هَلْ تُوجَدُ رَكَاكَةٌ فِي بَلَاغَةِ الصِّيغَةِ الوَارِدَةِ لِحَدِيثِ الكِسَاءِ فِي (مَفَاتِيحِ الجِنَانِ)؟!!

صَادِقٌ أَبُو جَعْفَرٍ: سُؤَالٌ إِلَى الإخْوَةِ المُشْرِفِينَ.. بَعْدَ التَّحِيَّةِ.. لَا أَحَدَ مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَجْهَلُ المَنْزِلَةَ السَّامِيَةَ لِآلِ البَيْتِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَعِنْدَ رَسُولِهِ الأَمِينِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الكِسَاءِ المَعْرُوفِ، وَلَا يُوجَدُ خِلَافٌ عَلَى مَضْمُونِهِ وَمَعْنَاهُ، وَلَكِنَّ صِيغَتَهُ لَا تَرْقَى مِنْ نَاحِيَةِ البَلَاغَةِ وَالفَصَاحَةِ إِلَى كَلَامِهِمْ الَّذِي حَيَّرَ الأَلْبَابَ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ صَادِقٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

     هَذَا الحَدِيثُ مِنْ حَيْثُ المَضْمُونُ هُوَ مِنْ الأَحَادِيثِ المُتَوَاتِرَةِ القَلِيلَةِ فِي تُرَاثِ المُسْلِمِينَ، لِتَسَالُمِ المُسْلِمِينَ عَلَى رِوَايَتِهِ سُنَّةً وَشِيعَةً، وَفِي أَصَحِّ كُتُبِهِمْ، فَقَدْ رَوْاهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، والبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَرَوَاهُ مِنْ الشِّيعَةِ الجَمْعُ الكَثِيرُ، فَهُوَ مِنْ حَيْثُ المَضْمُونُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا مُشْكِلَةَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَبْقَى الكَلَامُ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ المُتَدَاوَلَةِ لَهُ فِي كِتَابِ (مَفَاتِيحِ الجِنَانِ)، نَقُولُ:

     هَذِهِ الصِّيغَةُ لَمْ تَرِدْ بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ يُمْكِنُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ رُوِيَتْ بِالمَعْنَى وَلَيْسَ بِالنَّصِّ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ)، وَقَدْ لَا تَكُونُ حَدِيثًا مَرْوِيًّا أَصْلًا، بَلْ مِنْ تَرْتِيبِ بَعْضِ النَّاسِ، قَالَ الشَّيْخُ الرّيشهْرِيُّ فِي كِتَابِهِ "أَهْلِ البَيْتِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ" مَا نَصُّهُ:

     (شَاعَ أَخِيرًا حَدِيثٌ يَحْمِلُ عُنْوَانَ حَدِيثِ الكِسَاءِ، وَهُوَ وَاهٍ لَا أَسَاسَ لَهُ. وَكَانَ المَرْحُومُ المُحَدِّثُ الْقُمِّيُّ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَوَّلُ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ضَعْفِهِ.

     وَمِنْ العَجِيبِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ عَلَى كِتَابِهِ (مَفَاتِيحِ الجِنَانِ) شَيْئًا، وَدَعَا عَلَى مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ، لَكِنْ نُلَاحِظُ أَنَّ الحَدِيثَ المَذْكُورَ قَدْ أُضِيفَ إِلَيْهِ!

      وَالأَدِلَّةُ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الحَدِيثِ كَثِيرَةٌ، نُشِيرُ فِيمَا يَأْتِي إِلَى بَعْضِهَا:

     1 - لَمْ يَرِدْ هَذَا الحَدِيثُ فِي أَيِّ كِتَابٍ مِنْ الكُتُبِ المُعْتَبَرَةِ لِلفَرِيقَيْنِ، بِمَا فِيهَا الكُتُبُ الَّتِي تَعْمَدُ إِلَى جَمْعِ الأَحَادِيثِ المَنْسُوبَةِ إِلَى أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) كَبِحَارِ الأَنْوَارِ.

      قَالَ المَرْحُومُ المُحَدِّثُ الْقُمِّيُّ فِي كِتَابِ (مُنْتَهَى الآمَالِ) حَوْلَ الحَدِيثِ الشَّائِعِ، بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ تَوَاتُرَ حَدِيثِ الكِسَاءِ:

      (أَمَّا الحَدِيثُ المَعْرُوفُ بِحَدِيثِ الكِسَاءِ الشَّائِعِ فِي عَصْرِنَا بِهَذَا الشَّكْلِ فَلَمْ يُلْحَظْ فِي الكُتُبِ المُعْتَبَرَةِ المَعْرُوفَةِ وَأُصُولِ الحَدِيثِ وَالمَجَامِعِ المُتْقَنَةِ لِلْمُحَدِّثِينَ.. وَجَازَ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ كِتَابِ (المُنْتَخَبِ)).

      2 - إِنَّ أَوَّلَ كِتَابٍ - فِيمَا نَعْلَمُ - نَقَلَ هَذَا الحَدِيثَ بِلَا سَنَدٍ - كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُحَدِّثُ الْقُمِّيُّ - هُوَ كِتَابُ "المُنْتَخَبِ"، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الحَدِيثَ المَذْكُورَ لَا يُلَاحَظُ لَهُ أَثَرٌ فِي كُتُبِ الحَدِيثِ مُنْذُ عَصْرِ صَدْرِ الإِسْلَامِ حَتَّى أَلْفِ سَنَةٍ بَعْدَهُ!

      3 - مِنْ العَجِيبِ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ غَيْرَ المُسْنَدِ وَرَدَ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ "العَوَالِمِ" مُسْنَدًا كَالآتِي:

      (رَأَيْتُ بِخَطِّ الشَّيْخِ الجَلِيلِ السَّيِّدِ هَاشِمٍ، عَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ مَاجِدٍ البَحْرَانِيِّ عَنْ الحَسَنِ بْنِ زَيْنِ الدِّينِ الشَّهِيدِ الثَّانِي، عَنْ شَيْخِهِ المُقَدَّسِ الأرْدَبِيليِّ، عَنْ شَيْخِهِ عَلِيِّ بْنِ العَالِي الكَرَكِيِّ، عَنْ الشَّيْخِ عَلِيِّ بْنِ هِلَالٍ الجَزَائِرِيِّ، عَنْ الشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ فَهْدٍ الْحِلِّيِّ، عَنْ الشَّيْخِ عَلِيِّ بْنِ الخَازِنِ الحَائِرِيِّ، عَنْ الشَّيْخِ ضِيَاءِ الدِّينِ عَلِيِّ ابْنِ الشَّهِيدِ الأَوَّلِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَخْرِ المُحَقِّقِينَ، عَنْ شَيْخِهِ العَلَّامَةِ الْحِلِّيِّ، عَنْ شَيْخِهِ المُحَقِّقِ، عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ نَمَا الْحِلِّيِّ، عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسٍ الْحِلِّيِّ، عَنْ ابْنِ حَمْزَةَ الطُّوسِيِّ صَاحِبِ "ثَاقِبِ المَنَاقِبِ" عَنْ الشَّيْخِ الجَلِيلِ مُحَمَّدِ بْنِ شَهْرِآشُوب، عَنْ الطَّبَرْسيِّ صَاحِبِ "الإحْتِجَاجِ" عَنْ شَيْخِهِ الجَلِيلِ الحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الطُّوسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ شَيْخِ الطَّائِفَةِ، عَنْ شَيْخِهِ المُفِيدِ، عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ قَوْلَوَيْهٍ الْقُمِّيِّ، عَنْ شَيْخِهِ الكُلَيْنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، [عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ] بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ البِزَنْطِيِّ، عَنْ قَاسِمِ بْنِ يَحْيَى الجلاءِ الْكُوفِيِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلُبٍ البَكْرِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدٍ الجَعْفَيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأنْصَارِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:. دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي بَعْضِ الأَيَّامِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا فَاطِمَةُ... "، وَفِيمَا يَأْتِي مُلَاحَظَاتُنَا حَوْلَ السَّنَدِ:

      أَ - المُسْتَنَدُ الوَحِيدُ لِلسَّنَدِ المَذْكُورِ هُوَ كَلَامُ الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ نُورِ الدِّينِ البَحْرَانِيِّ، إِذْ يَقُولُ - عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ -: "رَأَيْتُ بِخَطِّ السَّيِّدِ هَاشِمٍ البَحْرَانِيِّ... ". وَلَكِنْ لَا يُعْلَمُ مَنْ ذَا الَّذِي يَضْمِنُ صِحَّةَ تَشْخِيصِهِ بِأَنَّ الخَطَّ هُوَ خَطُّ السَّيِّدِ هَاشِمٍ البَحْرَانِيِّ حَتْمًا؟

      بِ - لَمْ يَذْكُرْ السَّيِّدُ هَاشِمٌ البَحْرَانِيُّ - المَنْسُوبُ إِلَيْهِ السَّنَدُ - هَذَا الحَدِيثَ فِي كِتَابَيْهِ: "تَفْسِيرِ البُرْهَانِ"، وَ"غَايَةِ المَرَامِ"، مَعَ اهْتِمَامِهِ بِجَمْعِ الأَحَادِيثِ لَا تَصْحِيحِهَا فِي هَذَيْنِ الكِتَابَيْنِ. بَلْ إِنَّ مَا ذَكَرَهُ يُخَالِفُ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ سَنَدًا وَمَتْنًا.

      ج - إِنَّ كَثِيرًا مِنْ المُحَدِّثِينَ الكِبَارِ المَذْكُورِينَ فِي سِلْسِلَةِ السَّنَدِ كَالكُلَيْنِيِّ، وَالطُّوسِيِّ، وَالمُفِيدِ، وَالطَّبَرْسِيِّ، وَابْنِ شَهْرِآشُوب رَوَوْا فِي كُتُبِهِمْ حَدِيثَ الكِسَاءِ بِالشَّكْلِ الوَارِدِ فِي مَتْنِ الكِتَابِ، وَهُوَ لَا يَتَّفِقُ مَعَ الحَدِيثِ الشَّائِعِ.

      د - سِلْسِلَةُ السَّنَدِ المَذْكُورِ لِهَذَا الحَدِيثِ فِي حَاشِيَةِ "العَوَالِمِ" مَلِيئَةٌ بِالإِشْكَالَاتِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى اطِّلَاعٍ عَلَى عِلْمِ الرِّجَالِ يُدْرِكُ سُقْمَهُ بِوُضُوحٍ.

      ه - مَتْنُ الحَدِيثِ يُخَالِفُ جَمِيعَ المُتُونِ المُعْتَبَرَةِ، وَيُضَافُ إِلَيْهِ أَنَّ فِيهِ نِقَاطَ ضَعْفٍ لَا تَخْفَى عَلَى المُتَأَمِّلِ). انْتَهَى [أَهْلُ البَيْتِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، للرّيشهْرِيِّ، ص39 -43]. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.