الرد على دعوى وجودِ خالقٍ لاعلاقة له بخلقه

هناك خالق لكن لا تربطه أي علاقة بالأديان الأرضية وكتبها ومقدساتها هذا السؤال يردده الكثيرون في هذه الأيام

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : الربوبيُّ هوَ الوجهُ الآخرُ للمُلحد، فكلاهما لا يؤمنانِ بالدينِ ويحملانِ مشروعاً مُناهضاً لرسالاتِ اللهِ ورُسله، فإشكاليّةُ المُلحدِ ليسَت في وجودِ خالقٍ ما لهذا الكون، وإنّما مُشكلتُه في وجودِ خالقٍ له مشروعٌ للإنسان، فالإلهُ الذي لا تربطهُ أيّ صلةٍ أو علاقةٍ بالإنسانِ وينحصرُ دورُه فقط في الخلقِ والإيجادِ لا يسبّبُ أيّ أزمةٍ للإلحاد، فالإنسانُ المُتمرّدُ على الأديانِ هوَ الإنسانُ الذي يبحثُ عن فعلِ ما يشاءُ كيفَ يشاء متى يشاء، ولذلكَ لا يرغبُ في وجودِ أديانٍ لها حقُّ الوصايةِ على فعلِه وسلوكه، وبما أنَّ الرّسلَ هُم الذينَ يحملونَ دينَ اللهِ للعبادِ فمنَ الطبيعيّ أن يكونَ الكفرُ باللهِ هو الطريقُ للكُفرِ بهذهِ الرّسالات، وعليهِ فإنَّ الدافعَ الجوهريّ للإلحادِ هو الكفرُ بالأديانِ ومِن ثمَّ يأتي تبريرُ هذا الكُفرِ بعدمِ وجودِ إله، فمثلاً عندَما تصادمَت الكنيسةُ في أوربا مع العلماءِ لم يجِد العلماءُ طريقاً للكُفرِ بالكنيسةِ إلّا بالكُفرِ بإلهِ الكنيسة، ولذا كانَ مشروعُهم مُنصبّاً على زعزعةِ الثقةِ في الكنيسةِ من خلالِ نفي الإلهِ بوصفِه المصدرَ الذي تكتسبُ منه الكنيسةُ شرعيّتَها، وما زالت هذهِ السياسةُ هي المُعتمدةُ في كلِّ المشاريعِ الإلحاديّة، ولذا لا نجدُ للمُلحدينَ أيَّ نشاطٍ وسطَ المُجتمعاتِ غيرِ المُتديّنةِ بدين، وبالتالي نفيُ وجودِ إلهٍ لا يشكّلُ أيَّ همٍّ حقيقيٍّ للمُلحد وإنّما نفيُ الأديانِ هو الهاجسُ الذي يحرّكُهم. وما يؤسفُ له أنَّ المشروعَ الإلحاديَّ ما زالَ مُتأثّراً بالتصادمِ الذي حصلَ بينَ الكنيسةِ وبينَ مشروع ِالنهضةِ الأوربيّة، ولذا تجدُ حتّى المُلحدينَ العربَ يقاربونَ الأديانَ بنفسِ العقليّةِ الأوربيّة التي قاربَت الدّينَ الكنسيَّ في تلكَ المرحلةِ التاريخيّة، مع أنّ الضرورةَ العلميّة والمنهجّية تقضي الفصلَ بينَ الدّينِ الكنسيّ كنموذجٍ للأديانِ وبينَ أصلِ الدينِ كضرورةٍ لا يمكنُ التخلّي عنها، وعليهِ فإنَّ تأسيسَ رؤيةٍ سلبيّةٍ تتّسمُ بالثباتِ والديمومةِ اتّجاهَ كلِّ الأديان، ليسَ إلّا موقفاً نفسيّاً منَ الدّينِ لا علاقةَ له بالمُبرّراتِ العلميّة والمنطقيّة، فاختلافُ الظرفِ واختلافُ الدينِ يحفّزُ العقلَ الفلسفيّ للقيامِ بمُقارباتٍ جديدةٍ، ولا يكتفي بمُقارباتٍ سابقةٍ لها ظرفُها الثقافيّ والنفسيّ الخاصّ، ولذلكَ ليسَ منَ العقلِ في شيءٍ تعميمُ مُقارباتِ فلاسفةِ عصرِ النهضة فيما يخصُّ الأديان، والنظرُ إليها كحقيقةٍ جازمةٍ غيرِ قابلةٍ للنقاش، ومِن هُنا يمكنُنا أن نُشيرَ الى الخطأ الذي وقعَ فيه بعضُ المُفكّرينَ العرب حينما أسقطوا تلكَ النتائجَ على الدّينِ الإسلامي، مع أنَّ الإسلامَ يختلفُ في عقائدِه وتعاليمِه مع ما هوَ موجودٌ عندَ الكنيسة، وعليهِ فأصلُ الإلحادِ هو ظاهرةٌ معارضةٌ للسّلطةِ الدينيّةِ المُتمثّلةِ في الكنيسةِ إلّا أنّهم عملوا على تعميمِها لتشملَ جميعَ الأديان. معَ أنَّ الربوبيَّ والمُلحدَ يشتركانِ في الغايةِ والهدف، إلّا أنَّ الذي يؤمنُ بوجودِ إلهٍ يُقصّرُ الطريقَ كثيراً في النقاشِ، فكلُّ مَن يؤمنُ بوجودِ إلهٍ خالقٍ لا بدَّ أن يصفَه بالعلمِ والقُدرةِ والحِكمةِ والرّحمةِ وكلِّ صفاتِ الكمالِ والجمال، وإلّا كيفَ يكونُ إلهاً جاهِلاً وعاجزاً ولا يتّصفُ بالحِكمةِ خالقاً لهذا الكون؟ وعليهِ فاللهُ الذي دعا له الأنبياءُ والرّسولُ ينسجمُ تماماً مع وصفِ الخالقِ لهذا الكون، ومِن هُنا لا يمتلكُ الرّبوبيُّ أيَّ تبريرٍ لفرضِ إلهٍ آخرَ غيرَ ما وصفَته الرّسالاتُ السّماويّة، أمّا القولُ بعدمِ وجودِ علاقةٍ بينَه وبينَ إلهِ الأديانِ لا يعدو كونَه افتراضاً ساذجاً ما لم يكُن هناكَ ما يدعمُه، والسبيلُ الوحيدُ للتأكّدِ مِن ذلكَ هوَ مقارنةُ ما يتّصفُ به اللهُ معَ ما جاءت بهِ الرّسل، فإن كانَت تعاليمُ الرّسلِ تتعارضُ مع ما يتّصفُ به اللهُ حينَها يمكنُنا القولُ أنَّ هذه الرّسالةَ لا تكونُ مُعبّرةً عن الله، فمثلاً لو فرضنا مَن ادّعى الرّسالةَ وكانَت رسالتهُ خليطاً منَ الجهلِ والتناقضِ والظلمِ وعدمِ الحِكمة حينَها لا يمكنُ للإنسانِ الإيمانُ بهذهِ الرّسالةِ لأنّها بالتأكيد لا تشبهُ اللهَ الذي يجبُ الإيمانُ به، ومِن هنا فإنَّ التحدّي الذي وضعَه الإسلامُ أمامَ الجميعِ وإلى يومِ القيامةِ هوَ قولهُ تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ ۚ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا). وفي المُحصّلةِ اللهُ الذي جاءَ وصفُه في القرآنِ والتعاليمِ التي أمرَ بها في كتابِه الكريمِ لخيرُ دليلٍ على أنّها منَ اللهِ الواحدِ الذي خلقَ كلَّ شيء. وفي الختامِ نرى منَ المناسبِ للسّائلِ أن يطّلعَ على مقالٍ كتبَه ملحدٌ تركَ الإلحادَ فأصبحَ ربوبيّاً ثمَّ تركَكلّ ذلكَ وآمنَ باللهِ الذي بشرَ به الإسلام، وهو الدكتور خالد سليمان في مقالٍ له بعنوان (لمن يؤمنُ بوجودِ إله، ولكن ليس إله الأديان) ويمكنُ مراجعتهُ على الرابط التالي اضغط هنا