فِي "مُعْجَمِ رِجَالِ الحَدِيثِ" ج3 ص 106], وَالنَّوْفَلِيُّ مَلَازِمٌ للسُّكُونِيِّ عَادَةً وَيَنْقُلُ عَنْهُ, وَقَبُولُ رِوَايَاتِ السُّكُونِيِّ مَعْنَاهُ قَبُولُ رِوَايَةِ النَّوْفَلِيِّ, وَهَذَا مِنْ طُرُقِ التَّوْثِيقِ العَامَّةِ عِنْدَ الرِّجَالِيِّينَ رَاجِعْ :(دُرُوسٌ تَمْهِيدِيَّةٌ فِي القَوَاعِدِ الرِّجَالِيَّةِ) [لِلشَّيْخِ الإيْرَوَانيِّ, ص 167].

     وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ سَالِمٍ, فَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ البَطَائِنِيُّ, عَلَى مَا حَكَمَ عَلَيْهِ جَدُّ الشَّيْخِ الوَحِيدِ البَهْبَهَانِيِّ [كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ الشَّيْخُ الوَحِيدُ فِي كِتَابِهِ: (تَعْلِيقَةٌ عَلَى مَنْهَجِ المُقَالِ): 252, وَانْظُرْ كَذَلِكَ الرَّسَائِلَ الرِّجَالِيَّةَ لِلْكلبَاسِيِّ 4: 403], وَيُمْكِنُ تَوْثِيقُهُ مِنْ نَاحِيَةِ وَكَالَةِ الإِمَامِ الكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَهُ, لِمَا ثَبَتَ مِنْ دِلَالَةِ الوَكَالَةِ عَلَى الوَثَاقَةِ [رَاجِعْ: (دُرُوسٌ تَمْهِيدِيَّةٌ فِي القَوَاعِدِ الرِّجَالِيَّةِ): 153], إِضَافَةً لِمَا وَرَدَ عَنْ الشَّيْخِ الطُّوسِيِّ (قده) فِي "العِدَّةِ" قَالَ: (وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَيْ الوَثَاقَةُ عَمِلَتْ الطَّائِفَةُ بِأَخْبَارِ الفَطَحِيَّةِ, وَأَخْبَارِ الوَاقِفَةِ, مِثْلِ: سَمَاعَةَ بْنِ مَهْرَانَ, وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ). [عِدَّةُ الأُصُولِ 1: 381], فَهَذِهِ العِبَارَةُ مِنْ الشَّيْخِ الطُّوسِيِّ يُسْتَفَادُ مِنْهَا وَثَاقَةُ البَطَائِنِيِّ.

     وَأَيْضًا يُمْكِنُ تَوْثِيقُ البَطَائِنيِّ لِرِوَايَةِ الأَجِلَّاءِ عَنْهُ كَصَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى, وَابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ, وَالبِزَنْطِيِّ [انْظُرْ :مُعْجَمَ رِجَالِ الحَدِيثِ 12: 248], وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَصْحَابِ الإِجْمَاعِ عَنْهُ, كَالحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ, وَعَبْدِ اللهِ بْنِ المُغِيرَةِ, وَحَمَّادِ بْنِ عِيسَى, وَعُثمَانَ بْنِ عِيسَى [المَصْدَرُ السَّابِقُ], وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ وَرَدَ فِي حَقِّهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَرْوُونَ إِلَّا عَنْ الثُّقَاةِ - غَيْرِ المَشَايِخِ الثَّلَاثِ - مِثْلِ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ, وَعَلِيِّ بْنِ الحَسَنِ الطَّاطرِيِّ [المَصْدَرُ السَّابِقُ].

     وَكَذَلِكَ مِنْ طُرُقِ التَّوْثِيقِ - عَلَى بَعْضِ المَبَانِي الرِّجَالِيَّةِ - هُوَ وُقُوعُ الرَّاوِي فِي إِسْنَادِ تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُمِّيِّ, وَقَدْ وَقَعَ فِي الإِسْنَادِ المَذْكُورِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَأَبُوهُ [رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْقُمِّيِّ 2: 46], فَهُمَا مُوَثَّقَانِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ.

     وَبِالتَّالِي يَكُونُ السَّنَدُ المَذْكُورُ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرًا.

     وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَيُمْكِنُ القَوْلُ بِاعْتِبَارِهَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ عُلَمَائِنَا كَالمَامَقَانِيِّ, وَالتُّسْتَرِيِّ, وَالسَّيِّدِ حُسَيْنٍ الصَّدْرِ وَآخَرِينَ إِلَى أَنَّ تَرَحُّمَ الإِجِلَّاءِ كَالْكُلَيْنِيِّ وَالصَّدُوقِ وَالطُّوسِيِّ وَالنَّجَاشِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ يُوجِبُ حُسْنَ الرَّاوِيِ وَقَبُولَ رِوَايَتِهِ, بَلْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ كَالسَّيِّدِ الأَعْرَجِيِّ إِلَى أَنَّ التَّرَحُّمَ يُوجِبُ الوَثَاقَةَ. [نِهَايَةُ الدِّرَايَةِ: ص 422], وَمِنْ هُنَا يُمْكِنُ تَوْثِيقُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ لِتَرَضِّي الشَّيْخِ الصَّدُوقِ وَتَرَحُّمِهِ عَلَيْهِ, وَأَمَّا بَقِيَّةُ رِجَالِ السَّنَدِ فَهُمْ مُوَثَّقُونَ.

      وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ يُمْكِنُ القَوْلُ بِاعْتِبَارِهَا, بِنَاءً عَلَى مَا أَفَادَهُ بَعْضُ العُلَمَاءِ مِنْ دِلَالَةِ تَرَحُّمِ كِبَارِ الأَجِلَّاءِ كَالْكُلَيْنِيِّ, وَالصَّدُوقِ, وَالطُّوسِيِّ وَالنَّجَاشِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ بِمَا يُوجِبُ حُسْنَ الرَّاوِي وَقَبُولَ رِوَايَتِهِ, وَأَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ القطَّانُ هُوَ مِنْ مَشَائِخِ الصَّدُوقِ الَّذِينَ كَانَ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ, وَأَمَّا بَقِيَّةُ رِجَالِ السَّنَدِ فَهُمْ ثُقَاتٌ, فَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الهَمَدَانِيُّ هُوَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ, وَقَدْ وَثَّقَةُ الشَّيْخُ النَّجَاشِيُّ وَغَيْرُهُ [انْظُرْ: رِجَالَ النَّجَاشِيِّ: 94], وَبَنُو فَضَّالٍ مِمَّا وَرَدَ الأَخْذُ بِرِوَايَتِهِمْ عَنْ الإِمَامِ العَسْكَرِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ), حَيْثُ قَالَ: (خُذُوا مَا رَوَوْا وَذَرُوا مَا رَأَوْا) [الغَيْبَةُ للطُّوسِيِّ :239], أَيْ خُذُوا بِرِوَايَتِهِمْ وَاتْرُكُوا آرَاءَهُمْ فِي الإمَامَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فَطَحِيَّةً يَقُولُونَ بإمَامَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَفْطَحِ ابْنِ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ).

     وَالنَّتِيجَةُ: أَنَّ الرِّوَايَاتِ المَذْكُورَةَ كُلُّهَا مُعْتَبَرَةُ السَّنَدِ حَسَبَ مَبَانِي عِلْمِ الرِّجَالِ عِنْدَ الإمَامِيَّةِ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.