كيف تنفي وجود العالم بالصدفه وفقا لحساب الاحتمالات؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

لتوضيحِ قانون حساب الإحتمالات - بشكل مختصرٍ جداً - نضربُ مثالاً: لو تناولتَ عشرَ قطعٍ من الورق وكتبتَ عليها الأعداد من 1 إلى 10، ثمّ وضعتَها في جيبك وخلطتَها جيّداً، ثم تحاولُ أن تخرجَها من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي بحيث تلقي كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى، فإمكانيّة أن تتناولَ القطعة المكتوبة عليها (1) في المحاولة الأولى هو 1/10 واحد على عشرة، وإمكانيّة أن تتناول القطعتين ( 1 ، 2 ) بالترتيب .. وإمكانيّة أن تخرجَ القطع (1،2،3،4) بالترتيب هو واحد من عشر آلاف، حتى إنّ إمكانية أن تنجحَ في تناول القطع من (واحد إلى عشرة) بالترتيب هي 1 على 1000000000 (واحد في عشرة بلايين من المحاولات!!فنظريةُ الاحتمالات أو نظريةُ التكرار، هذه النظرية الرياضيّة تبتني على أُسس لكي تعملَ، على الأقل لا بُدّ من تواردِ وتواترِ الحالات، فكيفَ إذا حصلت لمرّةٍ واحدةٍ وهوَ الإنفجار العظيم كما يعبّرون؟! بل كيف ولم يشهدهُ أحد؟! فكيف يُمكِن أن تجري نظريةُ الاحتمال من دون أُسسها التي بُنيَتْ عليها وهي تكرارُ وتعدّد الملاحظة، حيث لم يلحظ أحدٌ لحظة نشوء الكون؟!!وإنْ تنزّلنا عن ذلك فالصدفةُ والإحتمالُ حظُّهما يزدادُ استحالةً كلّما تعقّدت الظواهر وازدادَ الأمر تعقيداً، فاحتمالُ الصُدفةِ لا قيمةَ ولا وزنَ له، بل هو بمنزلة الصفر بمنزلةِ العدم، فيخرجُ من دائرة المحتملاتِ المُمكِنة أصلاً، وهكذا العشوائيّة لا وجودَ لها؛ لاستحالة أنْ يكونَ الكونُ عشوائياً، فهناك نظامٌ يتبعهُ الكونُ متمثلٌ بالقوانين والسُنن (التي وضعها الله تعالى) والتي تخضعُ لها وتسير عليها جميع الكائنات.. إذن، لا وجودَ لما يُسمّى بالصدفة أو حتى العشوائية.هذا وينبغي الالتفات: إلى أنّ حسابَ الإحتمال لا يمكن أن يؤدّي إلى إزدياد قيمة إحتمال القضية الاستقرائية وإقترابه من اليقين، إلاّ إذا أدّى في نفس الوقت وبنفس الدرجة، إلى ترجيحِ فرضيّة السببيّة بمفهومها العقلي الذي يستبطنُ الضرورة، والمنطق التجريبي يرفضُ الإعتراف بالمفهوم العقلي للسببية، وليعلم أتباعُ المذهب التجريبي أنّ هذا الفرضَ عاجزٌ حتى عن التفسير الظني للإستقراء فضلاً عن التفسير اليقيني.لكن مع ذلك، نسألُ مرةً أخرى فنقول: هل إحتمالُ الصدفة في نشوء الكون إحتمالٌ علمي؟ بمعنى أنّ علماء الرياضيات وعلماء الفيزياء الدقيقين المُنصفين يجعلون هذا الإحتمال - وهو إحتمالُ الصُدفة - إحتمالاً معتدّاً به، أم لا؟الجواب: نتعرّضُ فيهِ بإختصار لبعضِ المحاولات للعلماء المبرزين في هذا المجال: لقد حاولَ الرياضيّ السويسري الشهير، وهو الأستاذ (تشارلز بوجين جواي) أن يستخرجَ هذه المدّة عن طريق الرياضيات، فانتهى في أبحاثهِ إلى أنّ الإمكان المحض في وقوع الحادث الإتفاقي، الذي من شأنه أن يؤدّي إلى خلق الكون إذا ما توافرت المادة هو (1 على 10 أس160) أي هو واحد من 10 في 10 مائة وستين مرة! وبعبارة أخرى: نضيفُ مئة وستين صفراً على جانب العشرة! وهو عددٌ هائلٌ لا يمكن وصفه في اللغة وليس له اسم معروف، وإنّ إمكانيةَ حدوث الجزيء البروتيني عن صدفةٍ يتطلّبُ مادةً يزيدُ مقدارُها بليون مرة عن المادة الموجودة الآن في سائر الكون، حتى يمكن تحريكُها وضخّها وإجراءُ العمليات الاحتمالية لهذا العدد الهائل من المحاولات، وأمّا المدة التي يمكنُ فيها ظهور نتيجة ناجحة لهذه العملية فهي أكثر من (10 أس243 سنة) أي حوالي مائتان وأربعون صفراً أمامَ العشرة من السنين!!ويقولُ عالم الأعضاء الأمريكي (مارلين ب. كريدر): "إنّ الإمكانَ الرياضي في توفير العللِ اللازمة للخلق عن طريق الصُدفة في نِسَبها الصحيحة هو ضربٌ من الخيال اللّا معقول، وهو أقرب من لا شيء."ونظريةُ الخلق هذه ليست مستحيلةً فقط في ضوء قانون الصدفة الرياضي فحسب، وإنّما هي لا تتمتّعُ بأيّ وزنٍ منطقي في نفس الوقت.ويقول البروفيسور (أيدوين كون كلين) "إنّ القولَ بأنّ الحياة وُجِدَت نتيجةَ "حادث إتفاقي" شبيهٌ في مغزاه بأن نتوقّع إعدادَ مُعجمٍ ضخم، نتيجةَ إنفجارٍ حدث صدفةً في مطبعة!"، "إن قانون (نظرية) الصدفة أو الاحتمال ليست إفتراضاً، وإنّما هي نظريةٌ رياضية عُليا، وهي تُطلقُ على الأمور التي لا تتوافرُ في بَحثها معلوماتٍ قطعيّة، وهي تتضمّنُ قوانينَ صارمةً للتمييز بين الحق والباطل وللتدقيق في إمكانيةِ حدوثِ حادثٍ عن طريق الصدفة". ولو إفترضنا أنّ المادة وجدَتْ نفسها في كون، وإفترضنا أيضاً أنّ تَجمّعها وتفاعُلها كان من تِلقاء نفسها (ولا يوجد أساسٌ أُقيّمُ على أساسهِ هذه الافتراضات)، ففي تلك الحالة أيضاً لن نظفرَ بتفسير الكون؛ فإنّ صدفةً أخرى تحولُ دونَ طريقنا، فلسوءِ الحظ فإنّ الرياضيات التي تُعطينا نظريةَ الصدفة الثمينة، هي نفسها التي تنفي أيّ إمكانٍ رياضي في وجود الكون الحالي، بفعلِ قانون الصدفة.وللعالم الفرنسي (الكونت دي نواي) بحثًا وافيًا حول هذا الموضوع، وخلاصة البحث: أن مقادير (الوقت، وكمية المادة، والفضاء اللانهائي) التي يتطلبها حدوث مثل هذا الإمكان في قانون الصدفة هي أكثر بكثير من المادة والفضاء الموجودين الآن، وأكثر من الوقت الذي استغرقه نمو الحياة على ظهر الأرض! وهو يرى أن حجم هذه المقادير التي سنحتاج إليها في عمليتنا هذه، لا يمكن تخيله أو تخطيطه في حدود العقل الذي يتمتع به الإنسان المعاصر، فلأجل وقوع حادث على وجه الصدفة من النوع الذي ندعيه (تكوين جزئ البروتين أو الخلية الحية)، سوف نحتاج كونًا يسير الضوء في دائرته (10 أس 82 سنة ضوئية) أي أنّنا نضعُ أمام العشرة 82 صفراً من السنين الضوئية! وهذا الحجم أكبر بكثير جدًا من حجم الضوء الموجود فعلاً في كوننا الحالي، فإنّ ضوءَ أبعدَ مجموعةٍ من النجوم في الكون يصلُ إلينا في بضعة ملايين من السنين الضوئية فقط وبناءاً على هذا، فإنّ فكرة (آينشتاين) عن إتّساع الكون، لا تكفي أبدًا لهذه العملية المفترضة! إذن، تفسيرُ الكون بما فيه من ظواهر لا يمكنُ أن يكونَ صدفةً، بل هو إحتمالٌ مستحيل.بل أكثر من هذا، حتى لو سلّمنا جدَلاً، أنّ من المحتمل أن تنشأَ الحياة من المادة صدفةً بلا خالق عبر ملايين السنين، هذا الاحتمال لا يستلزمُ أن تنشأَ الحياة صدفةً بلا خالق، وليس معنى أنّ الحياة يمكن أن تنشأ صدفةً عبر ملايين السنين أنّها يمكن أن تنشأ بمعزل عن الأسباب الموجدة لها؛ فهذا يستلزمُ أنّ المادة التي لا حياة فيها يمكن أن تعطي الحياة لغيرها، وهذا باطل؛ لأنّ فاقدَ الشيء لا يعطيه؛ إذا كان لا يملِكه ولا يملكُ أسبابه، والمادة تفتقدُ الحياة، فكيف تهَبُ الحياة لغيرها؟! والحياة شيءٌ غير مادي، فكيف تكون ناتجةً من شيء مادي؟! ما هذه العقول التي تصدّقُ أنّ الشيء (وهو المادة) يمكن أن يتحوّل لغير جنسه (وهو الحياة) بنفسه دون تدخّل قوةٍ خارجية قادرة مريدة؟! والحياةُ لا تأتي إلّا مِن حي، والكائناتُ الحية لا يمكنُ أن تأتي إلا من كائنات حيّة مثلها، وهذا الكلام يستلزمُ قبول تحوّل الناقص إلى الكامل بنفسه، وهذا نظيرُ وجود الشيء من العدم الكلي المحض، ثم هناك فرقٌ شاسع بين المادة والكائنات الحية لا يمكن تغافله؛ إذ المادة لا حياة فيها، ولا نمّو ولا حركةَ ولا تكاثر، والكائن الحي كالإنسان والحيوان يتمتع بالحياة والنمو، والحركة والتكاثر.أما قولهم: (وفي ظل وجود الكثير من الوقت المستحيل يصبح ممكنا، والممكن يصبح من المحتمل، والمحتمل قد يصبح مؤكدًا)؟هذا القول لا يصحّ؛ لأنّ الوقت عامل هدم لا عامل بناء؛ فالكائنات من إنسان وحيوان ونبات وأسماك وطيور وحشرات كلها تهرَمُ وتموت بمرور الوقت، والجمادات من بيوت وقصور وغير ذلك تفسُدُ وتبلى بمرور الوقت، وإذا تركت طعامًا أو لحمًا تجدهُ يفسد بعد مدّة معينةٍ، حتى النجوم بمرور الوقت تجدُها تفقدُ وقودَها من غاز الهيدروجين الذي يزوّدها بالطاقة، أضِفْ إلى ذلك أنّ الشيء الممكن قد يصيرُ مستحيلاً بمرور الوقت.ثم أنّ تكرارَ الحدث يُقلّل من إحتمالية الصدفة، ممّا ينبغي معرفته أنّ تكرار الحدث يُقلل من إحتمالية الصدفة حتى يصبحَ احتمالُها في حكم العدَم والمستحيل، وعندما يتكرّرُ حدثٌ معين بنفس النمط تَستبعدُ الصدفة من الحسبان، وتبحثُ عن سبب؛ فالصدفة لا تكون أكثريةً ولا دائميةَ الحدوث، بل عشوائية، لا قصدَ فيها ولا ترتيب، ولا يمكنُ التنبّؤ بها قبل حدوثها.مثال: لو وجدتَ حادثةً من الحوادث تتكرّر من حينٍ لآخر في نفس المكان وبنفس النمط، لا شك أنكَ ستستبعُد الصدفةَ، وتبحثُ عن سبب وراء ذلك، وهذا السببُ ربما يكون خللاً ما في هذا المكان، أو شخصًا معينًا يتسببُ في ذلك.إنّ الهدف من ضرب هذا المثال وإثارةِ هذه المسألة، ليس إلّا أن نوضّح كيف تتعقّد "الوقائع" بنسبة كبيرة جدًا في مقابل "الصدفة" ولنتأمل الآن في أمر هذا الكون، فلو كان هذا بالصدفة والإتفاق، كم من الزمن استغرقَ تكوينه بناءاً على قانون الصدفة؟ إنّ الأجسام الحية تتركّب من "خلايا حية" وهذه الخلية مركّبٌ صغيرٌ جدًا ومعقّدٌ غاية َالتعقيد، وهي تُدرس تحت علم خاص يسمّى علم الخلايا، ومن الأجزاء التي تحتوي عليها: البروتين وهو مركّب كيماوي من خمسة عناصر هي الكربون، الهيدروجين، النيتروجين، الأكسجين والكبريت، ويشمل الجزيء البروتيني الواحد (40000) من ذرات هذه العناصر، وفي الكون الذي نعرفهُ أكثر من مائة عنصر كيميائي وكلّها منتشرة في أرجائه، فأيّة نسبةٍ في تركيب هذه العناصر يمكنُ أن تكون في صالح "قانون الصدفة"؟ أيمكنُ أن تتركّب خمسة عناصر من بين هذا العدد الكبير لإيجاد الجزيء البروتيني بصدفةِ الإحتمالات؟ ذلك القدرُ الهائل من المادة الذي سنحتاجهُ لتحدُث فيه الحركة اللازمة على الدوام؟! كما نستطيعُ أن نتصوّر شيئاً عن المدّة السحيقة التي سوف تستغرقُها هذه العملية!!ولا بدّ أن يكونَ واضحًا أنّ القول بالإمكان في قانون الصدفة الرياضي لا يعني أنّه لا بدّ من وقوع الحادث الذي ننتظرهُ، بعد تمام العمليات السابق ذكرها، في تلك المدّة السحيقة، وإنّما معناهُ أنّ حدوثه أثناء تلك المدّة محتمل، وليس بالضروري، فمن الممكن على الجانب الآخر من المسألة ألا يحدُث شيء ما بعد تسلسلِ العملية إلى الأبد!وإذا كان وجودُ هذا الكون عن طريقة الصدفة، أليس من الممكن أن توجدَ صدفة أخرى تقضي على هذا الكون كله؟! وتتعطلَ كل هذه المصالح من شمس وقمر ونجوم وغير ذلك، ممّا في هذا الكون المترابط المنتظم بصورة تضمنُ إستمرار الحياة سليمةً عن الخراب والتداخل؛ إذ الشمس تجري لمستقرٍ لها، والنجوم زينة للسماء، والقمر ضياء، والرياح لواقح، والسّحبُ تحملُ المطر، والليل في وقته، والنهار في وقته، كلّها تجري لصالح الإنسان ولبقاء الحياة، هذه الدهورُ التي لا يعرف لها وقتًا إلا الله تعالى، بل والإنسان نفسه أعظم آية، كيفَ أوجدتهُ الصدفة من العدم؟ وكيف وُجِد الإنسانُ الحيّ من مادة ليس لها حياة؟!.سؤالٌ آخر: هل يمكن طرحُ الصدفة كتفسيرٍ لظاهرة واحدةٍ جزئية - لا لجميع الظواهر- أو لا يمكن ذلك؟إنّ طرح الصدفة كتفسير لا يفسّرُ شيئاً، لكنّه يطلقُ إصطلاحاً يعكس جهلنا؛ فمن دون إرجاع الاحتمالات إلى أسباب وعواملَ دافعة يُصبحُ إصطلاح الصدفة لا معنى له؛ كأنّك تتساءلُ لماذا إنهدمَ هذا البناء؟ ثم تجيبُ أنّ إنهيارهُ هو أحد الأحداث المحتملة! إنّك لم تفسّر شيئا؛ عليك أن تُحدّد مثلاً إذا كانت أساساتُ البناء أو أحمالهُ أو إنقضاءُ عمره الافتراضي هو سببُ ذلك، وإن تُحدّد إحتماليةَ كلّ تفسير. هكذا يصبح التفسير ذا معنى.أخيراً نقولُ: القولُ بالصدفة لا ينفي وجود الفاعل. لماذا؟ لـو تتبّعنا إسـتخدام كلمة (صدفة) في حياتنا اليومية لوجدنا أنّ هذه الكلمة لا تُستخدم - في حياتنا اليومية - إلّا للتعبير عن واحد من ثلاثة مفاهيم:المفهوم الأول: يستعملُ للتعبير عن عدم القصد من وراء الفعل مع إمكانيةِ فعل الفعل بقصد، كأن تلتقي بصديق في محلّ تجاري من غير موعد، فتقول لقيتهُ صدفةً أي بغير قصد.المفهوم الثاني: يستعملُ للتعبير عن وجود القصد لإحداث الفعل مع عدم توفّر القدرة على فعله، كأن يرمي رجلٌ لا يعرف فنونَ الرماية هدفًا فيصيبُه من أوّلِ رمية. فيُقال: إنّ إصابته للهدف كان من قبيل الصدفة أي ليست عن استحقاق ومهارة لديه.المفهوم الثالث: يستعملُ للتعبير عن عدم وجود رابط بين حدثين متزامنين أو متلاحقين أي انتفاء ما يسمّى برابط السببية بينهما سواء كان هذا الرابط مباشرًا باعتبار أحدهما (سبب) والآخر (نتيجة)، أو غير مباشر بإعتبار أنّ كليهما نتيجةٌ مشتركة لسبب ثالث غير ظاهر، والأمثلةُ على ذلك كثيرة منها موت إنسان ما وصراخُ امرأة تقطنُ المنزل المجاور له لسبب آخر، فنقول: إن تزامن صراخ المرأة مع موت الرجل أو حدوثهُ بعد الموت مباشرةً كان من قبيل الصدفة وليس بسبب حدث الموت.يُمكنُنــا أن نرى بوضوح ـ مـن خلال الاســتخدامات اليومية لكلمة صدفة ـ أنّه لا علاقة لمفهوم الصدفة الذي نستخدمهُ مع ما يحاول هؤلاء الملحدونَ أن يوهمونا به، ففي الحالتين الأوليين كان إستخدامُ كلمة صدفة يقتصرُ على التعبير عن عدم القصد أو عدم القدرة، لكنّه لا يتحدّث أبدًا عن عدم وجود فاعل أصلاً، ولا يمتّ إلى هذه الفرضية بأيّة صلة! فكونك التقيتَ بصديقك في المحل التجاري صدفةً لا يعني أنّ هذا اللقاء تمّ بدون أن يكونٍ هناك فاعل له، والفاعلُ هنا ـ كما هو واضحٌ ـ هو أنت وصديقك، فكلاكما قامَ بعمل من أجل إحداث هذا اللقاء كالمشي من المنزل إلى المحل التجاري مثلاً، وغايةُ الأمر أنّكما لم تَقصدا إحداث اللقاء، وكذلك الشأن في الاستخدام الثاني لكلمة الصدفة، فكونُ الرمية التي رماها المبتدئُ في الرماية أصابت الهدف صدفةً لا يعني أنّ ذلك حدثَ دون الحاجة إلى فاعل وهو الرامي في هذه الحالة، فإطلاقُ كلمة صدفة على هاتين الحالتين لا يعني مطلقًا عدمَ الحاجة إلى وجودِ فاعلٍ للأحداث، وإنّما يعني أحدَ أمرين: إمّا عدمَ القصد لإحداث الفعل، أو إحداثَ الفعل مع وجود القصد ولكن دونَ وجود القدرةِ على إحداثه، وفي كلتا الحالتين فإنّ الفاعلَ موجودٌ وهو ما يريدُ المُشكّكون نَفيَهُ، فأيّ حجةٍ لهم في إستخدامِ كلمة صدفة سوى تضليلِ الناس وإيهامِهم بوجود بديلٍ معقول لمسألة الخلق؟!!وعلى ذلك فإنّ إستخدامَهم لكلمة (صدفة) بأحد هذين المعنيين في إطارِ مسألة نشأة الكون هو في الحقيقة مكافئٌ لأن يقولوا: إنّ للكون خالقًا ولكنّه خلقهُ من غير قصدٍ منه، وكان بالرغم من ذلك بهذا الإتقانِ والعظمة، أو أن يقولوا: إنّه قُصدَ خلقه بهذا الإتقان والعظمة، لكن خالقه لم يكن يملُك القدرة على ذلك، وإنّما حدثَ له ذلك عن طريق الصدفة، فهل يقول بهذا الكلام عاقل؟!وبالرغم من ظهورِ فساد هاتين المقولتين، إلا أنّ الأمر الأهم هو كون المنكرين إنّما يريدون أصلاً من وراء فكرةِ الصدفة نفيَ الحاجة إلى وجود الخالق، الأمر الذي لا يتيحُ لهم إستخدام كلمة (الصدفة) بأحد هذين المعنيين.أمّا الإستخدام الثالث لكلمة صدفة، فيقتضي أن يكونَ هناك حدثانِ متزامنان أو متلاحقان، والبحث حينئذٍ يكونُ في علاقة أحدهما بالآخر هل هي صــدفيةٌ أم سببيّة وهم ـ أي المتعلّقون بنظرية الصدفة ـ إنّما يتحدّثون عن حدَثٍ واحدٍ وهو نشأةُ هذا الكون، فما هو الحدثُ الآخر الذي يستخدمون الصدفةَ للتعبير عن العلاقة بينهُ وبين نشأة الكون؟ ليس هناك جوابٌ إلّا أن يقالَ: إنّه وجودُ الحق ـ سبحانه وتعالى ـ مع اعتراضِنا على تسمية ذلك حدثًا ـ وحينئذٍ لا حاجةَ للمناقشة معهم؛ إذ أثبتوا وجودَ الخالق وهو الأمرُ الذي يريدون نفيَ الحاجة إليه، أو أن يقولوا بوجود حدثٍ آخر قبلهُ وهي فرضيةٌ لا دليلَ عليها وتستلزمُ التسلسلَ أو الدور وكلاهما باطل.الخلاصة: إنّ استخدامَ كلمة (صدفة) في حياتنا اليوميّة لا يطلقُ على إيجاد شيء من لا شيء، وبذلك لا يصحّ إستخدامها كبديلٍ لمقولة الخلق والتي تطلق على هذا المعنى، ولو أنّ إنسانًا أبصرَ وهو يسيرُ في الطريق بيتًا يظهرُ فجأة في الخلاء، وأرادَ أن يصف هذا الحدث المذهل لربما قال: إنّ ظهور البيت كانَ من قبيلِ المعجزة أو الخارقة، لكنّه قطعًا لن يقولَ: إنّ ظهورَ البيت كان من قبيل الصدفة، فمِن أينَ تسلّلَ هذا الإستخدام لكلمةِ صدفة ليَحلّ محلَّ كلمة الخلق؟!!!