هَلْ يُوجَدُ تَزْوِيرٌ وَتَزْيِيفٌ فِي كُتُبِ التَّأْرِيخِ؟!!

التَّأْرِيخُ الإِسْلَامِيُّ وَصَلَنَا عَنْ طَرِيقِ مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ، وَلَمْ نَحْصُلْ عَلَى أَيِّ تَأْرِيخٍ لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُنَا التَّأَكُّدُ أَنَّ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا لَيْسَ مَزُورًا؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ المُحْتَرَمُ.. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

      هَذِهِ الدَّعْوَى بِأَنَّ كُتُبَ التَّأْرِيخِ الإِسْلَامِيِّ وَصَلَتْنَا عَنْ طَرِيقِ مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ لَيْسَتْ تَامَّةً، فَالمَعْرُوفُ أَنَّ التَّأْرِيخَ الإِسْلَامِيَّ كَتَبَهُ أَهْلُ السُّنَّةِ دُونَ الشِّيعَةِ، وَقَدْ كَتَبُوهُ بِطَرِيقَةٍ تُنَاغِمُ مَذَاهِبَهُمْ وَعَقَائِدَهُمْ، وَقَدْ دَخَلَهُ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ الكَثِيرُ مِنْ الدَّسِّ وَالتَّزْيِيفِ وَالتَّحْرِيفِ، وَكَشَاهِدٍ عَلَى هَذَا الكَلَامِ عَلَيْكَ بِمُطَالَعَةٍ يَسِيرَةٍ لِكِتَابِ "الغَدِيرِ" لِلعَلَّامَةِ الأَمِينِيِّ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ حَتَّى تَعْرِفَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ.. وَلِنَأْخُذَ "تَارِيخَ الطَّبَرِيَّ" أُنمُوذَجًا لِهَذِهِ الكُتُبِ:

      يَقُولُ الشَّيْخُ الأَمِينِيُّ فِي الجُزْءِ الثَّامِنِ مِنْ كِتَابِهِ: 

    ((شَوَّهَ الطَّبَرِيُّ تَارِيخَهُ بِمُكَاتَبَاتِ السِّرِّيِّ الكَذَّابِ الوَضَّاعِ، عَنْ شُعَيْبٍ المَجْهُولِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ، عَنْ سَيْفٍ الوَضَّاعِ، المَتْرُوكِ، السَّاقِطِ، المُتَّهَمِ بِالزَّنْدَقَةِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي صَفَحَاتِهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ المُشَوَّهِ (701) رِوَايَةٌ وُضِعَتْ لِلتَّمْوِيهِ عَلَى الحَقَائِقِ الرَّاهِنَةِ فِي الحَوَادِثِ الوَاقِعَةِ مِنْ سَنَةِ 11 إِلَى 37 عَهْدُ الخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ فَحَسْب. 

      وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الوَعِرِ فِي أَجْزَاءِ الكِتَابِ كُلِّهَا غَيْرُ حَدِيثٍ وَاحِدٍ ذَكَرَهُ فِي السَّنَةِ العَاشِرَةِ، وَإِنَّمَا بَدَأَ بِرِوَايَةِ تِلْكُمْ المَوْضُوعَاتِ مِنْ عَامِ وَفَاةِ النَّبِيِّ الأَقْدَسِ، وَبَثَّهَا فِي الجُزْءِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالخَامِسِ، وَانْتَهَتْ بِاِنْتِهَاءِ خَامِسِ الأَجْزَاءِ.

      ذَكَرَ فِي الجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ (ص 210) فِي حَوَادِثِ سَنَةِ (11) 67 حَدِيثًا.

      أَخْرَجَ فِي الجُزْءِ الرَّابِعِ فِي حَوَادِثِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَ 427 حَدِيثًا.

      أَوْرَدَ فِي الجُزْءِ الخَامِسِ فِي حَوَادِثِ السَّنَةِ ال (23 37) 207 حَدِيثًا. 

      المَجْمُوعُ: 701.

  وَمِمَّا يَهُمُّ لَفْتُ النَّظَرِ إِلَيْهِ أَنَّ الطَّبَرِيَّ مِنْ صَفْحَةِ (210) مِنْ الجُزْءِ الثَّالِثِ إِلَى (ص 241) يَرْوِي عَنْ السِّرِّيِّ بِقَولِهِ: حَدَّثَنِي المُعَرّبُ عَنْ السَّمَاعِ مِنْهُ. وَمِنْ (ص 241) يَقُولُ: كَتَبَ إِلَيَّ السِّرِّيُّ، إِلَى آخِرَ مَا يَرْوِي عَنْهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الجُزْءِ الرَّابِعِ (ص 82 يَقُولُ فِيهِ: (حَدَّثَنَا)).

  يَقُولُ الأَمِينِيُّ: ((وَلَسْتُ أَدْرِي أَنَّ السِّرِّيَّ، وَسَيْفَ بْنِ عُمَرَ هَلْ كَانَ عِلْمُهُمَا بِالتَّأْرِيخِ مَقْصُورًا عَلَى حَوَادِثِ تِلْكُمْ الأَعْوَامِ المَحْدُودَةِ فَقَطْ؟ وَمِنْ حَوَادِثِهَا عَلَى مَا يَرْجِعُ إِلَى المَذْهَبِ فَحَسْب لَا مُطْلَقًا؟ أَوْ كَانَتْ مَوْضُوعَاتُهُمَا تَنْحَصِرُ بِالحَوَادِثِ الخَاصَّةِ المَذْهَبِيَّةِ الوَاقِعَةِ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ مِنْ السِّنِينَ المَعْلُومَةِ؟ لِكَوْنِهَا الحَجَرَ الأَسَاسَ فِي المَبَادِئِ وَالآرَاءِ وَالمُعْتَقَدَاتِ، وَقَدْ أَرَادُوا خَلْطَ التَّارِيخِ الصَّحِيحِ وتَعْكِيرَ صَفْوِهِ بِتِلْكُمْ المُفْتَعَلَاتِ تَزَلُّفًا إِلَى أُنَاسٍ، واخْتِذَالًا عَنْ آخَرِينَ، وَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ يَجِدُهَا نَسِيجَ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَوَلِيدَ نَفَسٍ وَاحِدٍ، وَلَا أَحْسَبُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَخْفَى عَلَى مِثْلِ الطَّبَرِيِّ، غَيْرَ أَنَّ الحُبَّ يُعْمِي وَيُصِمُّ)).

      ثُمَّ يَقُولُ الأَمِينِيُّ: ((وَقَدْ سَوَّدَتْ هَاتِيكَ المخَارِيقُ المُخْتَلَقَةُ صَحَائِفَ تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَكَامِلِ ابْنِ الأثِيرِ، وَبِدَايَةِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَتَارِيخِ ابْنِ خَلْدُون، وَتَارِيخِ أَبِي الفِدَاءِ إِلَى كُتُبِ أُنَاسٍ آخَرِينَ اقْتَفَوْا أَثَرَ الطَّبَرِيِّ عَلَى العَمَى، وَحَسِبُوا أَنَّ مَا لَفَّقَهُ هُوَ فِي التَّارِيخِ أَصْلٌ مُتَّبَعٌ لَا غَمزَ فِيهِ، مَعَ أَنَّ عُلَمَاءَ الرِّجَّالِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَزْيِيفِ أَيِّ حَدِيثٍ يُوجَدُ فِيهِ أَحَدٌ مَنْ رِجَالِ هَذَا السَّنَدِ، فَكَيْفَ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي إِسْنَادِ رِوَايَةٍ.. والتَّآلِيفُ المُتَأَخِّرَةُ اليَوْمَ المَشْحُونَةُ بالتَّافِهَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ وَلَائِدِ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ كُلُّهَا مُتَّخَذَةٌ مِنْ هَذِهِ السَّفَاسِفِ الَّتِي عَرَفْتَ حَالَهَا وَسَنُوقِفُكَ عَلَى نَمَاذِجَ مِنْهَا فِي الجُزْءِ التَّاسِعِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى)). انْتَهَى [الغَدِيرُ 8: 328].

  وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.