القرآن نفى بُنوّة أحد للنبي فكيف تدعون بنوة الحسنين له.

يقول بعضهم ممن دسَّ أنفه فيما هو من خصائص الله عزّ ذكرُه: كيف يكون النبيُّ (صلى الله عليه وآله) أباً للحسن والحسين (عليهما السلام) مع أنّ هناك آيةً كريمة تنفي كون النبيّ (صلى الله عليه وآله) أباً لأحدٍ من رجالات المسلمين، وهي قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(١) فبهذه الآية ينتفي كون النبيّ صلى الله عليه وآله أباً للحسن والحسين (عليهما السلام). 

: السيد مهدي الجابري الموسوي

الخطوة الأولى: بيان معنى الأب في اللغة.

الأب لغةً: الوالد والجَدُّ، ويطلق كذلك على العَمِّ، وعلى صَاحب الشيء، وعلى من كان سببًا في إيجاد شيء أَو ظهوره أو إِصلاحه. والجمع: آباء(٢).

 والشاهد على أنّ معناها يشمل الوالد والجد والعم قوله عزّ ذكره: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي)(٣). وكذا قوله تعالى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(٤)، فإبراهيم جد يعقوب، وإسماعيل عمّه. ومع ذلك قيل له:(آبَائِكَ).

وقال بعض المحققين: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو التربية والتغذية, وبلحاظ هذا المفهوم يوجد للأب مصاديق حقيقيّة كثيرة: كالوالد، والجدّ، والعم، وغيرهم من أولياء التربية(٥)، ودلَّ على ذلك جملة من آيات القرآن الكريم:

١– فمن معاني كلمة (أب) في القرآن (الجدّ)، حيث قال عزّ وجلّ: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ)(٦)، وقوله تعالى: (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ)(٧)، وقوله سبحانه: (كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)(٨)، وقوله عزّ ذكره: (قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا)(٩).

٢-ومن معانيها (الوالد): قال عزّ ذكره:(وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ)(١٠)، وقال سبحانه:(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)(١١).

٣– ومن معانيها (العم): قال عزّ من قائل: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ)(١٢)، وقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ)(١٣). 

وبناءً على ما تقدّم من الكلام حول المعنى اللغوي والاصطلاح القرآني لكلمة (الأب)، يتبيّن أنَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو أب للحسنِ والحسينِ (عليهما السلام )على الحقيقة وذلك من جهة كونه (صلى الله عليه وآله) جداً لهما (عليهما السلام)، وكونه سبباً في وجودهما. 

الخطوة الثانية: في بيانِ سببِ نزول قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ).

قُلت: أجمع المفسرون شيعةً وسنةً على أنَّ قوله سبحانه: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، نزلتْ في زيد بن حارثة؛ لأنّهم كانوا يُسمونه: زيد بن محمد, فبيّنَ الله عزّ ذكره أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليس ب‍ (أبِ أحدٍ) من رجالهم، وإليك المصادر التي بيّنتْ ذلك بوضوح: 

١-تفسير الطبري: القول في تأويل قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب ٤٠)، يقول -تعالى ذكره-: ما كان -أيّها الناس-محمدٌ أبا زيد بن حارثة، ولا أبا أحدٍ من رجالكم الذين لم يلدهم محمد؛ فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها، ولكنّه رسول الله وخاتم النبيين... حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) قال: نزلت في زيد، إنّه لم يكن بابنه، ولعمري ولقد ولد له ذكور؛ إنّه لأبو القاسم وإبراهيم والطيب والمطّهر... حدّثني محمد بن عمارة قال: ثنا علي بن قادم قال: ثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوق، عن علي بن الحسين في قوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) قال: نزلت في زيد بن حارثة)(١٤).

٢-تفسير ابن كثير: وقوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ)، نهى تعالى أنْ يقال بعد هذا: "زيد بن محمد" أي: لم يكن أباه وإن كان قد تبنّاه(١٥).

٣-تفسير القرطبي: قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، لمّا تزوج (النبي) زينب قال الناس: تزوج امرأة ابنه، فنزلت الآية، أي ليس هو بابنه حتى تحرم عليه حليلته، ولكنّه أبو أمته في التبجيل والتعظيم، وأنّ نساءه عليهم حرام. فأذهب الله بهذه الآية ما وقع في نفوس المنافقين وغيرهم، وأعلمَ أنّ محمداً لم يكن أبا أحدٍ من الرجال المعاصرين له في الحقيقة. ولم يقصد بهذه الآية أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن له ولد، فقد وُلد له ذكور. إبراهيم، والقاسم، والطيّب، والمطّهر، ولكن لم يعش له ابنٌ حتى يصير رجلاً. وأما الحسن والحسين فكانا طفلين، ولم يكونا رجلين معاصرين له)(١٦).

قلت: لا شك في أنّ الآية مسوقة لدفع اعتراض مَن اعترض على النبي صلى الله عليه وآله بأنّه تزوّج زوجة ابنه (زيد)، في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليس أباً ل(زيد) ولا أباً لأحدٍ منهم ممن بلغ مبلغ الرجال وفي زمن الخطاب، فالخطاب في الآية الشريفة كان موجّهاً إلى الرجال المعترضين و(زيد) -كما لا يخفى-من رجالهم، فقال سبحانه (مِنْ رِجَالِكُمْ) ولم يقل: (من رجالكم ورجاله أي أبناء النبي)، فخرج بذلك رجاله (صلى الله عليه وآله) فلا يقال بعد ذلك: أ لم يكن أباً للقاسم والطاهر والطيّب وإبراهيم! علماً أنّ الآية لا تشمل أبناءه؛ لأنهم ماتوا قبل بلوغهم مبلغ الرجال. 

ونفي أُبوة النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن (زيد) إنّما هو نفيٌ تكوينيٌّ لا تشريعي لقوله (صلى الله عليه وآله) مخاطباً أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): (يا عليّ! أنا وأنت أبَوا هذه الأمة)(١٧). ولذلك يُسمَّى النبيّ (صلى الله عليه وآله) (أبا المؤمنين)، قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)(١٨)، وفى بعض القراءات: وهو أب لهم... وقوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) إنّما هو نفي الولادة وتنبيهٌ أنّ التبنّي لا يجرى مجرى البُنوّة الحقيقية (١٩).

فالأبوّة التشريعيّة ثابتة للمؤمنين، وأمّا التكوينية فمنفية عنهم؛ لذا جاز للنبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يتزوج زوجة زيد من بعده، فيكون معنى الآية بهذه الصيغة: ليس محمد (صلى الله عليه وآله) أبا أحدٍ من هؤلاء الرجال الذين هم رجالكم حتى يكون زواجه بزوج أحدهم بعده تزوُّجاً منه بزوج ابنه، فزيد أحد هؤلاء الرجال، فتزوُّجه بعد تطليق زيدٍ لها ليس تزوُّجاً بزوجة الابن حقيقة، وأمّا تبني الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لزيدٍ فإنّه لا يترتب عليه شيء من آثار الأبوّة والبنوّة؛ لقوله عزّ من قائل: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)(٢٠).

قال الزمخشري في (الكشاف): (أي لم يكن أبا رجلٍ منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح، ولكن كان رَسُول الله وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه، لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء، وزيد واحدٌ من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة؛ فكان حكمه حكمكم، والادّعاء والتبنّي من باب الاختصاص والتقريب لا غير...

فإن قلت: أما كان أباً للطاهر والطيّب والقاسم وإبراهيم؟ قلت: قد أُخرجوا من حكم النفي بقوله: (مِّن رّجَالِكُمْ) من وجهين، أحدهما: أنّ هؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال. والثاني: أنّه قد أضاف الرجال إليهم، وهؤلاء رجاله لا رجالهم. فإن قلت: أما كان أباً للحسن والحسين؟ قلت: بلى، ولكنّهما لم يكونا رجلين حينئذ، وهما أيضاً من رجاله لا من رجالهم(٢١).

ومما تقدم يُستنتج أنّ الآية الشريفة ليست بصدد نفي أبوته (صلى الله عليه وآله) للحسنين (عليهما السلام) لما تقدم من كون الآية خاصة بالرجال الموجودين في زمن الخطاب.

إذن فهذه الآية من قوله عزّ ذكره:(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(٢٢) لا تشمل الإمامين الحسنين (عليهما السلام) لما ذكره المفسّرون والمحدِّثون من علماء أهل السنة لخروجهما عن مضمون الآية الشريفة بصغر سنهما حين نزول الآية الكريمة، وأنّ الخطاب فيها لمن كان في مبلغ الرجال، وهما (عليهما السلام) على ما عرفت ليسا من رجالهم بل من رجال النبي (صلى الله عليه وآله).

الخطوة الثالثة: آية المباهلة أدلّ دليل على بنوة الحسن (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله)

قال عزّ ذكره:(فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(٢٣).

جاء في هذه الآية الشريفة لفظ (أَبْنَاءَنَا) وقد ثبت متواتراً عند جمهور المسلمين أنَّ المقصود بذلك هما الحسن والحسين (عليهما السلام) فهما أبناء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بنص القرآن.

وقد روى هذا الخبر جمٌّ غفير، وجهَر به جمع كثير من كبار الصحابة والتابعين وتبع التابعين، وسأتلو عليك ذكر بعضهم:

١-  أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(٢٤).

٢- عبد الله بن عباس(٢٥).

٣- جابر بن عبد الله الأنصاري(٢٦).

٤- سعد بن أبي وقاص(٢٧).

٥-  سعيد بن زيد(٢٨).

٦- جَدُّ سلمة بن يشوع(٢٩).

٧- زيد بن علي بن الحسين(٣٠).

٨- علباء بن أحمر اليشكري(٣١).

٩- الشعبي(٣٢).

١٠- الحسن البصري(٣٣).

١١-  شهر بن حوشب(٣٤).

١٢- ابن جريج المكي(٣٥).

١٣- مقاتل بن سليمان(٣٦).

١٤- الكلبي(٣٧).

١٥- السدي(٣٨).

١٦- قتادة(٣٩).

١٧- عبد الرحمن بن زيد(٤٠).

فهل يا ترى يجرؤ أصحاب الشبهة على القول بأنّ هذه الآية تتنافى وتلك الآية التي قال فيها الحق سبحانه: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(٤١)؟!

وأنت كما ترى أنّ آية المباهلة تثبت بنوّة الحسنين (عليهما السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله)، وتثبت أيضاً أنّ المقصود من قول الحق تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) هم رجال المخاطبين في زمن النزول، وليس منهم رجال النبي (صلى الله عليه وآله)، على فرض وجودهم. ألا ترى قوله عزّ ذكره في آية المباهلة (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا) كان خطاباً للنبي (صلى الله عليه وآله)، وهو يدل على أنّه ليس أباً لأحدٍ من رجالهم، وإنّما هو أبٌ لرجاله، وإلّا لما خوطب من قبل الله سبحانه أنْ يدعو أبناءه!!.

الخطوة الرابعة: توجّه الإشكال إلى البخاري لإثباته بنوة الحسن (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله).

أقول: انقلبت الآية وأصبحنا نحن الذين نوجِّه الإشكال ولسنا الذين يُشْكَلُ علينا, فهم أمام خيارين, إمّا أن يأخذوا بنص كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، وبذلك يحق الحق, وإمّا أن يوجّهوا الطعن إلى كتاب البخاري الذي زُعِمَ أنّه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، فالبخاري يثبت في صحيحه بنوة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) حيث روى في صحيحه بسندٍ ينتهي إلى أبي بكرة أنّه قال: أَخْرَجَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله)  ذَاتَ يَوْمٍ الحَسَنَ، فَصَعِدَ بِهِ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: (ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ)(٤٢).

فنقول: إنّ هذا الحديث المروي في صحيح البخاري جاء فيه أنّ الحسن عليه السلام ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى لسانه (صلى الله عليه وآله)، وهذا لنا لا علينا، كما أثبتنا ذلك بالأدلة والبراهين، وإليه ذهب جمعٌ من علماء المسلمين عدا منْ شذّ كأصحاب الشبهة المثارة في المقام، فإنّ ما أشكلوا به يرِدُ عليهم، بل وروده عليهم أولى باعتبار صحَّة أحاديث البخاري عندهم، فيقال لهم: إنّ قوله عزّ ذكره: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(٤٣) على زعمكم ينفي بنوة الحسنين (عليهما السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله)، إلّا أنّ البخاري أثبت في صحيحه بروايته عن أبي بكرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الحسن (عليه السلام) ابني.. فماذا أنتم قائلون؟! 

فهم أمام هذا الإشكال لهم ثلاث خيارات:

١– إمّا الطعن بكتاب الله عزّ وجلّ، ولا سبيل لهم إلى ذلك البتة.

٢– وإمّا الطعن بصحيح البخاري, ولا سبيل لهم إلى ذلك أيضاً؛ لما زعموا من أنّه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.

٣– وإمّا الرضوخ للحق، وهو أن الحسن والحسين (عليهما السلام) ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنص الكتاب والسنة المتواترة، وأنّ الآية الشريفة ليست بصدد نفي بنوتهما (عليهما السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله)، بل كما ثبت بالدليل الذي عليه علماء المسلمين أنّها نزلت في نفي أبوة النبي (صلى الله عليه وآله) لزيد بن حارثة، وإنما هو في رجال غير النبي (صلى الله عليه وآله).

فمن رفضها جميعاً فعند ذاك يثبت عند نفسه وعند الجميع أنّه معاند مكابر، وأنّه حريٌّ بالإشفاق –لغلبة الأهواء عليه– بدل الحوار والمناظرة، وأنّ الإعراض عنه هو المطلوب شرعاً وعقلاً، امتثالاً لقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)(٤٤)..

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) سورة الأحزاب: آية ٤٠.

(٢) المعجم الوسيط، ٤.

(٣) سورة يوسف: آية ٣٨.

(٤) سورة البقرة: آية ١٣٣.

(٥) انظر: التحقيق في كلمات القرآن –للعلامة المصطفوي- ١: ٣٠.

(٦) سورة يوسف: آية ٣٨.

(٧) سورة يوسف: آية ٦.

(٨) سورة الأعراف: آية ٢٧.

(٩) سورة البقرة: آية ١٣٣.

(١٠) سورة النساء: آية ١١.

(١١) الآية السابقة.

(١٢) سورة التوبة: آية ١١٤.

(١٣) سورة الانعام: آية ٧٤.

(١٤) تفسير الطبري، ٢٠: ٢٧٨.

(١٥) تفسير ابن كثير، ٦: ٤٢٨.

(١٦) تفسير القرطبي، ١٤: ١٩٦.

(١٧) ينابيع المودة –للقندوزي– ١: ٣٧٠، كمال الدين وتمام النعمة –للشيخ الصدوق- ص٢٦١، معاني الأخبار، ص٥٢، مناقب آل أبي طالب –لابن شهراشوب- ٢: ٣٠٠, عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار-لابن بطريق- ص٣٤٥، سعد السعود –لابن طاووس- ص٢٧٥، بحار الأنوار، ١٦: ٩٥.

(١٨) سورة الأحزاب: آية ٦.

(١٩) المفردات في غريب القرآن –الراغب الأصفهاني- ص٧.

(٢٠) سورة الأحزاب: آية ٤.

(٢١) تفسير الكشاف00 ٣: ٥٤٤.

(٢٢) سورة الأحزاب: آية ٤٠.

(٢٣) سورة آل عمران: آية ٦١.

(٢٤) تاريخ دمشق –لابن عساكر- ٤٢: ٤٣١.

(٢٥) دلائل النبوة –لأبي نعيم– ١: ٣٥٤، الدر المنثور –للسيوطي- ٢: ٢٣١ – ٢٣٢.

(٢٦) زاد المسير –لابن الجوزي-١: ٢٨٩، الدر المنثور, ٢: ٢٣١، الشريعة –للآجري-٥: ٢٢٠١, فتح القدير–للشوكاني-١: ٣٩٨.

(٢٧) صحيح مسلم, ٤: ١٨٧١/ح٢٤٠٤، تفسير ابن المنذر، ١: ٢٢٩.

(٢٨) تفسير الطبري، ٦: ٤٨٢.

(٢٩) دلائل النبوة –لأبي نعيم- ٥: ٣٨٥ و٣٨٨، السيرة النبوية –لابن كثير- ٤: ١٠١ و١٠٣.

(٣٠) تفسير الطبري، ٦: ٤٨٠.

(٣١) تفسير الطبري، ٦: ٤٨٢، إمتاع الأسماع –للمقريزي- ١٤: ٦٧ و٦٩.

(٣٢) تفسير ابن أبي حاتم، ٢: ٦٦٧، الدر المنثور، ٢: ٢٣٢، الشريعة –للآجري- ٥: ٢٢٠١.

(٣٣) تفسير ابن أبي حاتم، ٢: ٦٦٧.

(٣٤) الشريعة، ٥: ٢٢٠٣.

(٣٥) تفسير ابن المنذر، ١: ٢٢٩، شرف المصطفى –للخركوشي- ٥: ٣٦٧.

(٣٦) تفسير مقاتل بن سليمان، ١: ٢٨٢، إلا أنه أضاف عائشة وحفصة.

(٣٧) تفسير ابن أبي زمنين، ١: ٢٩٢.

(٣٨) تفسير الطبري، ٦: ٤٨١، تفسير ابن أبي حاتم، ٢: ٦٦٧، المحرر الوجيز (تفسير ابن عطية)،١: ٤٤٩.

(٣٩) تفسير الطبري، ٦: ٤٨١.

(٤٠) تفسير الطبري، ٦: ٤٨٢.

(٤١) سورة الأحزاب: آية ٤٠.

(٤٢) صحيح البخاري، ٤: ٢٠٤، ح٣٦٢٠.

(٤٣) سورة الأحزاب: آية ٤٠.

(٤٤) سورة الأعراف: آية ١٩٩.