ردٌّ على إشكال حول قوله تعالى: ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ).

جواد/العراق/: لي صديقُ في الجامعة حصل بيني وبينه نقاش حول القرآن الكريم فقال: القرآن ليس هو الكتاب الذي لا ريب فيه كما ذكر فيه {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة1) لأنّ كلمة (ذلك) معناها كتاب آخر غير هذا القرآن ولو كان المقصود القرآن الكريم لقال: (هذا الكتاب لا ريب فيه)، وأريد أن أرد عليه جزاكم الله وأثابكم.

: اللجنة العلمية

الأخ جواد المحترم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

نتمنى من كل شخص يُشكل على آيات القرآن الكريم أن يكون ملمّاً باللغة العربية وعلم البلاغة ، حتى لا يكشف عن جهله ؛ لأنّ القرآن الكريم نزل بلغة العرب وبلاغتهم ، وعلم البلاغة هو من العلوم التخصّصية الصعبة ، وحالها حال علوم الطب والهندسة إن لم تكن أصعب منها ، بدليل أنك تجد عشرات ألآلاف من الأطباء والمهندسين في العالم ، ولكنك لا تجد متخصّصاً في البلاغة إلّا القليل جدّاً ، لصعوبة التخصّص في هذا العلم ، ومن هنا كان إعجاز القرآن الكريم هو في بلاغته ، ومازال صوت الحق يصدح في آذان العالم أن يأتوا بسورةٍ من مثله بلاغيّاً فتراهم عاجزين. 

وعلى أية حال ، إن استعمال اسم الإشارة ( ذلك ) في هذا المورد يدلّ على التعظيم بلاغيّاً ؛ لأنّ أسماء الإشارة لغة يستفاد منها الإشارة للقريب والبعيد والمتوسط ، ولكن مع ذاك توجد فيها أغراض بلاغية زيادة على استعمالها اللغوي أشار اليها علماء البلاغة ، قال التفتازاني في كتابه (مختصر المعاني، ص53) عند حديثه عن اسم الإشارة : ( أمثال هذه المباحث تنظر فيها اللغة ، من حيث إنها تبيّن أن هذا مثال للقريب ، وذاك للمتوسط ، وذلك للبعيد ، وعلم المعاني من حيث إنه إذا أريد بيان قرب المسند إليه يؤتى بهذا وهو زائد على أصل المراد الذي هو الحكم على المسند إليه المذكور المعبّر عنه بشئ يوجب تصوره على أي وجه كان (أو تحقيره) أي تحقير المسند إليه (بالقرب نحو :هذا الذي يذكر آلهتكم، أو تعظيمه بالبعد نحو : آلم ذلك الكتاب) تنزيلا لبعد درجته ورفعة محله منزلة بعد المسافة (أو تحقيره بالبعد كما يقال ذلك اللعين فعل كذا) تنزيلا لبعده عن ساحة عز الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة) انتهى 

ومنه نفهم أن الغرض من استعمال اسم الإشارة في قوله تعالى: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة1) هو للتعظيم تنزيلاً لبعد درجته ورفعة محله لا أنه إشارة للبعيد الحقيقي . 

ودمتم سالمين.