بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).

:

عاش الإمام علي (عليه السلام) مرحلة جديدة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)..

مرحلة أغمد فيها سيفه وأبرز فيها علمه ..

فلم يشارك فيما سمّي بحروب الردة ..

ولم يشارك في قتال مانعي الزكاة ..

ولم يشارك في أي من الغزوات التي وجّهت الى الروم وبلاد فارس وغيرها من الأماكن ..

وموقف الإمام هذا إنما يثير الشبهات حول شرعية هذه الحروب.

ويؤكد من جهة أخرى أن لديه المبررات الشرعية التي تجعله يعتزلها.

ويشير أيضاً الى وجود أزمة بين الإمام والخلفاء الثلاثة لم تشر الروايات إلى تفاصيلها بل حاولت التعتيم عليها(1).

وما يؤكّد هذا الاستنتاج أن الإمام صاحب الدور الجهادي البارز في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) كان لابد وأن يكون له دوره في دائرة هذه الحروب..

إلا أن عدم مشاركته في هذه الحروب يؤكد الأمرين:

الأول: عدم شرعية هذه الحروب..

الثاني: وجود موقف من الخلفاء..

إلا أن سيف الإمام الذي لم يشهر طوال عهد الخلفاء الثلاثة شهر فيما بعد في وجه أهل القبلة وعلى رأسهم عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) ورموز الصحابة.

وهذا الأمر إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنه يملك المبرّر الشرعي الذي يبيح له قتال هؤلاء...

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل كانت هذه الحروب التي خاضها الإمام في مواجهة أهل القبلة لها صلة بدوره الجهادي..؟

أو السؤال بصيغة أخرى: هل هذه الحروب هي امتداد لدوره كسيف الله المسلول؟

وهل كانت في صالح الإسلام؟

والجواب يمكن في النبوءات التي جاءت على لسان النبي بخصوص الإمام والتي تتعلق بمرحلة ما بعد وفاته (صلى الله عليه وآله).

مثل نبوءة خاصف النعل..

ونبوءة القتال على تأويل القرآن..

ونبوءة قتال الناكثين والقاسطين والمارقين..

وجاء على لسان الإمام علي (عليه السلام) قوله: إن مما عهد اليَّ النبي (صلى الله عليه وآله) أن الأمة ستغدر بي بعده(2).

وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) لعلي (ع): أما أنك ستلقى بعدي جهداً..

قال علي(ع): في سلامة من ديني..؟

قال: في سلامة من دينك(3).

ويظهر لنا من خلال هذه النبوءات أن هناك عدة قوى سوف تواجه الإمام..

والسؤال هنا لماذا اختصّ الإمام علي (عليه السلام) بمواجهة هذه القوى؟

ولماذا اصطدمت به هذه القوى دون غيره؟

إن الإجابة على هذين السؤالين تظهر واضحة من خلال النبوءات السابقة التي تؤكد أن دور الإمام علي (عليه السلام) هو استمرار لدور الرسول.

وتؤكد من جهة أخرى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد بارك هذا الدور وأضفى عليه المشروعية..

ومن هنا يتبين لنا استمرار سيف الله المسلول في القيام بدوره في مواجهة هذه القوى التي انحصرت في دائرة الناكثين والقاسطين والمارقين..

_____________

(1) انظر لنا كتاب (السيف والسياسة).

(2) مستدرك الحاكم ج 3، باب من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، حديث رقم 4676 ، وانظر الخصائص الكبرى للسيوطي، وسبل الهدي والرشاد.

(3) مسند البزار ج 2، باب ومما روي أبو عثمان النهدي، عن علي، ومسند أبي يعلي الموصلي ج 1 مسند علي بن أبي طالب ومستدرك الحاكم حديث رقم 4677، وانظر الخصائص الكبرى وسبل الرشاد.