هل هناكَ ليبراليّةٌ إسلاميّة؟

س2: ظهرَت حركاتٌ فكريّةٌ تُوصَفُ بأنّها (ليبراليّةٌ إسلاميّة) والتي تنظرُ إلى الإسلامِ بأنّهُ يُنادي بقيمِ الحُريّةِ وحقوقِ الإنسانِ والمساواةِ وغيرِها، وقد حرّفوا هذهِ القيمَ، فعبّروا عن المساواة مثلاً ب:(المساواةِ الليبراليّة) وروّجوا إلى (فصلِ الدّينِ عنِ الدّولة ) وهكذا أمورٌ هيَ مِن مُنتجاتِ الحضارةِ الغربيّةِ التي تحاولُ سلبَ كلِّ فِعلٍ أخلاقيٍّ رائعٍ عندَ الإسلامِ وإنتزاعَه منه، وإضافةَ عنوانِهم عليه، فما جوابُكم حولَ هكذا سؤال؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الليبراليّةُ الإسلاميّةُ أو التقدّميّةُ الإسلاميّة أو غيرُها منَ المُسمّياتِ ليسَت إلّا محاولاتٌ كسولة لا تُجهدُ نفسَها في إيجادِ مقارباتٍ جادّةٍ وإنّما تكتفي بإسقاطِ النظريّاتِ الحديثةِ على الإسلامِ، الأمرُ الذي يجعلها مجرّدَ إستجابةٍ سلبيّةٍ مُنفعلةٍ غيرِ فاعلةٍ، وقد عانى الخطابُ الإسلاميُّ مِن هذهِ القراءاتِ التي تحاولُ تكييفَ الإسلامِ معَ كلِّ فكرةٍ جديدةٍ، فمثلاً عندَما كانت السّاحةُ منشغلةً بالإشتراكيّة سارعَ البعضُ إلى إعادةِ إنتاجِها إسلاميّاً، ودافعَ عنها بوصفِها فكراً إسلاميّاً أصيلاً، إلّا أنّهُ سرعانَ ما إنحسرَ هذا التيّارُ بانحسارِ الإشتراكيّةِ عالميّاً، ويبدو أنَّ الليبراليّةَ اليوم تمثّلُ الفكرةَ الجاذبةَ والمسلّطَ عليها الأضواء، وبالتّالي ليسَ مُستبعداً أن تكونَ نفسُ العقليّاتِ التي روّجَت للإشتراكيّةِ بوصفِها فِكراً إسلاميّاً هيَ ذاتُها التي تروّجُ لليبراليّةِ بنفسِ ذلكَ الوصفِ، الأمرُ الذي يكشفُ عن عجزِ بعضِ العقليّاتِ الإسلاميّة في تقديمِ قراءةٍ إسلاميّةٍ خاصّةٍ بعيداً عن هذه التلويناتِ المزاجيّة.  

ويبدو أنَّ الذي سهّلَ المهمّةَ أمامَ هذه التوجّهاتِ هوَ إحتواءُ الإسلامِ للقيمِ التي تهمُّ حياةَ الإنسانِ، والتوجّهاتُ السياسيّةُ والثقافيّةُ ذاتُ البُعدِ الإنسانيّ تحتوي بلا شك على بعضِ القيمِ الضروريّة، فمنَ السّهلِ حينَها الإستدلالُ عليها إسلاميّاً، فمثلاً عندما تكونُ أزمةُ الإنسانيّةِ في العدالةِ الإقتصاديّةِ فمنَ الطبيعيّ أن تُصبحَ الإشتراكيّةُ هيَ الفكرةُ الجاذبةُ، بل قد تتحوّلُ إلى القيمةِ المحوريّة التي تشكّلُ معياراً للحقيقةِ، وحينَها منَ السّهلِ تفسيرُ الإسلامِ كلِّه على أساسِ هذهِ القيمةِ، وكذلكَ الحالُ مع الليبراليّةِ التي جعلت الحريّةَ هيَ القيمةَ العصريّةَ المُلحّةَ، فمنَ الطبيعيّ أن يحاولَ البعضُ تفسيرَ الإسلامِ على أساسِ هذه القيمةِ، وقد تساعدُهم النصوصُ الدينيّة في إعطاءِ الشرعيّةِ لهذه القيمةِ بوصفِها قيمةً إسلاميّةً أصيلةً أيضاً.   

إلّا أنَّ المُشكلةَ في هذا النّوعِ منَ الفهمِ هيَ النّظرةُ الضيّقةُ التي تقيّمُ الإنسانَ ضمنَ أطرٍ محدودةٍ لا تستوعبُ كلَّ تطلّعاتِه الحياتيّةِ، فالحريّة كما قدّمنا في إجاباتٍ سابقةٍ تتحرّكُ ضمنَ نظامٍ قيميٍّ شاملٍ ومتكامل، لا يمكنُ جعلُها قيمةً محوريّةً مِن غيرِ مراعاتِ تزاحمِ القيمِ ضمنَ قانونِ المهمِّ والأهمّ، وعليهِ يجبُ تقديمُ قراءةٍ إسلاميّةٍ مستوعبةٍ لكلِّ القيمِ في تصوّرٍ ناضجٍ ومتوازنٍ لا تكونُ فيهِ الحريّةُ على حسابِ أيّ قيمةٍ أخرى، والإسلامُ بمنظومتِه الأخلاقيّةِ وبإطارِه التشريعيّ يُعتبرُ الأكثرَ توازناً مِن أيّ فهمٍ إنسانيّ قاصر.