الوَصِيَّةُ لِعَلِيٍّ (ع) بِالصَّبْرِ وَعَدَمِ مُقَاتَلَةِ القَوْمِ.

يَا فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءَ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ.. سُؤَالِي فِي قَضِيَّةِ السَّيِّدَةِ الزَّهْرَاءِ (عَ). السُّؤَالِ: كَيْفَ عَرَفَ قَتَلَةُ الزَّهْرَاءِ لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أنَّ الإمَامَ عَلَيًّا مُوَصًى مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللهِ (ص)؟

: اللجنة العلمية

     الأخُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     هَذِهِ الوَصِيَّةُ الَّتِي يَذْكُرُهَا الشَّيْخُ الكُلَيْنِيُّ (قُدِّسَ سِرُّهُ) فِي كِتَابِهِ "الكَافِي" بِسَنَدِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ المُسْتَفَادِ أبِي مُوسَى الضَّرِيرِ قَالَ:

     حَدَّثَنِي مُوسَى بنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ألَيْسَ كَانَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَاتِبَ الوَصِيَّةِ، وَرَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) المُمْلِئَ عَلَيْهِ، وَجَبْرَئِيلُ وَالمَلَائِكَةُ المُقَرَّبُونَ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) شُهُودٌ؟ قَالَ: فَأطْرَقَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: يَا أبَا الحَسَنِ - كُنْيَةُ الإمَامِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) - قَدْ كَانَ مَا قُلْتَ، وَلَكِنْ حِينَ نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الأمْرُ نَزَلَتْ الوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ اللهِ كِتَابًا مُسَجَّلًا، نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ اللهِ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) مِنْ المَلَائِكَةِ.

     فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ بِإخْرَاجِ مَنْ عِنْدَكَ إِلَّا وَصِيَّكَ لِيَقْبِضَهَا وَتَشْهَدَهَا بِدَفْعِكَ إِيَّاهَا إِلَيْهِ ضَامِنًا لَهَا - يَعْنِي عَلِيًّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) - فَأمَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِي البَيْتِ مَا خَلَا عَلِيًّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَفَاطِمَةَ فِيمَا بَيْنَيْ السِّتْرِ وَالْبَابِ.

فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامُ وَيَقُولُ: هَذَا كِتَابُ مَا كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ وَشَرَطْتُ عَلَيْكَ وَشَهِدْتُ بِهِ عَلَيْكَ وَأشْهَدْتُ بِهِ عَلَيْكَ مَلَائِكَتِي، وَكَفَى بِي يَا مُحَمَّدُ شَهِيدًا. قَالَ: فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ، رَبِّي هُوَ السَّلَامُ، وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَإلَيْهِ يَعُودُ السَّلَامُ، صَدَقَ (عَزَّ وَجَلَّ) وَبرَّر، هَاتِ الكِتَابَ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وَأمَرَهُ بِدَفْعِهِ إِلَى أمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْهُ، فَقَرَأَهُ حَرْفًا حَرْفًا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، هَذَا عَهْدُ رَبِّي (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) إِلَيَّ، وَشَرْطُهُ عَلَيَّ وَأمَانَتُهُ، وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ وَأدَّيْتُ. فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وَأنَا أشْهَدُ لَكَ (بَأبِي وَأُمِّي أنْتَ) بِالبَلَاغِ وَالنَّصِيحَةِ وَالتَّصْدِيقِ عَلَى مَا قُلْتَ، وَيَشْهَدُ لَكَ بِهِ سَمْعِي وَبَصَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي. فَقَالَ جَبْرَئِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وَأنَا لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): يَا عَلِيُّ، أخَذْتَ وَصِيَّتَي... وَعَرَفْتَهَا وَضَمِنْتَ لِلهِ وَلِيَ الوَفَاءَ بِمَا فِيهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): نَعَمْ بِأبِي أنْتَ وَأُمِّي، عَلَيَّ ضَمَانُهَا وَعَلَى اللهِ عَوْنِي وَتَوْفِيقِي عَلَى أدَائِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): يَا عَلِيُّ، إِنِّي أُرِيدُ أنْ أشْهَدَ عَلَيْكَ بِمُوَافَاتِي بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ. فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ):

 نَعَمْ اشْهَدْ. فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): إِنَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ الآنَ وَهُمَا حَاضِرَانِ مَعَهُمَا المَلَائِكَةُ المُقَرَّبُونَ لِأُشْهِدَهُمْ عَلَيْكَ. فَقَالَ: نَعَمْ لِيَشْهَدُوا وَأنَا بَأبِي أنْتَ وَأُمِّي أُشْهِدُهُمْ. فَأشْهَدَهُمْ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِأمْرِ جَبْرَئِيلَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِيمَا أقَرَّ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) أنْ قَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ، تَفِي بِمَا فِيهَا مِنْ مُوَالَاةِ مَنْ وَالَى اللهَ وَرَسُولَهَ، وَالبَرَاءَةِ وَالعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَى اللهَ وَرَسُولَهَ وَالبَرَاءَةَ مِنْهُمْ، عَلَى الصَّبْرِ مِنْكَ، وَعَلَى كَظْمِ الغَيْظِ، وَعَلَى ذَهَابِ حَقِّكَ، وَغَصْبِ خُمُسِكَ، وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ... إِلَى آخِرِ الوَصِيَّةِ [الكَافي 1: 281].

نَقُولُ: هَذِهِ الوَصِيَّةُ بِالصَّبْرِ وَعَدَمِ مُقَاتَلَةِ القَوْمِ وَرَدَتْ فِي كُتُبِ أهْلِ السُّنَّةِ أَيْضًا كَمَا وَرَدَتْ فِي كُتُبِ الشِّيعَةِ الإمَامِيَّةِ، الأمْرُ الَّذِي يَكْشِفُ عَنْ تَسَامُعِ الصَّحَابَةِ بِهَا وَهُمْ الَّذِينَ نَقَلُوهَا لِلرُّوَاةِ، وَإِلَّا كَيْفَ وَصَلَتْ هَذِهِ المَرْوِيَّاتُ إِلَى كُتُبِ المُخَالِفِينَ لِأَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ)؟!!

 فَقَدْ رَوَى أحْمَدُ بْنُ حنبل فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَمْرٍو الأسْلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): سَيَكُونُ بَعْدِي اخْتِلَافٌ أوْ أمْرٌ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ السِّلْمَ فَافْعَلْ.

 قَالَ الشَّارِحُ لِلمُسْنَدِ المُحَقِّقُ أحْمَدُ مُحَمَّدٌ شَاكِرٌ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [مُسْنَدُ أحْمَدَ بْنِ حنبل1: 469].

  وَجَاءَ فِي المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ أبِي إدْرِيسَ الأودِيِّ عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِنَّ مِمَّا عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ (ص) أنَّ الأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِي بَعْدَهُ.

  قَالَ الحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.

  وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: صَحِيحٌ. [المُسْتْدَرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ 3: 150].

  وَجَاءَ فِي "إِتْحَافِ الخِيْرَةِ المُهْرَةِ" للبُوصيرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) آخِذٌ بِيَدِي، وَنَحْنُ نَمْشِي فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ أتَيْنَا عَلَى حَدِيقَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ. قَالَ: "لَكَ فِي الْجَنَّةِ أحْسَنُ مِنْهَا". ثُمَّ مَرَرْنَا بِأُخْرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ. قَالَ: "لَكَ فِي الْجَنَّةِ أحْسَنُ مِنْهَا". حَتَّى مَرَرْنَا بِسَبْعِ حَدَائِقَ كُلُّ ذَلِكَ أقُولُ: مَا أحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ، وَيَقُولُ: "لَكَ فِي الْجَنَّةِ أحْسَنُ مِنْهَا". فَلَمَا خَلَا لِي الطَّرِيقُ اعْتَنَقَنِي ثُمَّ أجْهَشَ بَاكِيًا، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: "ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ أقْوَامٍ لَا يُبْدُونَهَا لَكَ إِلَّا مِنْ بَعْدِي. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي؟ قَالَ: "فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِكَ".

  رَوَاهُ أبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ. [إِتْحَافُ الخِيْرَةِ المُهْرَةِ  9: 253]. 

     وَرَوَى يُونُسُ بْنُ حبَّابٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ مَعَنَا، فَمَرَرْنَا بِحَدِيقَةٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ! ألَا تَرَى مَا أحْسَنَ هَذِهِ الحَدِيقَةَ! فَقَالَ: إِنَّ حَدِيقَتَكَ فِي الجَنَّةِ أحْسَنُ مِنْهَا. حَتَّى مَرَرْنَا بِسَبْعِ حَدَائِقَ، يَقُولُ عَلِيٌّ مَا قَالَ، وَيُجِيبُهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِمَا أجَابَهُ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَقَفَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى رَأْسِ عَلِيٍّ وَبَكَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

     قَالَ: ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ قَوْمٍ لَا يُبْدُونَهَا لَكَ حَتَّى يَفْقِدُونِي.

      فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَلَا أضَعُ سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي فَأُبِيدَ

    خُضَرَاءَهَا.

     قَالَ: بَلْ تَصْبِرُ.

     قَالَ: فَإِنْ صَبَرْتُ.

     قَالَ: تُلَاقِي جُهْدًا. 

قَالَ: أفِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِذًا لَا أُبَالِي.

[انْظُرْ: شَرْحَ نَهْجِ البَلَاغَةِ - لِابْنِ أبِي الحَدِيدِ – 4: 107، مُسْنَدُ أبِي يَعْلَى 1: 426، مَجْمَعُ الزَّوَائِدِ 9: 118، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أبُو يَعْلَى وَالبَزَّارُ، وَفِيهِ: الفَضْلُ بْنُ عُمَيْرَةَ، وَثَّقَهُ ابْنُ حَبَّانَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثُقَاتٌ، المُصَنَّفُ - لِابْنٍ أبِي شَيْبَةَ –7: 502، تَارِيخُ بَغْدَادَ12: 394، تَارِيخُ دِمَشْقَ 42: 323و 324، تَهْذِيبُ الكَمَالِ23: 239،  المُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ 3: 150، أخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَصَحَّحَهُ]. 

  وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.