هل الليبراليّةُ تعملُ على تجزئةِ الإسلام؟  

بعدَ ظهورِ مجموعةِ دعاةٍ ليبراليّينَ شكّلوا تيّاراً ومجموعاتِ أفكارٍ ليبراليّةً أقحموها داخلَ الإسلامِ وأطلقوا عليها إسمَ (الإسلامِ الإجتهادي) رغمَ أنّ بعضاً منهم يرى تسميةً أخرى وهي (الإسلامِ التقدّمي). أ_ لماذا يحاولُ دعاةُ الليبراليّةِ تجزئةَ الإسلامِ وتقسيمَه؟ ب_ لماذا أقحموا إسمَ (الليبراليّة) في عنوانِ الإسلام؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

 

أ‌- لماذا يحاولُ دعاةُ الليبراليّةِ تجزئةَ الإسلامِ وتقسيمَه؟   

المعالجةُ المُقترحةُ مِن هذهِ التيّاراتِ لجعلِ الإسلامِ أكثرَ مرونةً بينَ أيديهم، تقومُ على مواجهةِ الإسلامِ الذي توارثتهُ الأمّةُ بوصفِه حائلاً بينَهم وبينَ مشروعِهم الحداثوي، ولذلكَ عملوا على إستبدالِ السّلطةِ المعرفيّةِ للمؤسّسةِ الدينيّةِ بسلطةٍ جديدةٍ مركزيّتُها الحضارةُ الغربيّة، فهُم بالتّالي لم يعملوا على تجزئةِ الإسلامِ وإنّما عملوا على إستبدالِ الأدواتِ المعمولِ بها في المعرفةِ الدينيّة بأدواتٍ أخرى تمكّنُهم مِن تشكيلِ إسلامٍ يتناسبُ مع توجّهاتِهم الثقافيّة، يقولُ نصر أبو زيد: "فمنَ الطبيعيّ، بل منَ الضروريّ، أن يُعادَ فهمُ النّصوصِ وتأويلها بنفي المفاهيمِ التاريخيّةِ الإجتماعيّةِ الأصليّةِ وإحلالُ المفاهيمِ المُعاصرةِ، والأكثر إنسانيّةً وتقدّماً" . فهوَ بذلكَ يجعلُ الإسلامَ في صورتِه المُتاحةِ مجرّدَ معانٍ باليةٍ يجبُ إستبدالها بمعانٍ مستمدّةٍ مِن روحِ الحضارةِ العصريّةِ، وعليهِ لا يقومُ هذا التوجّهُ بإنشاءِ نظامٍ معرفيٍّ يقومُ بعمليّةِ فرزٍ بينَ ما هوَ عقلائي وغيرِ عقلائي، ولا يكتفي بإعادةِ ترتيبِ ودراسةِ ما هوَ موجودٌ، وإنَّما يبحثُ عن إسلامٍ هوَ الذي يوجدُ معانيهِ بناءً على الأفقِ الثّقافي الذي تتحكّمُ فيه المرحلةُ، وبالتّالي غيابُ أيّ مفهومٍ خاصٍّ يمكنُ أن يحتفظَ به الإسلامُ كدينٍ، كما يقولُ أركون: "نجدُ ضمنَ هذا المنظورِ أنَّ الإسلامَ لا يكتملُ أبداً، بل ينبغي إعادةُ تحديدِه وتعريفِه داخلَ كلِّ سياقٍ إجتماعيٍّ - ثقافي وفي كلِّ مرحلةٍ تاريخيّةٍ مُعينة" . ولا يتحقّقُ التّأسيسُ لهذهِ القراءةِ المُنفتحةِ إلاّ بالإرتكازِ على النسبيّةِ التي لا تعترفُ بحقيقةٍ مُطلقةٍ، لأنَّ المعنى المُطلقَ - بحسبِ تلكَ النّظرةِ - يتحوّلُ إلى سقفٍ يتوقّفُ عندَه العقلُ المُسلمُ ولا يُسمحُ له بتجاوزِه، وهوَ ما يشكّلُ عائقاً أمامَ هذه القراءةِ، والمعالجةُ بهذا المعنى لا تتوقّفُ عندَ حدودِ ما أنتجَته الأمّةُ مِن وعيٍ إسلاميّ، وإنَّما يتعدّى تجربةَ تفسيرِ النّصِّ إلى النّصِّ ذاتِه، حيثُ يغدو المقصودُ هو الوحيُ سواء أكانَ نصّاً قرآنيّاً، أم حديثاً نبويّاً. أو كما يقولُ علي حرب: "نتخطّى نقدَ التّفاسيرِ والشّروحاتِ إلى نقدِ الوحي نفسِه".  

ب‌-  لماذا أقحموا إسمَ الليبراليّةِ في عنوانِ الإسلام؟   

يبدو أنَّ الثقافةَ العربيّة تتفاعلُ مع المُسمّياتِ أكثرَ منَ المضامينِ، والإنسانُ العربيُّ في كثيرٍ منَ الأحيانِ يُبرزُ نفسَه كمثقّفٍ مِن خلالِ ترديدِ بعضِ المُصطلحاتِ ذاتِ الوقعِ الرنّان، وقد ساعدَ في ذلكَ أنَّ مجتمعاتِ العالمِ الثالثِ لا تُخفي إندهاشَها بما توصّلت لهُ الحضارةُ الغربيّة، فأصبحَ منَ السّهلِ ترويجُ الأفكارِ تحتَ مسمّياتٍ لها علاقةٌ بالتجربةِ الغربيّة، وغيرُ ذلكَ لا نجدُ أيَّ مبرّرٍ لنسبةِ الليبراليّةِ للإسلامِ، لا مِن حيثُ التصوّرُ المعرفيُّ ولا مِن حيثُ البناءُ المنهجيّ ولا مِن حيثُ النتائجِ والمآلات، وفي نفسِ الوقتِ لا نمانعُ في أن تكونَ الليبراليّةُ خياراً للبعضِ مِن غيرِ إسقاطِها على الإسلامِ من أجلِ دعايةٍ ترويجيّةٍ ليسَ إلّا.