هَلْ يَجْتَمِعُ النِّفَاقُ مَعَ الصُّحْبَةِ؟

جَلِيلٌ: (وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ مُنَافِقِينَ. يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ: ((المُنَافِقُ: الَّذِي يُظْهِرُ الإِسْلَامَ وَمُتَابَعَةَ الرَّسُولِ، وَيُبْطِنُ الكُفْرَ وَمُعَادَاةَ اللهِ وَرَسُولِهِ)) "طَرِيقُ الهِجْرَتَيْنِ وَبَابُ السَّعادَتَيْنِ" لِابْنِ قَيِّمٍ الجَوزِيَّةِ ص (662). وَبَعْدَ هَذَا البَيَانِ التَّعْرِيفِيِّ لِكَلِمَتَي "الصَّحَابيِّ وَالمُنَافِقِ" نَخْلُصُ إِلَى أَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ لَا مِنْ النَّاحِيَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَلَا مِنْ النَّاحِيَةِ الإصْطِلَاحِيَّةِ، فالصَّحَابيُّ هُو الَّذِي آمَنَ بِالنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَمَاتَ عَلَى الإِسْلَامِ، وَالمُنَافِقُ مَنْ أَظْهَرَ الإِيمَانَ وَأبْطَنَ الكُفْرَ، فَلَا يَتَوَافَقُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابيُّ مُنَافِقًا وَلَا المُنَافِقُ صَحَابِيًّا.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ جَلِيلٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

     1- لَا نَدْرِي كَيْفَ يُفَرِّقُ الإِنْسَانُ بَينَ مَنْ آمَنَ ظَاهِرًا فَتَشَهَّدَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَأَدَّى أَرْكَانَ الإِسْلَامِ، وَبَيْنَ مَنْ آمَنَ حَقِيقَةً فَتَشَهَّدَ الشَّهَادَتَيْنِ وأدَّى أَرْكَانَ الإِسْلَامِ، فَهَلْ شَقَقْتُمْ عَنْ قُلُوبِ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ (ص) فَعَلِمْتُمْ أَنَّ هَذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَظْهَرَ ذَلِكَ كَذِبًا فَكَانَ مُنَافِقًا، وَالآخَرَ آمَنَ حَقِيقَةً فَيَكُونُ صَحَابِيًّا حَتَّى تُثْبِتُوا هَذَا التَّغَايُرَ؟! عِلْمًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) نَهَى أَصْحَابَهُ أنْ يَحْكُمَ أَحَدُهُمْ عَلَى الآخَرِ بِالنِّفَاقِ. كَمَنْ شَرِبَ الخَمْرَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدُّ مِرَارًا، وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حَيْثُ أَنَّهُ تَشَهَّدَ حِينَمَا رَفَعَ أُسَامَةُ السَّيْفَ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ مُدَّعِيًا أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ ظَاهِرًا كَذِبًا وَادِّعَاءً وَخَوْفًا مِنْ القَتْلِ، وَكَذَلِكَ رَمْيُ الْأَنْصَارِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِالنِّفَاقِ حِينَمَا دَافَعَ خَزْرَجِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَي بْنِ سَلُولٍ كَوْنُهُ خَزْرَجِيًّا فَقَالَ الأوْسيُّ لِسَعْدٍ الخَزْرَجيِّ: إنَّكَ مُنَافِقٌ تُدَافِعُ عَنْ المُنَافِقِينَ. وَهَكَذَا الكَثِيرُ مِنْ الشَّواهِدِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ رَسُولِ اللهِ (ص) رَمْيَ الصَّحَابَةِ أحَدًا بِالنِّفَاقِ مَعَ وُجُودِ المُنَافِقِينَ قَطْعًا، بَلْ طَبَّقَ رَسُولُ اللهِ (ص) ذَلِكَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ كَفَّنَ ابْنَ أُبَي بْنِ سَلُولٍ بِقَمِيصِهِ وَدَفَنَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا يُصَلِّي عَلَى الصَّحَابَةِ بِلَا فَرْقٍ، بَلْ بِاهْتِمَامٍ أَكْثَرَ وَتَقْدِيرٍ وَإِكْرَامٍ مُنْقَطِعِ النَّظِيرِ ظَاهِرًا.

      2-  وَكَذَلِكَ نَهَى رَسُولُ اللهِ (ص) لِعِدَّةِ مَرَّاتٍ الصَّحَابَةَ مِمَّنْ يَطْلُبُ قَتْلَ المُنَافِقِينَ وَيُجِيبُهُمْ بِقَوْلِهِ (ص): لَا تَقْتُلُوهُ فَإنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.

      فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ القَيِّمِ هَذَا إِمَّا أنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ (ص) لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ المُنَافِقِ والصَّحَابيِّ فَلَمْ يَعْرِفْ العَرَبِيَّةَ وهُو خَيْرُ مَنْ نَطَقَ بالضَّادِ وَلَا يُتْقِنْ الإصْطِلَاحَ الَّذِي وَضَعَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ والعِيَاذُ باللهِ، أَوْ أَنَّهُ (ص) جَاهِلٌ عِيَاذًا بِاللهِ بِأَنَّ النَّاسَ يُفَرِّقُونَ بَينَ الصَّحَابيِّ وَالمُنَافِقِ وَأَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَلَا يُمْكِنُ الخَلْطُ وَالإشْتِبَاهُ بَيْنَهُمَا؟ وَأَحْلَاهُمَا مَرٌّ!

      3- وُجُودُ نُصُوصٍ صَحِيحَةٍ وَصَرِيحَةٍ وَوَاضِحَةٍ تُثْبِتُ وُجُودَ مُنَافِقِينَ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ أَنْفُسِهِمْ، بِالإِضَافَةِ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رَمْيِ الصَّحَابَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِالنِّفَاقِ، بِالإِضَافَةِ إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ (ص) بِالنَّصِّ الوَاضِحِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ أَوْ التَّأْوِيلَ كَمَا يَرْوِي ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ) 8/122) عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنَّهُ قَالَ: (فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا....) فَكَيْفَ يَجْمَعُ رَسُولُ اللهِ (ص) بَيْنَ مُصْطَلَحَي الصَّحَابيِّ وَالمُنَافِقِ يَا ابْنَ القَيِّمِ؟!

     4 - لَوْ سَلَّمْنَا لِابْنِ القَيِّمِ مَا نَظَّرَ لَهُ وَمَا قَالَهُ فَإِنَّ لَنَا الحَقَّ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ مَعَانِي مَا قَدَّمْنَاهُ فَكَيْفَ سَيُجِيبُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ لَنَا تَسَاؤُلٌ آخَرُ وَهُوَ:

     5 - بِمَاذَا يُفَسِّرُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَسُؤَالَهُ لِحُذَيْفَةَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا عَنْ كَوْنِ رَسُولِ اللهِ (ص) حِينَمَا أَسَرَّ لِحُذَيْفَةَ أَسْمَاءَ المُنَافِقِينَ هَلْ ذَكَرَ اسْمَهُ مَعَهُمْ أَمْ لَا؟ فَهَلْ أَنَّ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ القَيِّمِ أَيْضًا لَا يَعْرِفُ التَّمْيِيزَ بَينَ الصَّحَابيِّ وَالمُنَافِقِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُمَا لَا يَلْتَقِيَانِ فِي مِصْدَاقٍ وَاحِدٍ لُغَوِيًّا وَمُصْطَلَحًا؟! فَنَرْجُو الإِجَابَةَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ وَبَيَانَ كُلِّ مَنْ قَالَ بِإِمْكَانِ اتِّحَادِ مُصْطَلَحِ الصَّحَابيِّ وَالمُنَافِقِ بِأَنَّهُ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ يَتَكَلَّمُ!!

      6- وَنَخْتِمُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ وَلَا تَضْعِيفُهُ حِينَمَا أَطْلَقَ القَوْلَ عَنْ المُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي المَدِينَةِ وَحَوْلَهَا وَأَنَّ الصَّحَابَةَ لَا يَعْرِفُونَهُمْ وَلَا حَتَّى رَسُولِ اللهِ يَعْرِفُهُمْ، وَإِنَّمَا حَصَرَ مَعْرِفَتَهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ) :وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)).

  فَهَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ (ص) وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ يُعَامِلُونَ هَؤُلَاءِ المُنَافِقِينَ عَلَى أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ أمْ عَلَى أَنَّهُمْ صَحَابَةٌ، وَكَيْفَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ الأَمْرُ وَجَهِلُوا أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالمُنَافِقِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ فِي فَرْدٍ وَاحِدٍ؟!! أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ!

  وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.