كيفَ يمكنُ تهيئةُ المُجتمعِ لاستقبالِ الإمامِ المهدي (عج) ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الإجابةُ على هذا السؤالِ لا تخرجُ عن إطارِ ما أمرَ بهِ الإسلام، فكلُّ المبادئِ والتعاليمِ الإسلاميّة التي تستهدفُ بناءَ مُجتمعٍ صالحٍ تكونُ مناسبةً لهذه الإجابة، فما يسعى إليهِ الإمامُ المهدي (عليهِ السلام) ليسَ شيئاً مُخالفاً لِما أرادَ الإسلامُ تحقيقَه، وهُنا علينا أن نسألَ إن كانَ حالُ مُجتمعاتِنا الإسلاميّة يدخلُ السرورَ والرضا على قلبِ الإمامِ المهدي أم لا؟  والإجابةُ على هذا السؤالِ لا تكونُ على نحوِ التقييمِ الشخصي وإنّما يجبُ أن تكونَ وفقاً لمعاييرِ الإسلامِ وضوابطِه، ومنَ المؤكّدِ أنَّ مُجتمعاتِنا الإسلاميّة ينقصُها الكثيرُ حتّى تكونَ مُعبّرةً عن المُجتمعِ الذي أرادَ الإسلامُ إقامتَه، وبذلكَ يكونُ الارتقاءُ الإيمانيّ بهذه المُجتمعات هوَ الذي يُمثّلُ التهيئةَ الحقيقيّةَ لاستقبالِ الامامِ المهدي (عليهِ السلام)، ولا نقصدُ بذلك فقط  جانبَ الالتزامِ التشريعيّ والأخلاقي، بل يجبُ أن تتطلّعَ مُجتمعاتنا لدورها الحضاري كأمّةٍ لها مسؤوليّةٌ اتّجاهَ قيمِها الدينيّة، فاللهُ لم يخلقِ الدنيا ولم يستخلِف الإنسانَ فيها إلّا لإقامةِ العدلِ ومواجهةِ الظُلم والعدوان، قالَ تعالى: (لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ) فمِن أهمِّ واجباتِ المُسلمِ هيَ تحقيقُ العدالةِ ومواجهةُ الظالمينَ والوقوفُ في وجهِ الفسادِ بكلِّ أشكالِه سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، ولو رجعنا للمسارِ التاريخيّ لهذهِ الأمّةِ وحاولنا أن نقفَ على عواملِ الانحرافِ التي قادَتِ الأمّةَ إلى هذا المُستوى منَ الهوانِ والضعف، لوجدناها تعودُ بشكلٍ مباشرٍ إلى تخلّي الأمّةِ عن مسؤوليّتِها تجاهَ تحقيقِ العدالةِ في جميعِ مستوياتِها، فما وقعَ على الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) مِن مظالمَ يعودُ بشكلٍ أساسيّ إلى تخلّي الأمّةِ عن نُصرةِ الحقِّ وإقامةِ العدل، فإذا لم تتخلّى هذهِ الأمّةُ عن الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) لما عادَ الأمرُ إلى الطلقاءِ مِن بني أميّة وبني العبّاسِ وكلِّ الطواغيتِ الذينَ تحكّموا في ماضي وحاضرِ الأمّة الإسلاميّة، بل حتّى غيبةُ الإمامِ المهدي (عليهِ السلام) لم تكُن لو تحمّلت الأمّةُ مسؤوليّتها اتّجاه القياداتِ الشرعيّة التي أمرَ اللهُ باتّباعها، ونحنُ اليومَ إن كُنّا حقّاً مِن أنصارِ الأئمّةِ ومنَ المُنتظرينَ لإمامِ زمانِنا والمُمهّدينَ له الطريقَ، يجبُ أن نتحمّلَ المسؤوليّةَ كاملةً بالسعي في تحقيقِ ما يسعى الإمامُ المهديّ لتحقيقِه، فلو قامَت الأمّةُ بجهودِها في سبيلِ مواجهةِ الظلمِ والفسادِ ووطّنَت نفسَها على ذلكَ فسوفَ يأتي الإمامُ المهدي ليتوّجَ هذه الجهودَ بالنصرِ الكبير، فلو كُنّا حقّاً نتحرّقُ شوقاً لقدومِ صاحبِ العصرِ والزمانِ حتّى يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً، فلا بدَّ أن نكونَ منَ المُحبّينَ للعدلِ والكارهينَ للظُلم في جميعِ أفعالِنا ومواقفِنا وشؤونِ حياتنا، ومِن هُنا فإنَّ الوقوفَ معَ الظُلمِ والفسادِ أو السكوتِ عليه والتكيّفِ معه يصبُّ في الاتّجاهِ المُعاكس لمشروعِ الإمامِ المهدي (عليهِ السلام).  فالتمهيدُ الحقيقيُّ يتطلّبُ تحمّلَ الأمّةِ لمسؤوليّتِها الدينيّة عقائديّاً وتشريعيّاً وأخلاقيّاً وحضاريّاً، ويبدو أنَّ هزيمتَنا الحضاريّة كانَ لها مردودٌ سلبيٌّ على عقائدِنا وتشريعاتِنا وأخلاقِنا، فالأمّةُ المُنهزمةُ عادةً تكونُ تابعةً ومُستسلمةً ثقافيّاً للأمّةِ المُنتصرة، ولذلكَ صارَت مُجتمعاتُنا اليومَ تتسابقُ في تقليدِ الحضارةِ الغربيّة ممّا أثّرَ على مُجملِ انتمائِها للإسلام.