لماذا الله لم يخلقني من الأنبياء او اهل البيت (ع)؟

السلام عليكم انا دائماً يدور في ذهني لماذا الله لم يخلقني من الأنبياء او اهل البيت ع وانا من نسل النبي ابراهيم وإسماعيل ع لو كان اعطاني العصمة والطهارة لكنت صرت وحتى ابكي واعاتب الله كثيراً اذا الله قادر مقتدر وانما امره اذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون فا مايعجزة ان يجعلني ويخلقني من اهل البيت ع ارجو الإجابة لماذا لم يخلقني منهم وفي زمنهم هل لحكمة ما او لماذا وجزاكم الله خيراً

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك أمور خارجة بالضرورة عن إرادة الإنسان، ومنها أصل وجوده في الدنيا، وفي أي زمان ومكان، ومن أي أم واب، ومتى يموت ويغادر الدنيا، فكل ما هو خارج عن إرادة الإنسان خارج بالضرورة عن إطار مسؤوليته، وليس من المنطق ابداً أن يشغل الإنسان نفسه بما هو خارج عن إرادته، فالإنسان مطالب بالتفكير والتحرك الفعلي من النقطة التي تبدا فيها إرادته، والتمايز الحقيقي بين البشر يعود في الأساس إلى تقدير كل واحد منهم لظرفه الموضوعي وإمكاناته الفعلية ومن ثم التفكير الجدي في استغلالها إلى اقصى مدى في حياته، فالإنسان الناجح هو الذي يعمل على تسخير ما عنده من إمكانات بينما الفاشل تجده في حالة انتظار دائم لحدوث معجزة ما لتغير له حياته، ولذلك نجد أن من اهم أسباب التفريط في المسؤوليات هو الانتظار لقدرات إضافية من دون استغلال القدرات الفعلية، والأمثلة التي تؤكد ذلك كثيرة ففي كل مجال من مجالات الحياة تجد الناجح والفاشل، فلو اتخذنا الرياضة البدنية كمثال توضيحي، فكل إنسان بإمكانه تطوير نفسه في أي مجال من مجالات الرياضة التي يحبها، إلا أن البعض يكتفي بالتمني والبعض الآخر يعمل بكل جهده لتسخير طاقاته وقدرات للوصول للمستوى الذي يطمح إليه، وعندما يجد صاحب التمني نفسه لم يحصل على شيء تجده مباشرة يلقي اللوم على القدر الذي لم يخلقه رياضي محترف، فمن يحب مثلاً أن يكون مفتول العضلات لابد أن يمارس رياضة كمال الاجسام ولا يقول لماذا لم يخلقني الله مثل اللاعب المصري (بيك رامي) الفائز بمستر أولمبيا، والحال نفسه في الأمور الروحية والمعنوية والعلمية، فمثلاً إذا أراد الإنسان أن يكون عالماً كبيراً ومرجعاً للمؤمنين، فما عليه إلا بزل الجهد في طلب العلم وتهذيب النفس وتحقيق العبودية، وليس من العقل أن يترك كل ذلك ثم يطالب من الله أن يخلقه نبياً أو إماماً معصوماً، فقول السائل: (انا دائماً يدور في ذهني لماذا الله لم يخلقني من الأنبياء او اهل البيت) ففي الواقع لا تدور هذه الأسئلة في الذهن؛ لأن الذهن والعقل لا يفكر بهذا الشكل، وإنما هي تدور في النفس التي تجعل صاحبها بعيداً عن تحمل مسؤولياته الدينية، فأي إنسان لم يتحمل مسؤوليته أتجاه ما عنده من إمكانات لن يتحملها ايضاً اتجاه الإمكانات الخاصة بالنبوة والإمامة، فحتى لو فرضنا جدلاً أن الله خلقه نبياً أو اماماً فإنه سوف يكون مقصراً أيضاً في تحمل مسؤولية النبوة والإمامة، فالأمر لا علاقة له بقدرة الله وإنما له علاقة بما تصنعه أنت بتلك القدرة التي يمنحك الله لها، إلا إذا كان السائل يتصور أن الله سينوب عنه أيضاً في مهامه بعد أن يجعله نبياً أو إماماً، وبذلك يكون الإنسان مجبوراً وليس مخيراً، فما يجب على المؤمن هو التفكير في ما يجب القيام به اتجاه رسوله وأمامه وليس التفكير بأن يكون بديلاً عنهما، يقول (عليه السلام): (أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ) أي أنه الزم نفسه بالقليل من حاجات الجسد وحرم نفسه حتى من الحلال والمباح ليكون قدوة في جهاد النفس وتربية الذات، وبذلك هو يعاني اكثر مما يعانيه بقية الناس ومن هنا صرح سلام الله عليه بقوله: (أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ )، ثم يكشف امير المؤمنين (عليه السلام) عن إمكانية اشباع شهواته ورغباته بملذات الحياة حيث قال: (وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ) والذي يمنعه من ذلك ليس كونه غير قادر على الوصول إليها أو أنه فاقد للإحساس بهذه الملذات كالملائكة مثلاً وإنما تركها بقوة إرادته وجهاده لأهواء نفسه، ولذا يقول: (هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى) وبذلك يتضح أن المعصوم يعيش جهاداً صعباً وصراعاً مريراً في تربية ذاته وتهذيب نفسه من اجل العروج بها في مدار الكمال، والمؤمن في جهاده لنفسه أنما يسير في نفس الاتجاه الذي سبقه إليه المعصوم، وهو بذلك يستحق الفضل والاجر إلا أنه يكون قاصراً وبشكل دائم عن بلوغ ما وصل اليه المعصوم من جهاد النفس وتربية الذات.